الخطر الذي يتهدد اللغة العربية من أشكال العبث ليس في إقحام أسماء الأشياء فهذه أمور عاديّة لا تزلزل اللغة وإن كان في كل لسان هناك دائما محاولة لتحوير الأسماء ذاتها لتستجيب لقواعد اللسان العربي ومخارج الألفاظ.. فإن فرضنا عليها قواعد النطق غير العربية باتت عربية أخرى كما هو شأن مفردات عربية كثيرة اقتحمت بعض اللغات وعلى رأسها الفارسية..
فتلك لا تعتبر عربية بعد أن خضعت لموازين النطق الفارسي وباتت لها معاني تداولية مختلفة في الغالب.. ولا يصار هنا للحديث عن غير العربي أو الأعجمي الذي استعمله القرآن، فذلك قبل أن يستعمله القرآن استعمله العرب واعتبروه من الأسماء الدخيلة مثل زرابي واستبرق وسندس وهلم جرا.. ولكن حدث ذلك بعد أن أخضع للوزن العربي وقواعد ومخارج الحروف العربية فغدا عربيّا.. ولا إشكال في ذلك.. إنّما هذا يحصل في سائر اللغات.. غير أنّنا ضدّ الإسفاف، والتمييع، فعملية إقحام مفردة يجب أن يضطلع بها مجلس متخصص ويخضع للتشاركية التي يخولها الدستور نفسه، فإن غابت التشاركية والشفافية في أمر يعتبر في الدول المتقدمة لا يقلّ عن كل قضايا الأمن القومي كاللغة، فأين ستطبّق يا ترى.. إنّ تحسين وتطوير العربية أمر بديهي كسائر اللغات، وأصلا اللغة العربية اليوم متطورة عن تلك المتداولة في القرن الوسيط، ولا يوجد مفهوم أو مصطلح عجزت عنه العربية ولو اقتضى الأمر استدخاله كما هو من لغاته الأم مع حفظ الوزن والتزام مخارج الألفاظ لأنّ ذلك هو آخر حدود وأمن اللغة.. تدريج اللغة العربية قبيح لأنّ المفروض هو تفصيح الدّارجة، وقد حدث تطور في هذا المجال بحيث أصبح استعمال الفصيح داخل الدارجة متزامن مع اتساع التعليم وعنوان تراجع معدلات الأمية المرعبة.. الدارجة هي من وجب أن يرتقي إلى الفصيح وليس العكس.. إنّ النكسة اللغوية إن بدأت فلا حدود لها.. يكفي أنّنا لم يعد يفهمنا العرب حتى حينما ننطق لغة الضّاد فماذا لو تدرج اللسان رسميّا، لأنّنا نتراخى في قضية مخارج الحروف، فما الفائدة إذن.. وإذا لم يتدرب الطفل منذ طراوته على إتقان اللغة ومخارجها فهل سيفعل بعد أن يشتدّ عوده على الخطأ والتدريج؟.. ثمة فرق بين تيسير اللغة لدى المتلقي بالوسائل الديداكتيكية وبين تخريب هيكلها اللّفظي نزولا عن رغبة جاهلين بالعربية ينتقمون منها في مناهج التربية.. وكان أحرى على عبقريينا أن يقحموا ألفاظا دارجية لها صلة بالقيم التي يجب أن يتعلمها الطفل وليس اختزال ذلك في التبَغْرر والتّغرْيُب.. ليس تحسين العربية بفتحها على لهجة الشّارع التي باتت غريبة حتى على دارجة السمو، بل أصبحت ديوانا للتّفاهة.. من يقول أن العربية عاجزة عن مواكبة العلوم فليخبرني الآن أقذفه على نحو الفورية بمعادل لكل مفهوم علمي في سائر القطاعات المعرفية بما فيها العلوم البحتة.. طبيعي حين ينتج العلم بلغة معينة سيكون له الريادة.. ولا مشاحة في ذلك.. ألم تقولوا إن العرب ظاهرة صوتية، فاعلم أنّ العرب لم يكن لهم سوى البلاغة والبيان فطوعوا اللسان وتفننوا في ذلك إلى حدّ لا يخطر على بال اللغات.. هنا يصبح التدريج تهريجا..
نعم من حقّ المغاربة أن يقحموا أسماء منتجاتهم في الاستعمال اللغوي العام وينشروا خصوصيتهم الثقافية كجزء من العربية ما داموا يشكلون مجالا حضاريا وجغرافيا لها، ولا إشكال من إدخال أسماء أمازيغية لمنتجات الثقافة الأمازيغية بعد إخضاعها للقواعد إياها وهو أمر فعلته الأمازيغية حين استدخلت مفردات عربية وأخضعتها لمخارج الحروف الأمازيغية، فهذا أمر لا إشكال فيه بل غِنىً للغتين.. لكن هذه العملية تخضع للتداول الطبيعي ويتعين أن يقوم بها والحالة هذه مخطط تتولّاه جهة مختصّة، فالعربية ككل اللغات ليست مقدّسة أو ممتنعة عن التطوير فهي كائن متطور غير أنه يجب أن يتطوّر بطريقة سويّة غير مشوّهة وفي بيئة مناسبة لا تتربّص باللغة العربية، فهذه اللغة لن تهزم برطانة راطن ولا تدريج مُهرّج...
9/9/2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق