فؤاد
بلحسن
-
في
الحد الأدنى، الجميع في الساحة السياسية المغربية مجمع على أن الدستور الجديد لم
ينقلنا إلى ملكية برلمانية، و إنما إلى ملكية شبه رئاسية – على غرار ما عليه الأمر
في فرنسا. و في الحد الأدنى هذا مبرر كافي لاستمرار نضال الحركة، باعتبار أن
الملكية البرلمانية هي الشكل الوحيد الممكن في التجربة المغربية لممراسة ديمقراطية
حقيقية بكل مقوماتها السياسية، و على رأسها حرية المنافسة السياسية و مقابلة السلطة
بالمحاسبة. و هو بالتأكيد حكم مبني على معاينة سابقة لممارسات سياسية لاديمقراطية
نسجها النظام السياسي في مسيرة البلاد المتعثرة نحو الديمقراطية، و على رأسها
التدخل في الحياة السياسية و الحزبية، تحوير الإرادة الشعبية و التغاضي عن الفساد بجهاز
الدولة و بالمؤسسات.
نعم، قد يكون مبررا، و على غرار جميع الملكيات الديمقراطية، الإحتفاظ بسلطات رمزية
و بسلطة التحكيم للملك، بل وحتى سلطات تنفيذية على صعيد المؤسسة العسكرية، لكن ما
لم يكن مبررا هو الإحتفاظ له بسلطات تنفيذية حقيقية على صعيد المجلس الوزاري من
جانب، و على صعيد تلك السلطات الرازحة بين النصوص الدستورية والتي من شأنها أن
تفتح النص – و بخفة لا تحتاج كبير عناء- على التأويل الواسع لصالح مد سلطة الملك
في الشأن السياسي و الحزبي و السياسات العمومية.
ثم إن استمرار
اللاعدالة اجتماعية و عدم محاكمة المفسدين يعطي للحركة مبررا إضافيا للبقاء وللإستمرار.
-
الحركة
اليوم أمام معادلات سياسية جديدة، و المفترض في سلوكها إما تجاهل المعطيات الجديدة
مطلقا والإستمرار في العزف على نفس الوتر، و إما وضع استراتيجية نضالية جديدة تدمج الذاكرة بالرؤية، و الإرادة بالإصرار، و
الصمود بشرعية المطالب. فإذا كان الإفتراض الثاني اختيار العقلاء، فإن الإصرار على
الإفتراض الأول هو الحمق بعينه. لقد تابع الجميع، و بإعجاب كبير، مناورات النظام و
قدرته على الإحتفاظ بموازين القوى السياسية (حشده لعدد كبير من الأحزاب السياسية –أغلبية
و معارضة- إلى جانبه، ...)، بالإحتفاظ بهامش لا بأس به من المناورة (تحريك الشارع،
تطبيق سياسة العصى و الجزرة اتجاه الحركة أثناء المظاهرات،...)، و بالقدرة على
الفعل – على صعيدي التكتيك و الإستراتيجيا (إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين،
فتح مشاورات واسعة حول مشروع الدستور، الإستفتاء، الدعوى لإنتخابات تشريعية مبكرة،
... ). و بالمقابل، المنتظر هو أن تنفتح الحركة على دورة فعل جديدة، انطلاقا من
الخطاب وقائمة المطالب و انتهاء بطرق الفعل الميداني. و ذلك من أجل أن تخرج الحركة
من دورة أداء دور المنشط للحقل العام إلى أداء دور اللاعب الرئيسي فيه، أو على الأقل،
اللاعب الذي يضرب له ألف حساب و يتفاوض معه اختيارا أو كرها.
و على هذا الأساس،
يتعين أن تتخذ الحركة موقفا واضحا من نتائج الإستفتاء الأخير (بناء على استقراء
حقيقي و عميق لأرقامه، ظروف إجرائه و أبعاده السياسية)، و من ثم تحديد ورقة مطالب
جديدة بناء على قياس حقيقي و عميق للتوازنات السياسية القائمة، لهامش المناورة
المتاح، و للقدرة عل الفعل الميداني.
وفي هذا المستوى، أرى
أن هذه الورقة يتعين أن تصيغها الحركة بتعاون مع جميع المكونات الداعمة لها، وعلى
رأسها حركة العدل و الإحسان، حزب اليسار الإشتراكي الموحد و حزب النهج الديمقراطي
وغيرها من الأحزاب التي تبارك مبادرات الحركة و تدعمها.
إن إبقاء ظهر الحركة
مكشوفا يجب أن ينتهي الآن و ليس غدا، فوجود القوى المذكورة إلى جانب الحركة، يجب
أن يتحول إلى وجود موازي لها، لا يكتفي بالدعم و إنما يتحول إلى الشريك الحقيقي في
المبادرة والميدان.
-
إن
ارتفاع الأصوات المعلِنة أن ساعة الثورة المغريبة قد دقت، و الصدع بشعارات الثورة
في أكثر من مسيرة و وقفة احتجاجية مسألة فيها نظر. نعم، الثورة حق لجميع الشعوب، و
بلا استثناء، كلما تحول وعيها السياسي إلى وعي ثوري و نضجت أرضية الثورة
السوسيو-اقتصادية ، و هي شروط تتوقف على جمود النظام السياسي و إصراره على الجمود
قبيل اللحظة الثورية. لكن، و الحق أقول: لقد كانت تلك الأصوات جعجعة بلا طحين،
وكانت الشعارات موجات جوفاء. فالثورة تنطق بلسانها هي و تعلن عن نفسها تلقائيا، و لا
توكل أحدا للتحدث باسمها. أو بعبارة أدق، الثورة لا تتم من خلال عملية قيصرية. فلا
يجب أن ننسى أن الثوار في تونس، مصر، اليمن و سوريا أفلحوا في إخراج الناس بمئات
الآلاف، وبشكل يومي، و في جميع الأقاليم الكبرى و حتى القرى التي تم إنضاجها
سياسيا. كما يجب ألا ننسى كذلك أن الذي يضع الإحتقان الإجتماعي على سكة الثورة و
بلا رجعة هي الأنظمة الغبية نفسها وليست الجماهير، و ذلك عندما تتجاهل مطالب هذه
الأخيرة السياسية و الإجتماعية التي حان أجلها.
المطلوب إذا، هو
الإهتمام بمداخل فتق جدار الواقع اللاديمقراطي: إنه رهان المرحلة.
-
و
السؤال الأكثر راهنية الآن هو: ما هي، إذن، حركة 20 فبراير في الغد القريب؟
من الممكن جدا، بل و
يجب، أن تستمر الحركة في أدائها أدوارها كسلطة ظل (جبهة معارضة جماهيرية مفتوحة
على جميع الجبهات و في كل الأوقات)، عبر أدوات التحسيس السياسي، إخبار الجماهير،
المشاركة في النقاش العام، تعبئة الناس ضد الإستبداد و الفساد، ...إلخ. هذه أدوار
لم تؤدى قبل انطلاق الحركة بفعالية، و يمكن أن تنهض بها هذه الأخيرة بكثير من
الحيوية.
-
لن
تكون حركة 20 فبراير حركة للغد إن لم تتأطر مؤسسيا.
هل هذا يعني أن تتحول الحركة إلى حزب سياسي – و
هي الدعوات التي أطلقها أكثر من طرف سياسي و هو يخاطب شباب الحركة-؟. بالتأكيد ليس
هذا هو المقصود، فذاك ضرب من المستحيل، قبل أن يكون موضوعا جديا للمناقشة.
أن تتحول الحركة إلى
مؤسسة يعني أن تجد صيغة مؤسسية تستطيع رفع أداء الحركة إلى مهنية أكبر في التفكير،
اتخاذ القرار، المبادرة، التعبئة و الفعل الميداني.
إن استمرار فتح أبواب
الحركة في وجه الجميع أمر جيد من وجهة نظر ديمقراطية، لكن أن يتحول تعدد الروافد
إلى عرقلة حقيقية لمسار الحركة مسألة يجب أن تأخذ منذ الآن بعين الإعتبار (جميعنا
يعلم المنزلقات تدخلها الحركة في العديد من اجتماعاتها مثلا). لذا، فإيجاد أنظمة داخلية
ثابثة للتقرير و لهيكلة بنية الحركة في إطار تراتبية واضحة بات ضرورة قد يكون
تأجيلها مكلفا على الأمن الداخلي للحركة، وفي الحد الأدنى تحتاج الحركة إلى تدوين
الأعراف التي راكمتها الممارسة خلال الخمس شهور الماضية من أجل البناء عليها.
و قد لا أتجاوز حدودي
إذا أقدمت على الإقتراح التالي: أن تكون
حركة 20 فبراير بنية تنظيمية فرعية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لا أرى ما
يمنع ذلك من وجهة نظر تنظيمية، أو حتى أيديولوجية؛ ما دام الجميع له الحق في أن
يحتفظ بأيديولوجيته و لونه السياسي داخل جمعية حقوقية كتلك. فمادامت مطالب الحركة
تنهل من مرجعية حقوق الإنسان فلا إشكال في أن تعمل تحت ظل الجمعية المذكورة، مع
تمتيع الحركة بهامش واسع من الإستقلالية، على أن تؤدي الجمعية لفائدة لهذه الأخيرة
دعما معنويا ولوجستيكيا، و دور المحاور للجهات الرسمية- نيابة عن الحركة- كلما لزم
الأمر.
-
إعادة
صياغة قائمة المطالب و العمل من أجل إعطاء الحركة بنية مؤسسية ما سيكون لهما أهمية
قصوى في حشد جماهير جديدة من جهة و في استقطاب نخب جديدة – سياسية، حقوقية، إجتماعية
وفكرية– من جهة أخرى؛ باعتبارها مجتمعة
الشرط الأساسي لاعتلاء عتبة تفاوضية لا يمكن تجاهلها من جانب، والضامن لترويض
الروح القمعية لدى قوى المخزن من جانب آخر. فتنوع روافد الحركة – وليس تعددها
فحسب- يفقد النظام السياسي القدرة على الإستفراد بهذه الجهة على حساب تلك، و هي
لعبة يتفوق فيها بماكيافيلية بارعة، مستخدما في ذلك أدواته الإعلامية، تحالفاته و
دراهم معدودات.
فأن تحشد حول مطالبك
قوى مجتمعية عريضة و مختلفة يوسع من مشروعيتك و يزيد من هامش حراكك و يكسبك أوراق
جديدة للضغط، للتفاوض، للإقناع، للمرافعة و حتى للإحتجاج.
-
لا
شك أن بلدنا تصدق عليه بشكل مطابق عبارة "فِين ضْربتي القْرع يْسِيل دْمو"،
فالإختلالات السياسية و الإجتماعية كبيرة، و كلها تعطي مبررا لمختلف الفئات
السياسية و الإجتماعية للمطالبة بالإصلاح، و لكن أين يمكن ان تتموقع الحركة في هذا
المشهد الدرامي المأزوم طولا و عرضا- إلا ما رحم ربك-؟
أرى أن تبادر الحركة
إلى تحديد أهدافا استراتيجية لفعلها، حتى لا تنزلق في متابعة القضايا الصغيرة التي
لها أهلها لا محالة. إن جرد، و بالتدقيق، المحاور العاجلة الأهم في الشأن العام
سيعطي للحركة بعدها الوطني – بالمعنى الجغرافي و السياسي- الذي يليق بها، و لعل
ملف محاسبة ناهبي المال (عبر الدعوة الملحة إلى تفعيل تقارير المجلس الأعلى
للحسابات بدرجة أساسية و الحث على تحريك المساطر القضائية)، العمل على إعادة إحياء
بعض محكيات البارحة من قبيل "من أين لك هذا؟" (خاصة داخل مؤسسة البرلمان)،
الطي النهائي لملف المسجونين بناء على قرارات قضائية معيبة - شكلا و مضمونا- على
خلفية قضايا الإرهاب، الحث على إطلاق حريات الرأي و التعبير و تأسيس الجمعيات و الأحزاب، تنظيم انتخابات
نزيهة و شفافة تحترم فيها الإرادة الشعبية، و غيرها من الأولويات التي يمكن تقديرها
عبر آلية التشاور الداخلي، لعلها رهانات إستراتيجية بمكن أن تعمل الحركة على كسبها
منذ اليوم، في المنظور القريب.
-
في
الحد الأدنى، الجميع في الساحة السياسية المغربية مجمع على أن الدستور الجديد لم
ينقلنا إلى ملكية برلمانية، و إنما إلى ملكية شبه رئاسية – على غرار ما عليه الأمر
في فرنسا. و في الحد الأدنى هذا مبرر كافي لاستمرار نضال الحركة، باعتبار أن
الملكية البرلمانية هي الشكل الوحيد الممكن في التجربة المغربية لممراسة ديمقراطية
حقيقية بكل مقوماتها السياسية، و على رأسها حرية المنافسة السياسية و مقابلة السلطة
بالمحاسبة. و هو بالتأكيد حكم مبني على معاينة سابقة لممارسات سياسية لاديمقراطية
نسجها النظام السياسي في مسيرة البلاد المتعثرة نحو الديمقراطية، و على رأسها
التدخل في الحياة السياسية و الحزبية، تحوير الإرادة الشعبية و التغاضي عن الفساد بجهاز
الدولة و بالمؤسسات.
نعم، قد يكون مبررا، و على غرار جميع الملكيات الديمقراطية، الإحتفاظ بسلطات رمزية
و بسلطة التحكيم للملك، بل وحتى سلطات تنفيذية على صعيد المؤسسة العسكرية، لكن ما
لم يكن مبررا هو الإحتفاظ له بسلطات تنفيذية حقيقية على صعيد المجلس الوزاري من
جانب، و على صعيد تلك السلطات الرازحة بين النصوص الدستورية والتي من شأنها أن
تفتح النص – و بخفة لا تحتاج كبير عناء- على التأويل الواسع لصالح مد سلطة الملك
في الشأن السياسي و الحزبي و السياسات العمومية.
ثم إن استمرار
اللاعدالة اجتماعية و عدم محاكمة المفسدين يعطي للحركة مبررا إضافيا للبقاء وللإستمرار.
-
الحركة
اليوم أمام معادلات سياسية جديدة، و المفترض في سلوكها إما تجاهل المعطيات الجديدة
مطلقا والإستمرار في العزف على نفس الوتر، و إما وضع استراتيجية نضالية جديدة تدمج الذاكرة بالرؤية، و الإرادة بالإصرار، و
الصمود بشرعية المطالب. فإذا كان الإفتراض الثاني اختيار العقلاء، فإن الإصرار على
الإفتراض الأول هو الحمق بعينه. لقد تابع الجميع، و بإعجاب كبير، مناورات النظام و
قدرته على الإحتفاظ بموازين القوى السياسية (حشده لعدد كبير من الأحزاب السياسية –أغلبية
و معارضة- إلى جانبه، ...)، بالإحتفاظ بهامش لا بأس به من المناورة (تحريك الشارع،
تطبيق سياسة العصى و الجزرة اتجاه الحركة أثناء المظاهرات،...)، و بالقدرة على
الفعل – على صعيدي التكتيك و الإستراتيجيا (إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين،
فتح مشاورات واسعة حول مشروع الدستور، الإستفتاء، الدعوى لإنتخابات تشريعية مبكرة،
... ). و بالمقابل، المنتظر هو أن تنفتح الحركة على دورة فعل جديدة، انطلاقا من
الخطاب وقائمة المطالب و انتهاء بطرق الفعل الميداني. و ذلك من أجل أن تخرج الحركة
من دورة أداء دور المنشط للحقل العام إلى أداء دور اللاعب الرئيسي فيه، أو على الأقل،
اللاعب الذي يضرب له ألف حساب و يتفاوض معه اختيارا أو كرها.
و على هذا الأساس،
يتعين أن تتخذ الحركة موقفا واضحا من نتائج الإستفتاء الأخير (بناء على استقراء
حقيقي و عميق لأرقامه، ظروف إجرائه و أبعاده السياسية)، و من ثم تحديد ورقة مطالب
جديدة بناء على قياس حقيقي و عميق للتوازنات السياسية القائمة، لهامش المناورة
المتاح، و للقدرة عل الفعل الميداني.
وفي هذا المستوى، أرى
أن هذه الورقة يتعين أن تصيغها الحركة بتعاون مع جميع المكونات الداعمة لها، وعلى
رأسها حركة العدل و الإحسان، حزب اليسار الإشتراكي الموحد و حزب النهج الديمقراطي
وغيرها من الأحزاب التي تبارك مبادرات الحركة و تدعمها.
إن إبقاء ظهر الحركة
مكشوفا يجب أن ينتهي الآن و ليس غدا، فوجود القوى المذكورة إلى جانب الحركة، يجب
أن يتحول إلى وجود موازي لها، لا يكتفي بالدعم و إنما يتحول إلى الشريك الحقيقي في
المبادرة والميدان.
-
إن
ارتفاع الأصوات المعلِنة أن ساعة الثورة المغريبة قد دقت، و الصدع بشعارات الثورة
في أكثر من مسيرة و وقفة احتجاجية مسألة فيها نظر. نعم، الثورة حق لجميع الشعوب، و
بلا استثناء، كلما تحول وعيها السياسي إلى وعي ثوري و نضجت أرضية الثورة
السوسيو-اقتصادية ، و هي شروط تتوقف على جمود النظام السياسي و إصراره على الجمود
قبيل اللحظة الثورية. لكن، و الحق أقول: لقد كانت تلك الأصوات جعجعة بلا طحين،
وكانت الشعارات موجات جوفاء. فالثورة تنطق بلسانها هي و تعلن عن نفسها تلقائيا، و لا
توكل أحدا للتحدث باسمها. أو بعبارة أدق، الثورة لا تتم من خلال عملية قيصرية. فلا
يجب أن ننسى أن الثوار في تونس، مصر، اليمن و سوريا أفلحوا في إخراج الناس بمئات
الآلاف، وبشكل يومي، و في جميع الأقاليم الكبرى و حتى القرى التي تم إنضاجها
سياسيا. كما يجب ألا ننسى كذلك أن الذي يضع الإحتقان الإجتماعي على سكة الثورة و
بلا رجعة هي الأنظمة الغبية نفسها وليست الجماهير، و ذلك عندما تتجاهل مطالب هذه
الأخيرة السياسية و الإجتماعية التي حان أجلها.
المطلوب إذا، هو
الإهتمام بمداخل فتق جدار الواقع اللاديمقراطي: إنه رهان المرحلة.
-
و
السؤال الأكثر راهنية الآن هو: ما هي، إذن، حركة 20 فبراير في الغد القريب؟
من الممكن جدا، بل و
يجب، أن تستمر الحركة في أدائها أدوارها كسلطة ظل (جبهة معارضة جماهيرية مفتوحة
على جميع الجبهات و في كل الأوقات)، عبر أدوات التحسيس السياسي، إخبار الجماهير،
المشاركة في النقاش العام، تعبئة الناس ضد الإستبداد و الفساد، ...إلخ. هذه أدوار
لم تؤدى قبل انطلاق الحركة بفعالية، و يمكن أن تنهض بها هذه الأخيرة بكثير من
الحيوية.
-
لن
تكون حركة 20 فبراير حركة للغد إن لم تتأطر مؤسسيا.
هل هذا يعني أن تتحول الحركة إلى حزب سياسي – و
هي الدعوات التي أطلقها أكثر من طرف سياسي و هو يخاطب شباب الحركة-؟. بالتأكيد ليس
هذا هو المقصود، فذاك ضرب من المستحيل، قبل أن يكون موضوعا جديا للمناقشة.
أن تتحول الحركة إلى
مؤسسة يعني أن تجد صيغة مؤسسية تستطيع رفع أداء الحركة إلى مهنية أكبر في التفكير،
اتخاذ القرار، المبادرة، التعبئة و الفعل الميداني.
إن استمرار فتح أبواب
الحركة في وجه الجميع أمر جيد من وجهة نظر ديمقراطية، لكن أن يتحول تعدد الروافد
إلى عرقلة حقيقية لمسار الحركة مسألة يجب أن تأخذ منذ الآن بعين الإعتبار (جميعنا
يعلم المنزلقات تدخلها الحركة في العديد من اجتماعاتها مثلا). لذا، فإيجاد أنظمة داخلية
ثابثة للتقرير و لهيكلة بنية الحركة في إطار تراتبية واضحة بات ضرورة قد يكون
تأجيلها مكلفا على الأمن الداخلي للحركة، وفي الحد الأدنى تحتاج الحركة إلى تدوين
الأعراف التي راكمتها الممارسة خلال الخمس شهور الماضية من أجل البناء عليها.
و قد لا أتجاوز حدودي
إذا أقدمت على الإقتراح التالي: أن تكون
حركة 20 فبراير بنية تنظيمية فرعية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لا أرى ما
يمنع ذلك من وجهة نظر تنظيمية، أو حتى أيديولوجية؛ ما دام الجميع له الحق في أن
يحتفظ بأيديولوجيته و لونه السياسي داخل جمعية حقوقية كتلك. فمادامت مطالب الحركة
تنهل من مرجعية حقوق الإنسان فلا إشكال في أن تعمل تحت ظل الجمعية المذكورة، مع
تمتيع الحركة بهامش واسع من الإستقلالية، على أن تؤدي الجمعية لفائدة لهذه الأخيرة
دعما معنويا ولوجستيكيا، و دور المحاور للجهات الرسمية- نيابة عن الحركة- كلما لزم
الأمر.
-
إعادة
صياغة قائمة المطالب و العمل من أجل إعطاء الحركة بنية مؤسسية ما سيكون لهما أهمية
قصوى في حشد جماهير جديدة من جهة و في استقطاب نخب جديدة – سياسية، حقوقية، إجتماعية
وفكرية– من جهة أخرى؛ باعتبارها مجتمعة
الشرط الأساسي لاعتلاء عتبة تفاوضية لا يمكن تجاهلها من جانب، والضامن لترويض
الروح القمعية لدى قوى المخزن من جانب آخر. فتنوع روافد الحركة – وليس تعددها
فحسب- يفقد النظام السياسي القدرة على الإستفراد بهذه الجهة على حساب تلك، و هي
لعبة يتفوق فيها بماكيافيلية بارعة، مستخدما في ذلك أدواته الإعلامية، تحالفاته و
دراهم معدودات.
فأن تحشد حول مطالبك
قوى مجتمعية عريضة و مختلفة يوسع من مشروعيتك و يزيد من هامش حراكك و يكسبك أوراق
جديدة للضغط، للتفاوض، للإقناع، للمرافعة و حتى للإحتجاج.
-
لا
شك أن بلدنا تصدق عليه بشكل مطابق عبارة "فِين ضْربتي القْرع يْسِيل دْمو"،
فالإختلالات السياسية و الإجتماعية كبيرة، و كلها تعطي مبررا لمختلف الفئات
السياسية و الإجتماعية للمطالبة بالإصلاح، و لكن أين يمكن ان تتموقع الحركة في هذا
المشهد الدرامي المأزوم طولا و عرضا- إلا ما رحم ربك-؟
أرى أن تبادر الحركة
إلى تحديد أهدافا استراتيجية لفعلها، حتى لا تنزلق في متابعة القضايا الصغيرة التي
لها أهلها لا محالة. إن جرد، و بالتدقيق، المحاور العاجلة الأهم في الشأن العام
سيعطي للحركة بعدها الوطني – بالمعنى الجغرافي و السياسي- الذي يليق بها، و لعل
ملف محاسبة ناهبي المال (عبر الدعوة الملحة إلى تفعيل تقارير المجلس الأعلى
للحسابات بدرجة أساسية و الحث على تحريك المساطر القضائية)، العمل على إعادة إحياء
بعض محكيات البارحة من قبيل "من أين لك هذا؟" (خاصة داخل مؤسسة البرلمان)،
الطي النهائي لملف المسجونين بناء على قرارات قضائية معيبة - شكلا و مضمونا- على
خلفية قضايا الإرهاب، الحث على إطلاق حريات الرأي و التعبير و تأسيس الجمعيات و الأحزاب، تنظيم انتخابات
نزيهة و شفافة تحترم فيها الإرادة الشعبية، و غيرها من الأولويات التي يمكن تقديرها
عبر آلية التشاور الداخلي، لعلها رهانات إستراتيجية بمكن أن تعمل الحركة على كسبها
منذ اليوم، في المنظور القريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق