بقلم: فؤاد بلحسن - الخميسات: مؤشرات أزمة [...] مسالك نقاش (جزء 1) - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الأحد، 14 فبراير 2016

بقلم: فؤاد بلحسن - الخميسات: مؤشرات أزمة [...] مسالك نقاش (جزء 1)




«محاولة ثانية في تشخيص إشكالية التنمية بمدينة الخميسات[1]»


belahcenfouad@gmail.com





افتتاحية:
لا شك أن الحديث عن ما يمكن تسميته بـ «أزمة مدينة الخميسات» بات أمرا مستهلَــــكا، وتكراره لا يزيد القناعة به. بل يكاد كاتب السطور يجزم أن كل مواطن محلي صار متخصصا في الموضوع؛ لأن اليأس بلغ مبلغه! وما مبادرة جمع توقيعات الساكنة لدعوة الملك إلى زيارة المدينة إلا تعبير آخر عن حجم وعمق هذا اليأس؛ يأس من النخب وواقع المدينة على السواء.
إذا، ما الفائدة من اجترار، مجددا، أسطوانة الأزمة؟!
الهدف من هذه الورقة هو صياغة تشخيص عام بشأن واقع أزمة المدينة استنادا إلى منطلقات تستحضر بعض الأطر النظرية [الاستناد إلى معياري «الجودة الحضرية» و «التنافسية الاقتصادية» وبراديغم «الحكامة»] وبعض التقنيات المتعلقة بالتدبير المحلي الحديث [التخطيط الاستراتيجي، المقاربة التشاركية،...]، وعبر قراءة وتأويل وتحليل المعطيات المتوفرة - على قلتها - ثم القيام برصد للعلاقات التي تنسجها العناصر المؤسِّية للأزمة في أفق طرح أسئلة وقضايا جديدة وجدية. إنها محاولة تحليلية، كمية وكيفية، لفتح مسالك نقاش من أجل غَـد ممكن ومختلف.
*     *     *     *

مدينة الخميسات، كجماعة محلية (بلدية)، مدينة حديثة نسبيا. وهي مدينة متوسطة الحجم[2]. يبلغ عدد سكانها، بحسب نتائج الإحصاء العام الأخير، 131542 نسمة (131474 مغربي و 68 أجنبي). ويصل عدد الأسر فيها 32066 أسرة[3].
وباعتبارها عاصمة لإقليم واسع المساحة، إقليم الخميسات، فإنها تتفاعل مع محيط مرتبط معها إداريا وسوسيو-اقتصاديا يضم حوالي 410679 نسمة (بدون احتساب الخميسات المدينة)[4]. كما أنها تتفاعل مع منطقة واسعة (غرب ووسط المغرب) تضم العديد من الحواضر الكبرى والعواصم الجهوية - إن لم نقل أهمها على الاطلاق – وهي الرباط (على بعد 86 كلم)، سلا (80 كلم)، القنيطرة (80 كلم) ومكناس (55 كلم)، الدار البيضاء (176 كلم) وفاس (120 كلم). والملاحظ أن المدينة تتموقع في نقطة تتوسط جغرافية هذه المدن.
وإذا انتقلنا من الجغرافيا إلى تقسيم التراب الوطني وأبعاده السوسيو-اقتصادية، سنجد أن تراب جهة الرباط-سلا-زمور-زعير، كان مقسما إلى مجالين: الشريط الساحلي المـعمَّر بشكل قوي بفضل التجمعات الحضرية (الرباط، سلا، الصخيرات، تمارة)، والمجال القاري المكون في معظمه من المجالات القروية التابعة لإقليم الخميسات[5]. وهو الأمر الذي لم يتغير مع التقسيم الجديد (جهة الرباط-سلا-القنيطرة). حيث، وكما يُـؤكد الباحث محمد بهضوض، «ظلت نفس البنية قائمة؛ وهي وجود مدن ساحلية (الصخيرات، الرباط، سلا، القنيطرة) ومدن داخلية شبه قروية (الخميسات، تيفلت، سيدي سليمان، سيدي قاسم ومشرَع بلقصيري) ومجالات قروية واسعة ضعيفة التجهيز والاستغلال[6]».
وقـبل الدخول في تقييم الفرص والتحديات التي يطرحها موقع المدينة داخل الجهة الترابية التي تنتمي إليها أو داخل المنطقة الأوسع المحيطة بها، يمكن التأكيد، أولا وقبل أي شيء آخر، أن هذا الموقع الموجود وسط حواضر كبرى وفي طريق مواصلاتها، لا شك أخضع المدينة لتفاعلات وتأثيرات إيجابية وسلبية قوية ساهمت في رسم ملامح واقعها الحالي وستساهم، باستمرار، في تشكيل مستقبلها ووعيها به.
وما يثير الدهشة في تاريخ تدبير المدينة، هو أنه، وبالرغم من كل التحديات التي كانت مطروحة أمام هذه المدينة والانتظارات التي سجلتها الساكنة المحلية، لم يجر وضع خطط استراتيجية لتنمية المدينة ولا تخصيصها بصياغة وتنزيل برامج تأهيل كبرى، كما أنه لم يجر تغطيتها بصورة دائمة بتصاميم للتهيئة العمرانية أو بمخططات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهكذا ظل التفكير الاستراتيجي في شؤونها الحضرية والانمائية متقطعا وتتخلله العديد من مظاهر العجز على مستوى الحكامة من جانب والمعارك السياسية الشرسة وغير المثمرة من جانب آخر. ولهذا بقيت مختلف التدخلات العمومية، وبالموازاة معها مبادرات الخواص والمجتمع المدني، تفتقر إلى الالتقائية والتصور الشمولي لمستقبل المدينة، كما أنها افتقرت إلى الفعالية والوقع السوسيو-اقتصادي المأمول. بل إن هناك من يتحدث عن تراجع المدينة على أكثر من مستوى.
فهل نحن، إذا، بصدد نسج ثقافة حضرية متمحورة حول اليأس؟!
صاغت الأمم المتحدة مفهوما يجمع بين قوة التعبير ومأساة الواقع، وهو يصلح إلى حد كبير لوصف المسار التنموي لمدينة الخميسات: «تحضر دون تنمية». فمدينتنا تبدو منخرطة في ثقافة الألفية الثالثة من خلال ثقافتها الاستهلاكية وشبكتها المعلوماتية واستقلالها في تدبير شؤونها ومواضيع نقاشها العام وتطلع شبابها، لكنها في نفس الوقت تعيش على إيقاع هزالة الانتاج العام وغياب التصنيع والبطالة والفقر وضعف البنية التحتية وبَشاعة المشهد الحضري ونقص جودة الخدمات العامة وغيرها. هذه هي حقيقة أزمتنا التي يطبعها الفصام!
إذا، ما هو التشخيص الذي يمكن أن نعطيه لتحضرنا البعيد عن التنمية الشاملة؟ وأي منعطفات يتعين على المدينة أن تسلكها لتضع مستقبلها على سكة تنتهي إلى تحقيق حد مقبول من رضى الساكنة؟
لنركز على 3 محاور أساسية:
أولا. الدينامية الحضرية،
ثانيا: التنمية السوسيو-اقتصادية، وَ
ثالثا. نجاعة التدبير.

يُتبع...




[1] - لقراءة المحاولة الأولى بهذا الصدد، يمكن الرجوع إلى الدراسة المعنونة بـ « إشكالية التنمية بمدينة الخميسات » لنفس الكاتب، وهي منشورة كاملة على الرابط: http://alqalam3000.blogspot.com/2014/03/blog-post.html . ونشرت أجزاء منها على  الموقع الإخباري المحلي خميسات سيتي، الرابط: http://khemissetcity.net/2013/06/7129/

[2] - في المغرب، تُعتبر المدينة متوسطة إذا كان عدد سكانها بين 50000 و 500000.
[3] - المندوبية السامية للتخطيط، مديرية الإحصاء والسكنى، الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014.
[4] - حيث يضم الإقليم 542221 نسمة [ 542025 مغربي (حضري + قروي) و 196 أجنبي]. وفي الوسط الحضري:  280926 مغربي و 153 أجنبي. بينما يضم الوسط القروي 261099 مغربيا و 43 أجنبيا. ن. م.
[5] - التصميم الجهوي لإعداد التراب، جهة الرباط-سلا-زمور-زعير، 2010.
[6] - محمد بهضوض، تحديات المدينة في المغرب (سلا نموذجا)، منشورات دار الأمان، الرباط، 2012، ص: 166.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق