حاوره: محمد الراجي
... يتحدث
مصطفى السحيمي، المحلل السياسي أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس الرباط،
عن توقعاته بشأن مآل "البلوكاج" الحكومي، واحتمال
إجراء تعديل على الحكومة بعد تشكيلها لإدخال حزب الاستقلال إذا تغيّرتْ قيادته،
والدروس التي استخلصها بنكيران من الشهور التي استغرقها في المفاوضات...
مَضتْ أربعة أشهر ونصف
الشهر على انتخابات 7 أكتوبر ولمْ تتشكّل الحكومة بعد. ما هي الخيارات المتبقيّة
أمام رئيس الحكومة المعيّن؟
أوّلا، ثمّة مجموعة من الملاحظات
ينبغي تسجيلُها؛ أولاها أنّ أمَد "البلوكاج" دامَ أربعة أشهر ونصف
الشهر، ولا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه؛ لأنّ الأمور وصلت إلى نهاية
المطاف
Circle،
فالحكومة غائبة، والبرلمان بغرفتيْه مُعطّل.
ثانيا نحن في نهاية شهر فبراير وليس
هناك قانون للمالية، الذي يكتسي أهميّة بالغة؛ لأنه هو الذي يحدد الرؤية
الاقتصادية للدولة، ومعرفة ما هي الأوراش التي سيتم فتحها، والعروض المقدمة من
الحكومة للمقاولات. الآن كل شيء متوقّف، والدورة الاقتصادية متوقفة منذ شهر يونيو
من السنة الماضية، والفاعلون الاقتصاديون ينتظرون أن تتوضّح الرؤية أمامهم.
إذن، ما هي الخيارات
المُتاحة أمام رئيس الحكومة المكلَّف لوضع حدّ لهذا "البلوكاج"؟
بنكيران أتمّ الدورة il a fait
le tour،
بعد مشاورات مع الجميع، وقبل على مَضض دخول حزب الاتحاد الدستوري إلى الحكومة تحت
جناح التجمع الوطني للأحرار، ثمّ إنه قدّم تنازُلا كبيرا حينَ أسندت رئاسة مجلس
النواب إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، ولم يقدّم أي مرشح لمنافسة الحبيب المالكي،
علما أنّ الاتحاد لا يتوفر سوى على 20 مقعدا في البرلمان.
أعتقد أنّ اللقاء الأخير الذي جميع
بنكيران مع عزيز أخنوش، وبعده امحند العنصر، قد يتمخّض عن شيء ما، وبنكيران الآن
ينتظر الملك ليُقدّمَ له ما توصّل إليه مع حلفائه، وانتظار مساعدته في تشكيل
الحكومة؛ لأنّ المسؤولية الآن هي للملك، الذي أوكل إليه الفصل 42 من الدستور مهمة
حُسن سيْر المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها الحكومة والبرلمان. إذن مهمّة الخروج من
هذه المرحلة هي مهمّةُ الملك، وهو من سيقرّر، وأتوقع أن يساعد بنكيران على تشكيل
أغلبية حكومية لكي تسير المؤسسات.
وماذا لو تسمّك أخنوش بدخول
حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، هل تتوقع أن يتنازل له بنكيران؟
بنكيران لن يقبل دخول الاتحاد
الاشتراكي إلى الحكومة، كما أكّد في مناسبات كثيرة، ولكن يُمكن أن يكون هناك حلٌّ
وسط، وهو إجراء تعديل طفيف على الحكومة بعد مدّة من تشكيلها، لإدخالِ مقرّبٍ من
الاتحاد أو اثنين، ولكن دون أن يكونا متحزّبيْن. هذا وارد؛ لإرضاء الاشتراكيين.
ثمّة، أيضا، احتمال بدخول حزب
الاستقلال إلى الحكومة بعد سنة أو سنتيْن، في حالِ غادر شباط زعامة الحزب. الآن
حُسِمت الأمور، ولا يمكن أن يشارك الاستقلال في الحكومة، وإذا بقي شباط أمينا
عامّا بعد المؤتمر الوطني أواخر شهر مارس، فسيستمر الحزب في المعارضة.
فكما أنّ بنكيران لم يقبل دخول
الاتحاد الاشتراكي، فإنّ أخنوش لن يقبل دخول الاستقلال بقيادة شباط، ولكن إذا حدث
تغيير في زعامة الحزب، وأزيح شباط، يمكن أن يكون هناك تعديل حكومي في 2018 أو 2019
لدخول الحزب إلى الحكومة، فعبر التاريخ، كان حزب الاستقلال دائما في الحكومة،
والاستقلاليون لم يقبلوا خروج حزبهم إلى المعارضة.
هذا يعني أن جميع الأحزاب
المُمَثلة في البرلمان ستشارك في الحكومة؟
المشكل المطروح الآن هو وضعية حزب
الأصالة والمعاصرة، الذي أُعدّ ليكون في الحكومة. وحين لم يتمكن من ذلك، في سنة
2011 و2016، فإنّ دوره الآن انتهى؛ لذلك تمّ الدفع بحزب التجمع الوطني للأحرار
ليلعب الدورَ الذي كان منوطا بحزب الأصالة والمعاصرة.
الأمر أشبهُ بمباراة في كرة القدم؛
لعبَ الأصالة والمعاصرة شوطها الأول سنة 2011 ثم في 2016، ولمّا لم تتحقق النتيجة
المرجوة، أجروا تغييرا وأقحموا في الشوط الثاني لاعبا جديدا، هو عزيز أخنوش. اليوم
الحكومة أصبح لها رئيسان: بنكيران وأخنوش؛ الأوّل له فريقه المشكّل من العدالة
والتنمية والتقدم والاشتراكية، والثاني له فريق مشكل من الأحرار والاتحاد الدستوري
والحركة الشعبية.
قلتم إنّ أخنوش جاء ليُتمم
الدور الذي كان منوطا بالأصالة والمعاصرة، أو مواجهة الإسلاميين، هل يُمكن أن
"ينلقب" زعيم "الأحرار" على بنكيران كما فعل شباط سنة
2013؟
هذا الاحتمال قد يكون قائما، ولكن من
الصعب جدا أن يجد حزب التجمع الوطني للأحرار فرصة في 2018 أو 2019 أو 2020، ليخرج
من الحكومة دون تبريرات مقنعة، فلا يمكن أن يأتي ويقول أنا لست متفقا مع سياسات
بنكيران ويخرج من الحكومة، هذا صعب؛ لأنّ ذلك سيُظهره على أنّ هدفه فقط هو تشتيت الحكومة.
ثانيا، حزب العدالة والتنمية لا يمكن
أن يذهب إلى المعارضة؛ لأن انتخابات 07 أكتوبر أعطته صدارة الانتخابات بمليون و600
ألف صوت، وأيّ محاولة لإفشال التجربة الحكومية الثانية التي سيقودها، بعد تشكيل
الحكومة، سيكون ذلك في صالح بنكيران، الذي سيجدها ذريعة لتأكيد أن ما يدّعيه عن "التحكُّم" ووجود جهات تسعى إلى
إبعاده صحيح.
وحتّى إذا حصل شيء من هذا القبيل،
فهناك حل آخر أمام بنكيران، وهو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، والدستور يخوّله هذا
الحق، ولكنّ هذا الخيار مستبعد؛ لأنه من الصعب إعادة الانتخابات بعد سنتين أو ثلاث
سنوات مع ما تتطلبه من استعدادات وتحضير، ثم إنّ إعادة الانتخابات ستقوّي حزب
العدالة والتنمية، وقد يحصد 150 أو 160 مقعدا برلمانيا.
ولكنَّ هذا لا يكفيه لتشكيل
أغلبية حكومية؟
طبعا، ولكنهم سيرجعون أقوياء. وعموما،
فإعادة الانتخابات ليس في مصلحة الحالة السياسية في المغرب.
ما يُمكن استنتاجُه من حالة
"البلوكاج" الحكومي هو أن بنكيران يعرف الآن أنّ البلاد لا تسير فقط
بالدستور والقوانين المكتوبة، بل هناك أشياء أخرى لا توجد في الدستور، وهي أشياء
في الثقافة السياسية، والتقاليد المخزنية. مُدّة
أربعة أشهر ونصف الماضية كانت درسا له ليعرف كيف تسير البلاد.
الخطأ الذي يرتكبه بنكيران هو حين
يقول "راه الشعب اللي بغانا"؛ لأن الأمر لا يتعلق بالشعب، بل بمليون
و600 ألف مواطن، منحوه أصواتهم في الانتخابات التشريعية الماضية، والمَلك لن يقبلَ
أن يأتي رئيس حزب ويقولَ "الشعب بغانا"؛ لأن من يمثل الشعب
هو الملك، وليس رئيس حزب. الآن بنكيران فَهم أنّ عليه أن يكبح إعلامه وأجهزته
التواصلية.
كما أنّه فهمَ الآن أن هناك قانون سير code de la
route ينظم حركة المرور
في المجال السياسي في البلاد، وأهم درس استخلصه هو أن هناك مسؤولا واحدا يسيّر
البلاد، وهو الملك، الذي لديه شرعية وإمكانيات، ومحبوب من طرف الشعب Populaire. الآن بنكيران استوعبَ كلّ هذا، وأدرك
أنْ ليس هناك أي حلّ بدون مساعدة الملك.
---------------------------
عن موقع: هيسبريس / الثلاثاء 28 فبراير 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق