فؤاد بلحسن - تلويث تربة غابة المرابو: تأكيد وتكذيب التكذيب وتفاصيل - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الأحد، 12 مارس 2017

فؤاد بلحسن - تلويث تربة غابة المرابو: تأكيد وتكذيب التكذيب وتفاصيل


''تْـخْلْطَـتْ وَلَا بْـغَتْ تْـصْفَى --- وْلْعَبْ خْزْهَـا فُـوقْ مَاهَا

رُيَّاسْ عْـلَى غِـيـرْ مْــرْتْــبَة --- هُمـــَا سْــبَـبْ خْـلَاهَــا''

سيدي عبد الرحمان المجدوب


حينما احتضن المغرب بمراكش مؤتمر الأمم المتحدة الثاني والعشرين حول المناخ (COP22)، تعبأَت على الصعيد الوطني الكثير من المؤسسات والهيئات العمومية والخاصة. وكان المنتظر محليا أن تُـسجل المدينة التفاتة ما من لدن المجلس الجماعي والسلطات العمومية وهيئات المجتمع المدني الثقافية والتنموية تجاه الغابة الحضرية الوحيدة بالخميسات؛ غابة المرابو (غابة المقاومة). لكن، لا شيء من هذا تَـم!

لكن المشكل هو أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد من التجاهل واللامبالاة تجاه الثروة الطبيعية الوحيدة داخل المدينة، بل تعداه اليوم إلى الاعتداء الصريح بصورة ترقى إلى درجة الجريمة كما وصفها بعض المعلقين.


حينما بادرتُ قبل أيام، إلى جانب بعض الزملاء المهتمين بالشأن العام المحلي، إلى إذاعة خَبر تلويث جزء من هذه الغابة بأتربة ملوَّثة، بادرَتْ أطراف إلى تكذيب الخبر. بينما مارست جهات أخرى، ما هو أفظع: التدليس والتبرير.



هنا نؤكد بفم ملآن، مع تحمل كامل المسؤولية، أنه، وضِدا عن كل أراجيف الكذَبة والمدَلِّسين وبائعي الوهم، أنه، فعلا، تم تلويث جزءٍ كبير في أقصى الجهة الجنوبية المطلة على شارع محمد الخامس من غابة المرابو. تقدر مساحتها بـ 800 متر مربع تقريبا. حيثُ أمَرت جهات رسمية (استنادا إلى المعطيات المتوفرة، تُشير أصابع الاتهام إلى مسؤولين بالمجلس الجماعي) برمي الأطنان من الحطام المختلط والملوث (رْدَمْ) ومن الأتربة الملوثة المحادية لمياه الصرف الصحي (الواد الحار) وكذا الأتربة المحمَّلة بالنفايات الصلبة (زليج، زفت، زجاج، بلاستيك، كارطون،...) في هذا الجزء الذي لا يتجزأ من الغابة.




ونؤكد أيضا، أنه بالرغم من المحاولات الجارية حاليا لتغطية وقائع الجريمة (ترتيب المكان وإخلاءه من العاملين الذين تواجدوا هناك في السابق ووقف حركة العربات الناقلة للأتربة الملوَّثة)، فإن آثار الجريمة ما تزال قائمة وشاهدة. ويمكن تسجيلها بــيُسر وفي كل وقت وحين. فسيرة المجرمين واحدة؛ إذ دائما يتركون وراءهم أدلة تقود إليهم أو، في الحد الأدنى، تكشف عن أفعالهم.

وإذ نؤكد وقوع هذه الحوادث المؤسفة، والتي تعبر عن ضعف غِيرة المسؤولين بالمجلس الجماعي عن هذه المدينة وعدم احترامهم للساكنة، وكذا تخلفهم المزمن عن ثقافة العصر وافتقارهم لحس المسؤولية وتضخم منسوب وقاحتهم، ندعو جميع هيئات المجتمع المدني إلى التنديد بكل الأشكال الممكنة بهذا السلوك الهمجي ومتابعة تداعياته والحرص على جبر الضرر الذي تسبب فيه.


ولن نجد مناسبة أفضل من هذه لتسليط الضوء على كل المخاطر التي باتت تهدد الغابة الحضرية الوحيدة للمدينة. والتي يتعين أن تبقى عيون وتحركات المجتمع المدني يقظة وحازمة بشأنها.
تعيش غابة المرابو؛ التي تقع، بدرجة أساسية، تحت مسؤولية المجلس البلدي (اللامسؤول)؛ تحد تهديد مستمر من خمسة مخاطر رئيسَة:

أولا: تعرية التربة
تستمر ظاهرة تعرية التربة على قدم وساق وبصورة مقلقة. وذلك لعدة أسباب:

    1. مستوى الانحدار الكبير الذي تعرفه جنبات الغابة. حيث يقدر هذا الانحدار في الجهة الشمالية الشرقية، على سبيل المثال، ما بين 17 و22 درجة

    2. الآثار البيئية السلبية لشجر الكاليبتوس على الفرشة النباتية. فعلى حد علمي، كان الهدف من تشجير المكان بالكاليبـتوس في عهد الاستعمار الفرنسي يتمثل في مساهمة هذا النوع من الشجر في تجفيف أراضي المدينة التي كانت معروفة بكثرة ضاياتها. أما اليوم، بات هذا النوع من الأشجار يؤدي دورا مُدمرا تجاه باقي الفصائل النباتية ويُفقر الغطاء النباتي بصورة كبيرة.

    3. غياب قنوات لتصريف مياه الأمطار، خاصة في الجهة الشمالية للغابة. حيث يسجَّل وجود أخاديد كبيرة وعميقة هناك (أ. الصورة أسفله). وأؤكد هنا أن عملية ملء هذه الأخاديد بالأحجار، كما تم عشوائيا خلال السنة الماضية لم ولن يحل المشكل أبدا. والدليل هو أن مياه الأمطار تتجه إلى تكوين أخاديد جديدة بمحاذاة القديمة. إذ أن الحل كان يكمن في وضع قنوات حقيقية لصرف المياه من الجهة الغربية (انطلاقا من البابين الـمُطِلَّين على شارع خالد بن الوليد) إلى الواد الحار في أقصى الجهة الشرقية للغابة.




إن الوتيرة التي تسير على إيقاعها ظاهرة تعرية التربة في الغابة سيكون كان لها أثر خطير على ثلاثة مستويات أساسية: أ) إفقار التنوع النباتي، ب) زحف التصحر، وَ ج)الدفع إلى سقوط المزيد من الأشجار (عاينتُ وعدَدْت قبل 5 سنوات تقريبا، سقوط أزيد من 30 شجرة في ليلة واحد عقب يوم عاصف ماطر!).

ثانيا: شبه غياب لأعمال التشجير:

ما معنى أن توضع غابة المرابو أمام سيناريو وحيد: غياب برنامج شامل ومندمج لإعادة التشجير وتنويع الغطاء النباتي ومقاومة التدهور البيئي؟! إننا لا نفهم كيف يجد المسؤولون عن تدبير المدينة الموارد الكافية لتنظيم أنشطة لا تحظى بالأولية ولا بالأهمية بالنسبة للساكنة والمدينة بينما لا يجدون بضعة عشرات الآلاف من الدراهم لإنجاز مشروع بهذه الاستعجالية والأولوية. أخزاهم الله!

وفي غياب أعمال التشجير لتشبيب الغابة، تكشَّفَتْ مساحات واسعة عاريةً بلا أشجار. بحيث تمت معاينة مساحات غير مشجرة عديدة تتراوح مساحتها بين 500 متر مربع و750 متر مربع، خاصة في المنطقة السفلى بالجهة الشرقية وأقصى الجهة الشمالية-الشرقية (أ. الصورة التالية على سبيل المثال).




ثالثا: ضعف الحماية:

لا تحظى الغابة بأي حماية تُذكر. ولهذا تعرف الكثير من الاعتداءات عليها وعلى الممتلكات المتوفرة فيها (على سبيل المقارنة، يحمي ويرعى غابة السويسي (المعروفة بغابة هيلتون) بالرباط؛ والتي تقدر مساحتها بـ 65 هكتارا؛ حوالي 65 حارسا). وفي غياب الحراسة اللازمة لن تقوم لأي برنامج أو نشاط قائمة مهما بلغت طموحاته وإنجازاته. كما أن التفكير في إيجاد نظام خاص بالحرائق (الوقاية والتدخل الاستعجالي) بات ضرورة ملحة. فحتى طرقاتها ليست سالكة كما ينبغي بالنسبة لسيارة الاطفاء عند الضرورة؛ وذلك بالنظر إلى تدهور بعضها من جانب وضيق بعضها من جانب آخر.


رابعا: ضعف التحسيس بأهمية هذا الفضاء المهدَّد في وجوده:

في الوقت الذي ظلت فيه الغابة لوحدها تقاوم العناصر الطبيعية والبشرية المساهمة في تدميرها، عـبَّـر المسؤولون في المجلس البلدي وكذا هيئات المجتمع المدني عن لامبالاة حقيقية اتجاه المخاطر التي تستنزف صحة الغابة وتهدد وجودها في المستقبل القريب. فحتى المجتمع المدني الذي من المفترض فيه أن يدق باستمرار جرس التحذير والتنبيه تجاه المخاطر البيئية التي تتعرض لها الغابة، يُسجل صمتا مسموما وشللا قاتلا في هذا المجال.

كل هذه المخاطر والحيثيات والعناصر تدفعنا إلى البحث معا عن استراتيجية بديلة لهذا التواطؤ الجماعي الحقير. وأقل الإيمان، الإدانة بصوت عال والعملُ من أن أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تصير هذه الغابة مجرد قطعة أرضية في حسابات لصوص المدينة الكبار ولوبي العقار فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق