في الرأي العام ومهمة الصرصور وتدبير المخاطر
أولا، على سبيل التمهيد، أعتبر أن وفاة هاجر حادث عادي في هذه المدينة. فيوميا، يموت مسنون وحوامل وأطفال ومرضى من جميع الأعمار في مستشفانا الإقليمي وفي طريقهم إلى المستشفى الجامعي بحي السويسي (الرباط) بسبب كثرة غياب الأطر الطبية والتمريضية وقلة العناية. بالطبع فحادثة وفاة الفتاة أكثر مأساوية ولكنها ليس معزولة عن بنية عمومية مريضة تمتد من القطاع الصحي إلى الخدماتي إلى الرياضي إلى الترفيهي فالإداري. أنظروا إلى مجلسنا البلدي المشلول بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من تحمله مسؤولية إدارة المدينة: لا فضاء أخضر إضافي، لا شارع جديد، لا زقاق مزفت، لا منتزه جديد للناس، لا غابة مهيكلة، لا شركة تنموية عمومية لامتصاص البطالة، لا استقطاب للمستثمرين. تركوا الساكنة في المدينة-الكظيمة (Thermos) شتاء وصيفا، ثم انصَرفوا لخدمة مصالحهم على هامش مصالح الناس والقوانين. مع ذلك، فالأغلبية المدبرة ما تزال متماسكة والمعارضة صامتة!
ثانيا، هنا وهناك، أُسجل أن بعض الناس يسلطون جام غضبهم على السائق، كما أن بعضهم، وبحسن نية طبعا، اعتبر الحادث أسوء من حادث محسن فكري. هذا أمر فيه مبالغة من وجهة نظري. حتى الآن، ليس لدينا تحقيق ولا معطيات كافية بهذا الشأن. فقد يكون الحادث لا ينطوي على أي خطء جسيم من لدن السائق وقد تدخل اعتبارات أخرى في هذا الشأن (ضعف تدابير الحماية من طرف الشركة نفسها لا السائق). فلا يجب أن نساوي بين من قال «قتل مُّو» وبين سائق لم يقتل عمدا ولا كانت له نية بلوغ نتيجة الفعل. في هذا الشأن، يتعين أن نتوقف، كمجتمع مدني، على التعاطي مع الرجل، سواء في الاعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي أو في أي موقع آخر، كمجرم قتَل طفلة بريئة في طريقها إلى المدرسة. هذا حكم ينطوي على قسوة شديدة من لدننا كرأي عام. واجبنا أن نعزل الحادثة عن الأشخاص ونفكر في البُنى العميقة التي تقف خلف الحادث، ما دام أن أغلب الظن يشير إلى أننا أمام حادث عرضي غير مقصود. ثم إن واجبنا ألا نعطي للفاسدين الحقيقيين فرصة ليمسحوا السكينة في ملابس الرجل فينهوا القصة كما لو أن شيئا لم يحدث!
ثالثا: إن المجتمع المدني والرأي العام لا ينتقمان، بل يطلبان العدالة والحقيقة. فعبر مطلب العدالة نؤسس لدولة الانسان وعبر مطلب الحقيقة نؤسس للذاكرة الجماعية وعدم تحريف التاريخ والوقائع. نريد العدالة أولا من خلال معاقبة السائق عقابا مطابقا للقوانين الجاري العمل بها، وثانيا من خلال تعويض سريع لأهل الفتاة وجبر ضررهم ومرافقتهم نفسيا. وثالثا، عبر محاكمة سياسية ومدنية لأصحاب المشروع (المجلس الإقليمي بدرجة أساسية) الذي رمى في وجهنا هذه الصفقة-المصيبة قبل حوالي 8 أشهر قبل الآن مع كل ما حملته من أسئلة حول فسادها. ونريد الحقيقة من خلال نشر تقرير التحقيق في الحادث ليعرف الرأي العام كيف جرى الحادث فِعلا وليعيد ترتيب ذاكرة مستقبله على أساس معطيات صحيحة. بهذا النفس يمكن أن نؤسس لمحطات انتقالية في مجتمعنا المحلي.
رابعا: المعركة معركة محلية ويتعين أن تبقى كذلك. إذ يتعين عدم توريط المتظاهرين البسطاء من لدن أي جهة كانت في الصراعات السياسية سواء ضد الدولة أو ضد حزب أو أحزاب بعينها. إن طاقة المتظاهرين والمتعاطفين في هذه القضية أقل من الدخول في مواجهة مع الأمن أو مع السلطات العامة أو مع المخزن. فالغالب أن أغلب المتظاهرين لا تجربة لهم في النضال ولا يملكون نظرة عامة لما يجري حولهم. بل إنهم لا يعون حتى بأن كثيرين ممن أطلقوا المواقف النارية وقادوا مظاهرات التضامن إما بلطجية سابقين أو مرتزقة حاليين في خدمة المفسدين المعنيين بالحادث أنفسهم...
خامسا: أدت الصراصير هذه المرة دورها باحترافية فائقة – صفِّقوا ! [الصرصور هو الناشط المدني الذي يتكلم باسم الشعب ليسرق الشعب]. tفي السابق، كانوا يـتْبعون المتظاهرين الصادقين من الخلف للتشويش على نضالهم السلمي والعادل. كانوا يأتمرون بأمر أركان الدولة العميقة ويكتفون بردود فعل على تحركات الشارع الحقيقي عبر خلق شارع موازٍ مُزَيَّف. أما الآن، فلعبتهم أكثر دقة واستباقيةً. فمنذ البدء، أخذوا زمام المبادرة وقدموا أنفسه كقيادة مشروعة وذات مصداقية في قضية عادلة، وساقوا الناس حيث أرادوا لأن الذين يقفون وراءهم أرادوا استباق الشارع الحقيقي للاستحواذ على الجمهور المفترض أن يشكل موضوعا للتعبئة. هكذا، تم وكزوا الصرصور على مؤخِّرته، وقالوا له: "عَلّْفناك نْـــتَـا وعائِلْتْكْ وصْحَابْك وجْمعْـيْـتْك ..يا الله بْدَا التْصْرصِيرْ". فبدأ الصرصور يقفز كالمجذوب ليرد "الجميل" لمصدَر نِعمتِه. وهل له أن يقول «لا»؟! «العْبْدْ بالدْبْزَه» يا صاحبي! ولهذا، أحجم كثيرون عن الانضمام للمظاهرات المنظمة بعد أن رأوا أن الذين يقودونها إنما يفعلون ذلك للالتفاف عليها ولخدمة مصالحهم الشخصية من وراء ذلك.
خامسا: كشف هذا الحادث المؤسف عن فراغ مهول في بنية المجتمع السياسي والمجتمع المدني بالخميسات. حيث بدت الساحة خالية من التنظيمات التقليدية والمفترض فيها تمثيل وتأطير الساكنة والدفع بهذه القضية إلى حيث تُشكِّل مفصلا مهما في تاريخنا المحلي – ليس عبر الاصطدام بالدولة بالضرورة أو تقليد ما جرى في الحسيمة أو جرادة أو غيرهما، ولكن عبر خلق قضية جامعة تحصر المفسدين في زاوية ضيقة لتضيق عليهم الخناق أو لتخنق أنفاسهم. فاليوم، نحن لا نعرف حزبا محليا واحدا أو تنظيما مدنيا واحدا لا يعيش أزمة عميقة أو موتا سريريا. هذا الأمر جد خطير على مستقبل المدينة. وهو أمر مبكٍ حقيقة ويقتل الأمل في نفوس شريحة واسعة من الساكنة. إذ كيف لمدينةٍ أن تنهض ثقافيا وحقوقيا وتربويا واجتماعيا وسياسيا في ظل هذه "الخُرْدَة المؤسساتية"؟!
نحن في خطر... ولسنوات قادمات سنكون في وضع أخطر. انتبهوا! الحملة لن تُـبقي ولن تذر. وإذا خسرنا الانسان فينا فإننا خسرنا كل شيء. في الواقع، لقد خسرنا الشيء الكثير!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق