belahcenfouad@gmail.com
لقد
رُفعت ورقة الحرب السنية-الشيعية في وجه الأمة في وقت بدأت إسرائيل تدخل مأزقها التاريخي
خلال الموجة الأولى لثورات الربيع العربي. دفع الربيع العربي قضايا الحرية والتحرير
إلى قائمة الأولويات وصار الموقف تاريخيا بامتياز. ثم فجأة صار الصراع بين السنة
والشيعة، وبين العرب والفرس هو الأولية، من سوريا، إلى البحرين، إلى اليمن إلى
العراق إلى الملف النووي الإيراني وغيرها من الملفات. رُسِمت آفاق جديدة للحلم
العربي: التقاتل البيني بدل الانعتاق من الاستبداد، الشحن الطائفي بدل صياغة
المشاريع الوطنية الموحَّدة والموحِّدة، الصراع مع إيران بدل تحرير فلسطين من
العدو التاريخي المغتصب، الهجوم على الحوثيين وتدمير شمال اليمن بدل حمل اليمنيين
على الجلوس على طاولة التفاوض كمدخل للمصالحة وتجاوز أخطاء جميع الأطراف وعلى
رأسها أخطاء الحوثيين، دفع القوى الأمنية والعسكرية الأجنبية إلى الداخل البحريني
لقمع أغلبية البحرينيين بدل تأمين الأجواء لإجراء حوار وطني شامل، حشد كل متطرفي
العالم إلى الداخل السوري بدل دفع النظام السلطوي إلى إجراء مصالحة وطنية شاملة
وبالتالي تجنيب الدولة التدبير الشامل، وهكذا. فتح الملف تلو الملف، بدل الحرص على
غلقها واحدا واحدا!
من
الذي يدفع الثمن؟ المواطنون البسطاء من جميع المذاهب والأديان!
بين
دين الطائفيين ودين الله بون شاسع. فزعماء «دين الطائفة» المحرضون يدورون حيث دارت
مصالحهم هم. يتحدثون باسم النبي ليثيروا فتنة بين أتباعه سنة وشيعة. بينما دين
الله يؤكد «يا أيها الناس، غنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا. غن أكرمكم عند الله أتقاكم». فمتى كانت التقوى سنية أو شيعية؟! ومتى كان
القرآن سنيا أو شيعيا؟! ومتى كان الإسلام ونبي الإسلام حكرا على معرفة أهل السنة
أو أهل الشيعة، «ما كان محمدٌ أبا أحد من
رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيئين»؟!
يكاد
الجنون يصيبنا في مقتل!
يعتقد
العديد من السنة أنهم حراس الإسلام لذا يرفضون الآخر وقراءاته للتاريخ بل ويكفرونه
رأسا. ويعتقد العديد من الشيعة أن الإسلام وتاريخ الإسلام مختزل في الأئمة الاثني
عشر ولذا فإنهم يضَـيِّقون ما لا يمكن تضييقه. يُـبدي العديد من السنة استعدادهم
للحوار مع المسيحيين بل ومع اليهود ويحرصون على تقديم صورة تُظهرهم بوجه المتسامح
مع الآخر الديني-الغربي بينما يغلقون في نفس الوقت كل الأبواب على آخرهم المذهبي،
أي الشيعة؛ حيث يَـقصونهم في وعيهم وفي لاوعيهم العام عن دائرة الإسلام والأمة ولا
يمنحوهم أي صوت على منابرهم الإعلامية أو في مؤتمراتهم الفكرية إلا في حالات
استثنائية وجد نادرة، وكثيرا ما يجري تكفيرهم بلا أدنى احتياط خاصة من قبل المتشددين
داخل التيار الوهابي-السلفي وحتى من قبل بعض مكونات الحركة الإسلامية التي تحرص على
أن تبدو بمظهر الاعتدال (في المغرب مثلا). حتى أن أحد قياديي جماعة العدل والإحسان
في المغرب صرح لي يوما بكلام صادم حِرت بين تصديقه وعدم ذلك: «قال لنا المرشد في
أحد الجلسات الداخلية: لا تثقوا في اثنان: اليهود والشيعة»!!! . وفي الجهة المقابلة، وتحت ذريعة حرية البحث وتقييم الشخصيات التاريخية،
يسب العديد من الشيعة رموز السنة ويهاجمونهم بشكل فيه الكثير من قلة الأدب بل والمساس
ببعض الخطوط الشرعية المحرمة في خرق واضح لتعاليم أئمة الشيعة أنفسهم. فتجد أن
الكثير من الشيعة ممن يحتفون بعلوم الإمام علي بن أبي طالب لا يلتزمون بالخطوط
الشرعية التي حددها في التعامل مع المختلفين؛ فتراهم يطلقون العنان للسب والقذف
والإفك تجاه بعض رموز مذهب السُّنة.
ولقد
وصلت "شيطنات" بعض السنة والشيعة إلى درجة المبادرة إلى قمع وصد العديد
من الأصوات والمؤسسات التي تدعو وتعمل بكل جهد من أجل التقريب بين المسلمين وخلق
فضاءات للحوار وتكريس قيم التعايش المشترك بين السنة والشيعة. وفي أحسن الأحوال
يجري تجاهل هذه الشخصيات والمؤسسات وحجب رسائلها الوحدوية.
نحن
في حاجة إلى من يستشعر أن الحوار السني-الشيعي صار مسألة ضرورية لا مندوحة لنا
عنها، وأن الانصات أولوية، وأن دفع النقاش إلى أهل الاختصاص، خاصة في المنتديات العلمائية
والعلمية، أمر لا بد منه. لو صُرفت نصف الميزانيات التي صرفت فعليا على لجان
الحوار بين المذاهب والأديان في ما أنشأت من أجله، لكانت النتائج غير ما هي عليه
الآن. بيد أن سياسات الواجهة لا تبقي شيء يستحق الاحتفاء بهذا الشأن. فاللجان تُؤسس
لتضيف فقرة جديدة في سيرة رئيس هذه الدولة الإسلامية أو تلك بما يظهره أمام العالم
كونه رجل حوار بين المذاهب والأديان!
دعتني
صديقة من سوريا - م. ح. - إلى المساهمة، إلى جانب أصدقاء آخرين، في إدارة واحدة من
أهم الصفحات التفاعلية في الأنترنيت المخصصة لدعم الحوار المسؤول بين السنة
والشيعة على طريق التقريب فيما بينهم[1]، وأعتقد، بعد أزيد من سنتين
على ذلك، أننا استطعنا أن نحقق، بمجهود قليل ووقت أقل، ما لم تحققه لجان بميزانيات
ضخمة ممولة من هذه الدولة أو تلك بالرغم من كل العراقيل التي تعرضَتْ لها الصفحة.
لقد
كان سر نجاحنا في أن منهجنا راعى مسلمات أساسية: الانطلاق من المشتركات، وقبول الآخر – أيا كان – كما هو، والحوار
الهادئ والمنطقي في الأمور التي تثير تشنجات.
لقد
استطعنا أن نوسع من قاعة الصفحة بشكل تدريجي وإن كان بطيئا. كما أننا استطعنا
تدريجيا أن نُهدئ من حدة الكلمات النابية وغير المسؤولة. كما أن منسوب قبول فكرة
الوحدة تزايد رويدا رويدا. الأمر الذي أكد أن المسألة مسألة تربية أكثر منه مسألة
اختلافات فقهية أو تاريخية. وأذكر أننا لما حكينا لهم نكتة بشأن ذاك الذي وجد
شخصين في أمريكا يتجادلان بحدة وغضب ويتشاجرا، فسأل عن السبب، ولما أخبروه بأنهما
يتجادلان ويتشاجران في شأن من كان أحق بالخلاقة، قبل أزيد من 1400 سنة، أبو بكر أم
علي، سقط على قفاه من الضحك، نعم، عندما حكينا لهم ذلك، ضحكوا كثيرا. لأنهم حينها
أعطوا هذه المسألة الخلافية حجمها الحقيقي، كمسألة خلافية تاريخية يجب ألا تمتد
إلى خلافات اليوم كما هو حاصل اليوم بحدة.
لقد
اخترنا الطريق الصعب ولكن كنا على يقين، رغم صِغر سننا، أنه الطريق الصحيح والأكثر
اختصارا لو نظرنا إلى المدى البعيد.
لن "يُـطَـهر"
السني الشيعي من على وجه الأرض مَـهْما فعل؛ فحتى الأقليات التي لا يتعدى تعدادها
المئات من السكان تستطيع أن تحفظ هوياتها على مر السنين، فما بالك بمن يشكل حوالي أزيد
من 20 % من مجموع المسلمين عبر العالم[2]. كما أن الشيعي لن يمحو أثر
التسنن أو يشيع المسلمين السنة لأن الجغرافيا والاعتقاد واقعان لا يرتفعان. فإذاً
لا سبيل إلا أن يعيش السني بالشيعي والشيعي بالسني لأن في وجودهما معا يستطيع كل
منهما أن يعرف نفسه أولا ويرقيها ثانيا.
يمكن
لدِين وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي – بما فيه
المغرب - أن يصير دين الله إذا ما اعتبر
الآخر جزءا منه لا أقلية تستحق الاضطهاد. إن المذهب المالكي، في المغرب مثلا،
يمكنه – بل يتعين عليه - أن يؤدي، في القرن الواحد العشرين المتميز بالانفتاح
وسقوط الحدود الجغرافية والسياسية والفكرية - دور الحاضن للجميع. إن تعدد المغرب
الديني (مسلمون، مسيحيون يهود وملحدون) وتعدد أنماط التدين فيه (تدين رسمي تؤطره
وزارة الأوقاف، تدين سلفي يؤطره التيارين الوهابي والتبليغي، تدين صوفي تؤطره
الحركة البوتشيشية وغيرها من الزوايا، تدين حركي-إخواني تؤطره حركة التوحيد
والاصلاح وتدين راديكالي--صوفي تؤطره جماعة العدل والإحسان، وتدين شيعي تؤطره بعض
الحركات المجهرية كتيار الخط الرسالي وتيار المواطن الرسالي)، يتعين أن يُنظر إليه
من قبل الدولة بعين العقل. العقل الذي يستوعب رسالة الاسلام التي تحتضن الشيء
ونقيضه، وتقبل التنوع بكل أشكاله، وتعتبر الاعتقاد مسألة اختيار شخصي «لا إكراه في
الدين، قد تبيَّـن الرشد من الغي» «وَقُل الحقُّ من ربكم. فمن شاء فليُؤْمن ومن
شاءَ فليَكْفر». فالاعتقاد يتأسس، بالضرورة، على الحرية لا على الإكراه، على الإقناع
لا على التسلط. فعلى المذهب المالكي الرسمي أن يحتضن قيمة الحرية قبل احتضان قيمة
الوحدة، فلا وحدة بدون حرية. يمكن للمذهب المالكي أن يصير فوق الجميع، كقيمة عليا،
إذا آمن أن السير إلى الله بعدد الأنفس، وأن الإلحاد هو أيضا مسألة اختيار لا تواجه
بالتصعيد الخطابي أو الاتهام أو المحاكمات، بل بالدعوة الحكيمة: أدعُ إلى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سيبيله».
وإن «دين
آيات الله» في قم أو في النجف يمكن أن يكون فعلا دين الله إذا ما قدَّر أن
الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف جزء من الدين نفسه. لأن الخلق خلق الله، وواقع
الاختلاف من إرادة الله. وأن عدم التشيع لعلي أو الحسين لا يعني التخندق في خندق
يزيد، فالتشيع لعلي والحسين هو أيضا بعدد الأنفس. ولهذا لا يخلو بيت سني من اسم
فاطمة، كما أن الحسن والحسين أيقونتان في التاريخ السني والتدين الشعبي على
السواء. كما أن علي يحتل مكانة عظيمة في قلب السُّنة وعلمائهم. وإذا كان السنة
يعتبرون أن الخلافة الراشدة كانت مسألة غير مناقضة للشرع فذاك حقهم. وبذلك يجب أن
يَـترك الجدل القائم على الاتهام والتخوين مكانه للجدل العلمي بين العلماء
والمؤرخين.
لقد
أدخلنا المتعصبون من المذهبين نفقا مسدودا، وقالوا لنا: هذا هو النهج. هذا هو
الخيار الوحيد المتاح! لا مفر من الصراع! وبثوا فينا رسائل مغلوطة وكاذبة
لأسطوانات مشروخة. قال الطرف الأول منهم: للشيعة قرآن غير القرآن الذي لدينا[3]، إن الشيعة يؤلهون عليا،
للشيعة خططا كبرى لتحويل العالم السني إلى التشيع[4]، كل الشيعة يسبون عائشة (ض)[5]. بينما ردد الطرف الثاني:
السنة لا يحبون أهل البيت[6]؛ السنة مع الظلم والخلفاء
الظالمين[7]؛ نزل السنة عن سفينة النجاة
– سفينة آل البيت - وبالتالي سيكونون من الهالكين لا محالة[8] وَ وَ وَ!
وهكذا
حجبوا عن أعيننا نقاط اللقاء، والمقاصد المشتركة والمصير الواحد في زمن اهتزت فيه
جغرافية المنطقة بفعل الاحتلال الإسرائيلي والحروب الأمريكية المستمرة وتكالب
الاستكبار الغربي وضربات العولمة الهوجاء!
هذا إفكهم، أما الحقيقة فهي غير ذلك. فقد تعايش
السنة والشيعة وتزاوجوا فيما بينهم في كل ربوع الجغرافية العربية الاسلامية، من
لبنان، إلى سوريا إلى العراق وغيرها. كما أنهم أثَّروا وتأثروا فيما بينهم في
الفكر والثقافة والمعيش وفي نمط التدين والعمل الديني نفسه. فها هو «حزب الدعوة»
العراقي الشيعي يستفيد من التجربة الحركية لـ «جماعة الإخوان المسلمون» السنية في
مصر. وها هي الحركات الإسلامية السنية على امتداد الخريطة العربية – بما فيها
المغرب - تستفيد وتستلهم التجربة السياسية
للثورة الإيرانية الشيعية. لا بل أكثر من هذا، حتى الأفكار وجدت طريقها – ذهابا
وإيابا – بين أتباع المذهبين. لقد وجدت أفكار الإمام محمد عبده طريقها إلى المتن
الشيعي، كما أن أفكار الشهيد آية الله محمد باقر الصدر وجدت طريقها إلى المتن
السني. لا بل أذكر أنني وجدت زوجة لأحد الوزراء الحاليين في الحكومة المغربية
المنتمي للعدالة والتنمية وهي تبحث عن كتب الشيعة المتعلقة بالمرأة وهي بصدد التحضير
لأطروحتها في الدكتوراه حيث أكدت لي أنها كتب تقدم آراء تستحق أن توضع على بساط
البحث. فإذاً التلاقح قائم وفرص التعايش ممكنة، ولكن خفافيش الظلام، من الفريقين،
يتربصون بكل فرص الحوار والعيش المشترك على امتداد خريطتنا العربية-الاسلامية.
مَن
مِن الشيعة الحركيين أو الباحثين أو المفسرين لم يقرأ كتابَـيْ «معالم على الطريق»
و«في ظلال القرآن» للشهيد المفكر سيد قطب، أو رسائل الشهيد الإمام حسن البنا أو
كتب غيرهم من المفكرين والمجتهدين السنة كمنير شفيق وفتحي يكن وحسن الترابي ويوسف
القرضاوي إلخ. مَن مِن السنة الحركيين أو الباحثين أو المفسرين لم يقرأ كتاب «فلسفتنا»
للشهيد آية الله محمد باقر الصدر أو كتاب «الحركة الاسلامية .. هموم وقضايا» لآية
الله محمد حسين فضل الله، أو «العودة إلى الذات» للشهيد المفكر علي شريعتي وغيرهم
من المفكرين والمجتهدين الشيعة كمرتضى مطهري والخميني ومحمد مهدي شمس الدين إلخ.
من مِن الشيعة لم يُعجب بالرؤية المجددة للإمام حسن البنا؟! مَن مِن السنة لم
يُعجب بالرؤية الثورية للإمام الخميني؟!
إن
الروح التي تبقى منفتحة على الجميع يُـراد لها، بالقوة تارة وبالضغط تارة أخرى -
أن تُوأَدَ من خلال ترديد وتكريس شعارات وأفكار طائفية فارغة من أي محتوى عرفاني
وأخلاقي وإنساني بدعوى حماية المذهب من الآخر. خسِئتم يا تجار الدنيا بالدين!
...
أين
تتموقع ثورة الحسين بالنسبة لهذا الهراء الطائفي والتجييش العاري من أي قيمة إنسانية
المنتشر هنا وهناك؟
أيا
كان هذا المسلم أو الإسلامي أو العربي أو غير العربي - سنيا أم شيعيا، حركيا أم
صوفيا– لا خيار له إلا أن يصعد إلى قيم المدرسة الحسينية لا أن ينزل بها إلى قِـيَـمه
هو. الذي يدافع عن الحسين عبر اتهام آخره المذهبي فوق منبر الخطابة من خلال الكذب
يسيء إلى الحسين أشد ما تكون الإساءة. الذي يـشُجُّ رأسه فيسيل دما بدعوى التضامن
مع الحسين يسيء إلى الحسين أكثر مما يعتقد أنه يُـعَـظم مدرسته الثورية والانسانية.
دخلت
عاشوراء وثورة الحسين لعبة شد الحبل لأنها تُحرج الجميع. تحرج أولئك الذين يريدون
إخفاء حقيقتها وكذلك أولئك الذين يضربون رؤوسهم بالسكاكين والسيوف كالمجانين بحجة
الانتماء إليها. لا بل لقد أربكت حتى من حاول التعاطي معها كحدث عادي كما فعل ابن
خلدون في المقدمة؛ فإذْ تجرأ على القول – سامحه الله - أن الحسين "غـلِط" بخروجه (=ثورته) على يزيد، تجده
يدور حول نفسه في محاولةِ حِجاج يائسة لـمَّا ميز بين ما هو من الدنيا وما هو من
الدين في ثورة الحسين حيث يقول "فقد تبين لكَ غلط الحسين، إلا أنه في أمر
دنيوي لا يضره الغلط فيه، وأما الحكم الشرعي فلم يَغلَطْ فيه لأنه منوط بظنه، وكان
ظنه القدرة على ذلك"! وحينما يستأنف بن خلدون حجاجه تظهر حيرته أكثر حيث
يقول: "وكذلك لا يذهب بك الغلط أن
تقول بتصويب قــتـْلِـه لمـا كان عن اجتهادٍ وإن كان هو على اجتهادٍ"!. ويزداد
طين تحليله بلة حين يؤكد أنه [أي الحسين] "مجتهد، وهو أسوة المجتهدين"!.
بل أكثر من هذا يقول: «فلا يجوز قتال الحسين مع يزيدَ ولا ليَزيد بل هي من فعلاته
المؤكدةِ لفسقِهِ، والحسينُ فيها شهيدٌ مثَابٌ، وهو على حق واجتهاد...». وهنا يظهر
ضعف منطق ابن خلدون وارتباكه، حيث يقر بالشيء ونقيضه، أي بغلط الحسين وصوابه المستند
على صحة تقديره للموقف في نفس الوقت!.
إن ثورة
الحسين واقعة عابرة للتاريخ بمعانـيها وقيمها ورسالتها الثورية والإنسانية. لذا
فهي عصية على فِعل الطمس؛ فهي إذا ملك للصادقين وحدهم. كما أنها أيضا واقعة تخاطب
العقلاء لا المجانين الذين يختزلونها في الفرجة لا في الحكمة؛ لذا فهي للعقلاء
فقط.
...
وعلى
الذين لم يستوعبوا امتدادات وآفاق المدرسة الحسينية، سواء كانوا سنة أم شيعة، أن
يتركوه يرقد في سلام.
...
إذا
كان بعض خطباء الأوقاف يعتقدون أن نشر الدعوة تقوم على الكَذِب على المؤمنين، فما
علينا إلا أن ننظر إلى إصلاح الشأن الديني بالمغرب من خلال "العِيطَـهْ"[9]!
التثقيف
الديني من على المنبر يجب أن يستند على قول الحقيقة وفي الحد الأدنى اجتناب
الاختلاف أو الاقتصاد فيه ما أمكن. فالوحدة الإسلامية يجب أن تشكل أصلا من أصول التربية
الدينية. لأن تكريس الحقد والشحن الطائفي في موقع يُـفتَـرَض فيه أن يكون موقعا
للتطهير الروحي والتنوير الفكري لهو أمر رهيب. وإذا شرع خطباء الأوقاف في تقمص
أدوار المتعصبين، فماذا سيتركون للمتشددين الوهابيين والدواعش وأنصار القاعدة غير
قتلنا بدم بارد؟!
...
أما
أنت يا خطيبنا الفريد العجيب[10]، يا من "وَجَد"،
أخيرا، قاتلَ الحسين، فأولى بك أن تجعل جرأتك في الدعوة الشجاعة لدين الله والدفاع
عن المستضعفين في الأرض وليس في خدمة الزيف والكذب باسم دين ما أنزل الله به من
سلطان يرى في العصبية والطائفية والتشدد قواعد فقهية تحكم ما سواه.
إن الإمام
مالك ابن أنس (ض) لا يكذب ولا يبيع دينه بدنياه!
كما أن الكذب محرم وفق تعاليم المذهب المالكي! فإذا، كفى ترقيعا للتاريخ والحاضر
والمستقبل!
التقوى
التقوى يا صاحْ، وإذا لم تستح فقل ما شأت!
[2] - قدَّر منتدى
"ليوفورم"، في إحصاء أجراء سنة 2013، عدد الشيعة في العالم بـ 400
مليون نسمة، وهو ما يشكل ربع عدد المسلمين في العالم البالغ عددهم مليار
و 600 مليون نسمة. ومنتدى "ليوفورم" للدين
والحياة العامة وهو مركز دراسات وأبحاث إحصائية استراتيجية متخصص بالأديان
والمذاهب والمعتقدات في العالم، وله فروع ومكاتب في 222 دولة في العالم.
[3] - في أحد المعارض المنظمة
من قبل جهات سنية متطرفة، تم وضع كتاب في
علبة من زجاج، كُـتِب فوقه: قرآن فاطمة، ومُنع الناس من تصفح هذا الكتاب ليتبينوا
بأنفسهم. يا لخبثهم!
[5] - مع أن الأغلبية على
غير ذلك، بل إن أغلب مراجع الشيعة الكبار ضد سب الصحابة، وأفتوا بحرمة ذلك. وبعض فتاواهم
بهذا الخصوص موجودة في مؤلفات لكتاب من السنة، مثلا: الكتاب القيم «السنة والشيعة»، للمفكر محمد
سليم العوا.
[7] - مع أن يزيد، مثلا، لم
يكن يدافع عن السنة وهو بصدد قتل الحسين. كما أن الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي
يمكن أن يحسب على أهل السنة - مع أنه انتمى إلى الإسلام من أبوابه الواسعة - أوقف العديد من الممارسات السيئة التي مست
التشيع والشيعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق