فؤاد بلحسن
belahcenfouad@gmail.com
تستند هذه الورقة النقدية لمقال "الفصل 47 من مشروع
الدستور الجديد ..." للزميل مصطفى بوجعبوط على 3 أسباب موضوعية:
1- اهتمامي فيما مضى بالفصل 24 من الدستور السابق
و بالإشكالات الدستورية و السياسية التي أثارها في الممارسة السياسية المغربية. بل
إذا لم تخنني ذاكرتي، فقد سبق لي أن كتبت في الموضوع، و في الحد الأدنى مناقشته
باستفاضة على هامش محاضرات الفقيه الدستوري الكبير السيد مصطفى قلوش.
2- تفضُّلـَكم، مشكورا، بإرسال المقال المذكور إلى
بريدي الإلكتروني، الأمر الذي اعتبرته رخصة ضمنية لي بمناقشته. فأتمنى ألا أكون قد
أسأت التقدير.
3- اهتمامي بالنقد الأكاديمي، جملة، للمنتوج
الفكري، و خاصة ذاك الذي يرشَح عن كليتي (كلية العلوم القانونية، أكدال- الرباط).
لهذا أقول في البدء، أن هذه الورقة ليست الأولى من نوعها و لن تكون الأخيرة بحول
الله تعالى.
أعرض هذه الورقة النقدية في 7
عناصر، على الشكل التالي:
1- إشكالية ضبابية:
في مقالكم يتوه القارئ في
محاولته الإمساك بإشكالية الموضوع. لذا، يمكن أن نعدد هنا إشكاليتين إثنتين على
الأقل لا ندري أيهما الحقيقية. الأولى: دلالة إقحام رئيس الحكومة داخل الحقل
المتعلق بالملكية (وهي عبارة لا تقل غموضا على أي حال)، و الثانية: عيب/عيوب الفصل
47 من مشروع دستور 2011.
2- افتراضين و استنتاجين:
و إذا افترضنا جدلا أن
الإشكالية الحقيقية للدراسة هي الإشكالية الأولى، فيمكن إبداء الملاحظة التالية: و
هي أن محاولة اختزال مسألة إقحام رئيس الحكومة داخل الحقل المتعلق بالملكية – على
حد تعبيركم بالطبع- في مشروع الفصل 47 المذكور لا تستقيم بأي حال من الأحوال في
الفصل دون غيره من الفصول. فمجالات التماس تتعدد في فصول أخرى، وكان واجبا على
الكاتب الإلتفات على الأقل إلى الفصول التالية:
· الفقرة
الأخير من الفصل 42،
·
الفقرة 2 و 3 من الفصل 48
اللتان تعطي الإنطباع على أننا أمام علاقة جديدة بين مؤسستي الملك و رئيس الحكومة،
·
البند الأخير من الفقرة
الأولى للفصل 49،
·
الفقرة 3
من الفصل 88،
و غيرها من الفصول التي تأكد
أننا أمام تموقع جديد لرئيس الحكومة داخل
بنية النظام السياسي، و داخل منطقة نفوذ الملك بشكل خاص.
أما إذا افترضنا أن
الإشكالية الثانية هي إشكالية الدراسة، فيمكن الجزم أنكم سقطتم في نفس الخفة
الإختزالية لأنه كان من المفروض أن يتم قراءة
مشروع الفصل 47 على ضوء فصول أخرى، منها على سبيل المثال: الفصول 89 (الفقرة 1 منه التي يرد فيها صراحة أن الحكومة
تعمل تحت سلطة رئيسها ...)، الفصل 92 (الفقرة الأولى التي تكرس رئاسة رئيس الحكومة
لمجلس الحكومة، ولا تخفى الأبعاد السياسية و التدبيرية لهذه الرئاسة ) ... إلخ و
هي فصول تجعل من الوزير الأول سلطة رئاسية فعلية على باقي الوزراء.
لقد أخْفت الشجرة عنكم الغابة
التي ورائها، فكان الإختزال خطأ منهجي سقطتم فيه مرتين.
و بين هذه الإشكالية و تلك ( و
هي عبارة أستعملها لأتجنب قول: و في خضم الدوران الذي يصيب القارئ)، أُعلن أن
دراستكم بدون إشكالية متينة.
3- في أداة قراءة الفصل:
لقد أعلنتم أن قراءتكم ستكون
قراءة تقنية و فقهية (أُذَكِّـر أن عبارة "فقهية" تـُغني عن إضافة عبارة
"تقنية")، و لكن الظاهر أن قراءتكم لم تكن سوى محاولة للتفسير (بل، لا
أبالغ إذا قلت محاولة للإخبار- على غرار التقارير الصحفية !)، و تخلو من أي بعد تحليلي. ثم إن التحليل الفقهي يقتضي منكم
إظهار طبيعة المنهج الفقهي الذي ستعملون على ضوء خطواته.
و في هذا الإطار، أؤكد أن
محاولتكم التفسيرية تنكرت لأبسط شروط القراءة الفقهية و هي التفسير على ضوء روح
النص و على ضوء إعقال النص بالنص. فمثلا، إصداركم للحكم المتسرع التالي: "...
الشيء الذي سيجعل الوزراء لا ينفذون البرنامج الحكومي الذي سطره رئيس الحكومة أي
قيادة حكومة منسجمة و متضامنة ..."، كان من الممكن تفاديه لو تم قراءة روح نص
مشروع الوثيقة الدستورية التي صيغت في إطار فلسفة دستورية سياسية لا تخفى: تقوية
سلطة رئيس الحكومة بشكل رئيسي في تركيبة السلطة التفيذية. ثم، إن الفصول التي تؤكد
تفوق رئيس الحكومة على باقي أعضائها كثيرة، و هو تفوق يأتي أساسا من أنه هو الذي
يقترحهم على الملك. و كما تعلمون، فالذي يمنح السلطة لغيره يكون أعلى منه. و بذلك
تكون سلطة الوزراء متفرعة عن سلطة رئيس الحكومة، و أكثر من هذا، فالمشروع ينص
صراحة في العديد من الفصول على السلطة الرئاسية لرئيس الحكومة على باقي أعضاء هذه
الأخيرة، مثلا في الفصلين 89 (الفقرة 1) و
92 (الفقرة 1).
كما كان يمكن تفادي التنكر
لشروط ممارسة قراءة فقهية على متن مشروع الدستور لو تم إنزال النصوص بعضها فوق بعض (= إعقال النص
بالنص)، و هي آلية فقهية تفيدنا في تبَيُّـن الخاص من العام من نصوص المشروع و
تمنع القراءة الأحادية البعد لهذا النص أو ذاك.
ثم إن القراءة الفقهية لا
تتجنب استحضار الأعراف الدستورية
باعتبارها متنا مستترا وراء النصوص. و هو ما فعلتموه بكثير من السطحية في الدراسة.
و أذَكِّـر أن طرح مشروع نص دستوري و المصادقة عليه لا تلغي جميع الأعراف
الدستورية (و هي ملاحظة يمكن استحضارها في قراءة العديد من أبعاد العلاقة المرتقبة
بين كل من الملك و رئيس الحكومة من جهة، و بين هذا الأخير و باقي أعضاء حكومته من
جهة أخرى).
4- في اختيار العنوان:
لم توفَّـقوا في اختيار عنوان
للمقال (ففي الحد الأدنى، يمكن القول أنه لا مبرر لختم العنوان بعلامة استفهام،
فهو لا يحمل صيغة السؤال).
5- استنتاجات متسرعة:
تخلصون إلى ما اعتبرتم:
" ... ان صلاحية رئيس الحكومة تذوب في صلاحيات المؤسسة الملكية، ...."
هذا الإسنتاج العام، افتقر إلى حجج كافية ، قائمة على أفكار مدعمة. و للتذكير
فالمعلومات الإخبارية التي تضمنتها الدراسة تبقى بعيدة كل البعد عن أن تكون أفكارا
مدعمة لهذا الإستنتاج. فشتان بين هذه و تلك. فالأولى مقدمة لخلق الثانية، ثم توظف
هذه الأخيرة لبناء الحجج، ليأتي أخيرا الإستنتاج كتتويج لها جميعا.
و أحيطكم علما أن الجملة التالية التي جاءت على سبيل الإستنتاج
في آخر الدراسة: «ان كلمة "يعين" لها دلالة إبستمولوجية مبنية على السمو
التي يتبوأ بها رئيس الحكومة داخل الباب المتعلق بالمكلية»، هذه الجملة تعطي
الإنطباع كأنها سقطت سهوا، إذ لم يسبقها أي تحليل يمكن أن تعتبر هي تتويجا له.
جملة أخرى تبدو و كأنها سقطت
سهوا : " ... وأن اختيار كل الوزراء الأولين في النظام السياسي المغربي تتحكم
فيهم معطيات سياسية اقتصادية و اجتماعية أكثر من المعطيات الإنتخابية" !. لا أقول أن المعلومة خاطئة أو صحيحة، لكن أنبه إلى طريقة
توظيفها.
6- فراغات لم تملأ !:
ثمة إشكالات نظرية و تطبيقية
متوقعة عند تنزيل مقتضيات المشروع ذات
ارتباط بالفصل موضوع الدراسة كان حريا بكم معالجتها أو على الأقل طرحها للنقاش،
ومنها:
· النقاش الدستوري و السياسي المحتمل أن يثار حول
تطبيق الفقرة الأولى من الفصل المذكور، مثلا: استمرار الغرفة الثانية من البرلمان
عقب الإنتخابات التشريعية المقبلة و ما إذا كان من المعقول أن تصوت على البرنامج
الحكومي لحكومة تم تعيينها على أساس مقتضيات الدستور الجديد / كيف يمكن تأويل هذه
الفقرة في حالة فشل زعيم الحزب الفائز في تشكيل أغلبية داخل البرلمان؟ /
أبعاد حسم النقاش في مسألة ما إذا كان
تنصيب الحكومة ثنائيا أم أحاديا/ ما هي الأبعاد الدستورية و السياسية لعدم تقييد
زعيم الحزب الفائز بأجل محدد لاقتراح تشكيلة حكومية للملك؟/... و غيرها من المسائل
الحيوية التي تقرأ في ثنايا مشروع الفصل 47.
· الأبعاد الدستورية و السياسية التي يمكن أن
تطال تأويل الفقرة 2 من الفصل المذكور، انطلاقا من طرح السؤال التالي: ما هي
الصيغة التي يتم على أساسها اقتراح رئيس الحكومة الوزراء المحتملين على الملك:
الإقتراح عن طريق اللائحة أم الإسم الوحيد؟. و هو السؤال الذي تتفرع عنه العديد من
الأسئلة الجزئية، منها: ما مدى إلزام الملك بقبول مقترحات رئيس الحكومة؟ .. إلخ.
· الأبعاد الدستورية و السياسية للإستشارة
الملكية الواردة في الفقرة 3 من الفصل المذكور؛
· الأبعاد الدستورية و السياسية للسلطة الجديدة
التي بات يـتمتع بها رئيس الحكومة المتمثلة في إمكانية مبادرته إلى طلب إعفاء أحد
الوزراء أو أكثر من مهامهم (الفقرة 4، نفس الفصل)، و في استلامه هو – دون الملك-
طلبات الإستقالة المقدمة من الوزراء (الفقرة 5، نفس الفصل).
· الأبعاد الدستورية و السياسية لإستقالة رئيس
الحكومة التي تعني آليا استقالة جماعية للحكومة (الفقرة الأخيرة من نفس الفصل)، هل
ستفضي هذه الإستقالة إلى إعادة تكليف نفس رئيس الحكومة (أي زعيم الحزب الفائز) أم
ماذا؟ / في حالة رفض زعيم الحزب الفائز إعادة تكليفه، هل سيتم تكليف زعيم الحزب
الفائز الثاني أم سيترك الأمر للمبادرة الملكية؟ / و على أي أساس ستتم هذه
المبادرة، هل تصلح عبارة "ضامن دوام الدولة و استمرارها" الواردة بمشروع
الفصل 42 أساسا دستوريا لذلك؟ / و غيرها من الأسئلة.
7- الأخطاء اللغوية، المطبعية و جمالية التعبير
في تعدادي لهذه الأخطاء، و
قفت، في الحد الأدنى، على التالي:
· 7 أخطاء لغوية؛
· 17 حالة ركاكة في التعبير و فقدان معنى النص؛
· 8 أخطاء مطبعية.
و هي أمور لا يخفى أثرها
السلبي على مستويـي ضبط المعنى داخل النص و تحديد الروح الجمالية لهذا الأخير. و
أستطيع أن أجزم أن الفقرة الوحيدة التي أتت سليمة - قالبا و معنى - هي تلك المقتبسة من الفصل
47 من مشروع الدستور !
* *
* *
كل هذا جعل دراستكم للفصل 47
تبدو قراءة تفسيرية بسيطة ليس إلا، لم تقبض على الإشكالات الحقيقية المرتبطة
بالفصل، الأمر الذي أسقط أحكامها في تعسف مفرط.
أتمنى أن تتقبلوا ملاحظاتي
البسيطة هذه بصدر رحب و "قشابة" أكاديمية واسعة، فزميلك لا يتهاون في ممارسة
النقد وبلا هوادة، حتى مع أفكاره هو، و يَـعتبر أي نقد يوجه إليه من الغير فضلا
عليه لا انتقاصا منه.
لنجعل معا الحق في المعرفة و
النقد يسمو فوق كل اعتبار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق