امتحان الثورة والثوار في مصر - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

امتحان الثورة والثوار في مصر

فؤاد بلحسن



أولا، أحسم النقاش مع أطروحة مغلوطة ومُغَلــطَـة، تطل برأسها ولو على استحياء من قبل محللين فاشلين، وفي أقل تقدير حالمين، ومن قبل قادة سياسيين ليس بينهم وبين السياسة غير الصراخ والتحريض. وهي أطروحة مفادها أن الثورة الثانية – لا بل يقولون الثورة الحقيقية، كأنهم حراس التاريخ أو مصححوه – تدق الأبواب في مصر. جوابي على هذه الأطروحة، قدمته الجماهير الغفيرة التي تضم فئة لا بأس بها من الشارع المصري التي نزلت بتاريخ 1 ديسمبر في ميدان النهضة أمام جامعة القاهرة. يكفي ذلك المشهد ليدك أركانها من أساسها: فالقول أن "الشعب المصري يريد ..." أصبح عارا على جبين هؤلاء. فالشعب يعبر على آرائه بنفسه بشكل مختلف ومتعدد. وعلى من يقول العكس أن يقدم حججا ملموسة بعيدا عن تشقيق الكلام.
بعد هذا التأكيد، ننتقل للحوار مع أناس لهم عقل يَعمل وعين تُبصر وقلب لا يحقد.
1- الجو العام في مصر جو ثورة ومرحلة انتقالية، وليس جو أوضاع عادية (غياب المؤسسة التشريعية، تربص الفلول، استمرار مطالبات الثوار ببعض الرؤوس، محيط إقليمي قلق وخائف من مصر الثورة وميولاتها القومية والإسلامية،..) وبالتالي فالرئيس رئيس ثورة أكثر منه رئيس دولة. فالدولةلم تكتمل بعد؛ مادامت المؤسسات الدستورية لم تتأسس بعد ولا حتى وثيقة إنشائها (الدستور).
2. القضاء لا زال معقل الفلول، وإقالة رئيسه الأعلى، كما فعل الرئيس مرسي، مطلب سابق وحال للثورة ولا شيء يعلو على صوت الثورة في زمنها. وحشر القضاء - أو بعض مكوناته- نفسه في القضايا السياسية يجعله طرفا في الصراع لا هيئة مستقلة وحَكم بالنسبة للجميع. اصطفاف القضاء يُسقط أساس مُرافعته من أجل الحفاظ على استقلال القضاء.فهو يقوم بنقيض ما يدعي!
3. أخطأ مرسي؛ ليس في فحوى القرار بل في مستوى التعبئة له. كان عليه أن يحاور الجميع قبل اتخاذه، وخاصة تيارات صباحي والبدوي والبرادعي. فليس من الصحي أن تنقسم الثورة على نفسها قبل استحقاق الدستور وقبل إنهاء الصراع مع الفلول ودك تطلعاتهم للعودة. انقسام الثوار على أنفسهم، يعني إمكانية استقواء بعضهم على البعض الآخر عبر تعبئة الشارع وربما عبر التحالف أو التنسيق مع أعداء الأمس المشتركين، أعداء الثورة (الفلول). وهو ما حصل بالفعل: فُتح ميدان التحرير وقُدمت مساحة للفلول وصُعدوا على المنابر وصرخت حناجرهم "دفاعا عن الثورة" !
4. تُخطأ المعارضة عندما تعمل بوعي سياسي مصلحي ضيق من أجل تمديد فترة الانتقال، بل وتعطيل حتى نتائج الانتخابات. فأن تكون ديمقراطيا وغير ديمقراطي في الوقت نفسه أمران لا يجتمعان. فهي تنخرط في العملية الانتخابية، وحالما تخسر تثير الغبار على العملية برمتها ساعية إلى الرجوع للمربع الأول وتطالب بالحوار الوطني والتدبير التوافقي للسلطة. وهذا يسمى لعبا بالزمن السياسي للشعب المصري.
5. لا يمكن لقرار مرسي أن يحدد لائحة بأعمال السيادة إذ أن هذا الشأن، في كل التجارب القضائية المقارنة، من اختصاص القضاء. بمعنى ان قائمتها تبقى مفتوحة والقضاء الإداري هو من يتدخل في تحديدها زيادة أو نقصانا. ومن ثم، فإن كل من ينتقد الرئيس مرسي بدعوى أنه لم يحدد المقصود بالأعمال السيادية أو أنه لم يحددها بالاسم يرتكب خطأ ظاهرا ويطلب منه ما ليس من اختصاصه. وهنا أخطأت المعارضة كذلك. اما خطأ الرئيس فهو أن صياغة النص توحي بأن حتى القرارات الادارية غير قابلة للطعن وهذا غير مقبول طبعا. فالقرارات الإدارية خاضعة للطعن دائما أيا كان مصدرها.
 6. القرار الرئاسي قرار مؤقت، سواء نُص على ذلك في القرار أو لم يتم ذلك؛ فالتصويت على الدستور و إجراء الانتخابات التشريعية، استنادا إلى مقتضياته، يعطلان مفعوله تلقائيا. وبالتالي فإثارة الغبار حوله بدعوى أنه يخلق ديكتاتورية جديدة ويؤبدها بذاك القرار فعل ينتمي للمراهقة السياسية، بل هو ادعاء لا معنى له. فالديكتاتورية تـُؤبَّد بالنصوص الدستورية المستفتى عليها لا بالإعلانات الدستورية الخاصة بالمراحل الانتقالية، خاصة إذا علمنا أن أجل عمل الجمعية التأسيسية كان محددا في أقل من ستة أشهر ولم يبقى من عمرها غير شهرين: أيُّ رئيس أحمق يصدر إعلانا دستوريا ليكون دكتاتورا لشهرين؟! من يدخل الرئيس مرسي في عداد هؤلاء الحمقى يضع نفسه في موقف يبعث على السخرية؛ إذ أن مرسي أعقل من ذلك بكثير. وصف الرجل بالدكتاتوري استغباء للعقول وقلب للحقائق وشكل من المعارضة أقرب إلى التمسرح منه إلى العمل السياسي الجاد.
6. مرسي جمع السلطات! طيب، لنكمل التحليل إلى نهايته ولا نتوقف عند «ويل للمصلين»، ونسأل: هل يوجد في مصر برلمان (سلطة تشريعية)؟ لا يوجد، فقد حلته المحكمة الدستورية. من، إذا، يُشرع في مصر بعد قرارها ذاك؟ القضاء؟ القضاء لا يشرع. إذن من يشرع؟ يجب أن ينتقل السؤال إلى التالي: من هي السلطة الآن التي تمثل الشرعية وتستطيع أن تشرع باسم الشعب؟  لا سلطة غير سلطة الرئيس المنتخب من لها هذه المواصفات، باعتبارها إفرازا لاستحقاق انتخابي سليم من الناحية الديمقراطية حيث عبر الناخبون عن رأيهم بحرية. إذن من يشرع في المرحلة الانتقالية قبل الدستور؟ الرئيس بلا شك، بلا مزايدات سياسية لا معنى لها أو معارضة من أجل المعارضة. فهناك أسئلة ملحة تحتاج إلى جواب بلُحاظ الزمن السياسي للثورة. نفس الشيء يقال عن الاعلانات الدستورية المؤقتة، والمرهونة بقبول مشروع دستور عبر استفتاء شعبي. ثم، هل للقضاء الحق في تناول الاعلانات الدستورية و التشريعات الصادرة عن الرئيس؟ لا، لا يوجد في التاريخ محكمة أيا كان نوعها أو درجتها تلغي دساتير أو تشريعات ولو كانت مؤقتة. المحاكم تطبق القانون وترى مدى دستورية القوانين. من يقول العكس فليأتينا بأمثلة.
7. السماح للفلول بالاندساس وسط الثوار – وخاصة بين شباب 6 أبريل – وصمة عار في جبين هؤلاء لن ينساه التاريخ السياسي لمصر. بعضهم طردهم شباب 6 أبريل انفسهم قبل أسابيع بمجرد اقترابهم من ميدان التحرير واليوم يستقبلونهم محملين على الأكتاف. يا للمفارقة .. يا للعار الذي مس بعض الثوار بميدان التحرير ! وزيادة على هذا، لوحظ حتى إحجام المعارضة عن إدانة أعمال البلطجة التي طالت مقرات بعض الهيئات السياسية والمدنية الموالية للرئيس. وهذا موقف غير وطني وغير مشرف ويمهد الطريق لدفع البلاد إلى أتون الحرب الأهلية في حالة ما إذا تم السكوت عنه.
8. واهم من يعتقد أن دفة الحكم في مصر يمكن أن تدور بغير مشاركة سواعد الإخوان. قبل سنين مضت وربما أزيد من عقد و أنا أسمع مقولة يرددها المصريون وغيرهم حول اصطفاف المصريين: "الشارع إخواني، والحكم حزب وطني". هي مقولة فيها بعض المبالغة لكنها في الوقت نفسه تعكس جانبا من حقيقة هوية الشارع المصري والتصاق حركة الإخوان به. فقد ضحى الإخوان بالدم والروح والعض على الجرح ضد النظام البوليسي المصري، كما أنهم وقفوا إلى جانب فئات واسعة من الشعب المصري (فقراء، شباب، عاطلين، محتاجين إلى خدمات وأموال، وغيرهم) عندما عز المعين واشتدت الشدائد وقست الحياة واستفرد الحزب الوطني الحاكم بالمال والسلطة. الإخوان اليوم يحصدون ما زرعوا البارحة بعرق مجهودهم وتضحياتهم الجسام. ولهم الحق في ذلك. فوجودهم في المقدمة ليس منة من أحد.
9. الحقيقة بنت الحوار و الحوار واجب بين أبناء الشعب الواحد: يا أبناء مصر، تحاوروا. وأعلنوها بالفم الملآن: لا سلام مع الفلول على حساب أهداف الثورة وليصمت المحرضون، أكانوا في الداخل أم في الخارج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق