جاك أتالي - الكِتابُ يُحرر - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الجمعة، 15 ديسمبر 2017

جاك أتالي - الكِتابُ يُحرر




لا أعرف متعة أكبر من تلك التي تغمر المرء وهو يكتشف كاتبا جديدا، فكرا جديدا، نصا جديدا، بل ويبادر إلى مشاطرة اكتشافاته مع آخرين. إعارة كتاب، إهداؤه، توجيه شخص لقراءته، ثم بعد ذلك مناقشة مضمونه، بل وقراءة مقاطع منه جهرا.. يا لها من متعة!
واليوم أكثر من أي وقت مضى، صارت القراءة وتوجيه الناس إليها رهانا أساسيا في حضاراتنا التي يغلب عليها السعي المتلهف والقلق، وتطغى عليها الصورة.
منذ ما يقرب من ثلاث آلاف سنة، والفكر يسير بالعالم قدما ويُتوارث بفضل الكتب. وكيفما كانت أشكالها المادية، فإن هذه الوسيلة المجبولة على التجوال، وذات الخصوصية، هي التي كانت تنقل الأفكار، هي التي كانت تحتفظ بأثر الحكايات التي كان يحكيها الرجال والنساء في مساءاتهم ولياليهم. إن الكتب هي التي تشكل إطار التفكير، والفكر النشيط، المبدع والنقدي. فليس هناك أبدا أي تفكير، ولا أي اتبكار، ولا أي تقدم بدون الكتاب. ليس هناك كتاب بدون تعليم للقراءة والكتابة.
في الحضارات القديمة الأكثر تقدما، كانت معرفة الكتابة والقراءة من أوجب واجبات الأسرة والدولة. وهذا الواجب بالذات هو الذي هيكل، منذ ألفي سنة، الهوية اليهودية وأسعف هذا الشعب في البقاء على قيد الوجود، رغم تشتته. ومن هذا الواجب نبع إشعاع التوحيد. وهذا الواجب نفسه هو الذي شكل، منذ العهد نفسه، المجتمع الإمبراطوري الصيني، وكرس فيه نظام الاستحقاق الذي ساهم في بروز مفكرين كبار وعدة ديانات.
واليوم، مازالت معرفة القراءة هي مفتاح السلطة، وامتلك سلطة تعليم القراءة هي مفتاح التأثير. إن القراءة سلاح يمنحه الكبار للأجيال الجديدة دون خوف من تبرئها من شيوخها.
إن القراءة وسيلة تمنحها لنا السلطة حتى نكون قادرين على محاربتها. ولا يجب أن نخشى استعمالها: وحدها الحضارات التي تحلّت بهذه الشجاعة، بهذه الثقة في شبابها، نجحت في البقاء على قيد الوجود اليوم.
لا يجب بتاتا الاعتقاد أنها بالضرورة من مكاسب التقدم. إذ إن أكثر من 800 مليون راشد في العالم يجهلون القراءة، ثلثاهم من النساء، وثلاثة أرباعهم يعيشون في 15 بلدا، بينها بنغلاديش، البرازيل، الصين، الهند ونيجيريا. وفي فرنسا 7 في المائة من البالغين يعتبرون ضمن الأميين. والكثير من الناس الذين تعلموا القراءة، يتوقفون فيما بعد عن هذا النشاط فينسون بسبب انعدام الممارسة.
إن القراءة عمل يتطلب جهدا أكثر من مشاهدة أشرطة الفيديو. وفي زمن الشبكات الاجتماعية حيث يجب أن يكون فعل القراءة شرطا للانتماء إلى مجموعة ما، أخذ هذا الانتماء يعبر عن نفسه، أكثر فأكثر، عن طريق الصور والرموز المختصرة، وليس عبر النصوص.
وعلى الصعيد العالمي، بات من المستعجل جعل المدرسة تعلم القراءة للصغار ولكل البالغين أيضاء.. جعل القراءة لا تقتصر فقط، على النصوص التي تروق لمختلف السلط سواء أكانت دينية أو علمانية. هذه هي أم المعارك.
في فرنسا أيضا، القراءة رهان يعاني من التجاهل. إذ كان يجب أن تكون، أساسا، لتحليل عدد من الإصلاحات. مثلا، “الكتابة الشاملة” (écriture inclusive) مجرد سخافة لأنها تزيد من صعوبة القراءة. كذلك يتعين على الإصلاحات التي تمس البرامج المدرسية أن تضع على رأس أولوياتها جعل الصغار يكتشفون متعة قراءة نصوص التاريخ والعلوم والآداب. وأخيرا للأسر هنا دور محوري عليها القيام به من خلال التوجيه نحو قراءة كتب معينة، ومن خلال القراءة الجماعية جهرا أو سرا. إذاك سنكتشف أن الحديث عن الكتب هو الأكثر روعة.
--------------------------
ترجمة مبارك مرابط عن “ليكسبريس  ”
منشور في موقع اليوم 24، ديسمبر 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق