فؤاد بلحسن - المفسدون في الخميسات: مرحبا بالجيل الثالث (الصراصير !)! - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

السبت، 21 أبريل 2018

فؤاد بلحسن - المفسدون في الخميسات: مرحبا بالجيل الثالث (الصراصير !)!



تعريف لا بد منه: الصرصور حيوان فقري. يزحف على بطنه أكان شبعانا أو جائعا. يبدو للوهلة الأولى، من خلال زحفه، كأنه واثق من نفسه، فهو يمشي في خُيلاء. بيد أنك سرعان ما تكتشف أنه كائن تكاد أنفاسه تنقطع بمجرد ما يقترب منه أي شيء، إذ أنه يخاف حتى الضوء (ضوء الحقيقة). يعيش في أوساط مختلفة، كالجافة والرطبة وحتى القذرة. ميزة هذا الكائن الأساسية هو أنه يمكن أن يمشي على رجلين أيضا! لا بل إنه يجيد إلقاء الخطابات ونقد المجتمع والدولة، وكذلك رفع شارة النصر! ومع أنه يعيش على ما هو فاسد، تجِده لا يتردد في هجاء المفسدين، أي زملاءه في الحرفة وإن اختلفت التكتيكات والأحجام والرهانات. ويرتكز  في الانتقال بين هذين النقيضين على رصيده المعنوي في الماضي، كمثقف أو مناضل أو حقوقي أو ما شابه ذلك. الصرصور، إذن، هو إنسان ضعف رصيد إنسانيته فصار حالةَ مسخ.
 
الآن نحن على سكة صحيحة! طيب ! لنبدأ القصة من بداياتها.
كان ما كان !
كان الاستعمار وكان المقاومون...
كان المقاومون وكان عملاء الاستعمار،
كان التحرير وكان تأسيس الدولة المغربية الحديثة،
كان التأسيس، وكان الفساد،
كان الفساد فكثر المفسدون وتنوعوا: التماسيح هم الكبار، والعفاريت هم الكبار الأذكياء غير الــمَرْئِــيـيـــن، والبيادق هم أدوات المفسدين هؤلاء، الذين يشرفون على تنزيل خططهم ويحرصون على شل القوانين وتعطيل المؤسسات وإفساد القضاء وتوجيه الرأي العام والتهام ما بقي من موائد الكبار. وهناك اللصوص الأنيقين، أصحاب الياقات البيضاء، الذين يأكلون المال الحرام بشوكة فِضية، بعضهم موظفين وبعضهم الآخر مقاولين، يعيشون على هامش القانون ومن خلال المنافسة غير الشريفة، سمِّهم إذا شِئت باللصوص بالڭْرَاڤَات. وأما البلطجية (أو ما يمكن أن نسميهم بالضباع) فهم من يقتاتون على فضلات الفضلات؛ يؤدون أدوارهم، فقط وحصرا، في الماء العكر ولا يتصلون إلا بالصغار  (البيادق) لأنهم أقذر من أن ينالوا "شرف" الوقوف بين أيادي التماسيح أو العفاريت، أي الكبار. وهناك أنواع أخرى (كالصراصير مثلا، وهي آخر ما ظـهَر من الأصناف).  وهؤلاء جميعا، هم المفسدون، فاحذرهم!
طيب، ثم ماذا؟ ما علاقة هذا بالخميسات؟
كل ما قيل يصلح كمشهد خلفي لتأثيث نقاشاتنا حول خريطة الفساد في المغرب والخميسات خصوصا.
حين ظهر الفساد في مغرب الاستقلال، ظهر الجيل الأول من المفسدين في الخميسات. ارتبط أغلبهم بدواليب الدولة. حيث كان الانتساب للدولة أو القرب منها يعني التموقع فوق القانون. فجهاز الدولة (التنين بتعبير «توماس هُوبز») كان يلغي حقوق الأفراد والجماعات، وكانت أموال الدولة ووسائلها وقوتها تتماها في شخصيات رجال السلطة والمسؤولين الحكوميين: العمال والباشوات والقياد والوزراء ورؤساء البلدية. وتسجل الذاكرة الحضرية للمدينة الكثير من هؤلاء ممن اغتنوا على حساب مصلحة الساكنة وسخَّروا إمكانيات الدولة لصالحهم.
بعد ذلك، ظهر جيل جديد من المقاولين. ممن ربطوا صلات قوية مع مصالح ومؤسسات الدولة والبلديات. توسع وجود هذا الجيل مع توسع القطاع الخاص وتوسع حصته في الاقتصاد المحلي. ففي مجال الصفقات العمومية مثلا، ربط الكثير من المقاولين خطوط اتصال سوداء مع المسؤولين عن القطاع العمومي؛ حيث جرى عبرها إبرام صفقات ظاهرها التمسك بحرفية النصوص المنظمة، وباطنها استغلال فجوات القانون لتمرير صفقات لـمـُتعهدين معينين على أساس معيار "من يدفع أكثر"، وذلك على حساب جودة المشاريع المقترحة. وهكذا، تم خلق جيل من المقاولين المحظوظين الذين تُولى لهم عناية خاصة، تقاطعت مصالحه غير المشروعة مع المصالح غير المشروع لمسؤولي المؤسسات والمصالح العمومية وكذا مصالح الموظفين الصغار الذين وجدوا في البيروقراطية قوة قابلة للتحويل إلى مكاسب مادية لفائدتهم (أذكر على سبيل المثال، قطاعات التربية والتكوين، الفلاحة، المياه والغابات، التجهيز،...). فكان الجيل الثاني من المفسدين، هو جيل «الياقات البيضاء»، الذين أفسدوا الكثير من قيم السوق الحرة وقيم المرفق العمومي، كالتنافس الشريف وتكافؤ الفرص وشفافية تدبير المال العمومي والمساواة أمام المرفق العام. في هذه المرحلة اغتنى المقاولون المحظوظين وبعض مدراء المصالح الخارجية للوزارات، كما استفاد بعض الموظفين الصغار من الرشى الصغيرة والكبيرة وذلك بطرق يحار  فيها الجن والإنس ومن خلال طقوس أشبه بالألغاز- ليس المقام مقام ذكرها بتفصيل !!!
ثم ماذا عن الجيل الثالث من المفسدين؟!
تبدأ قصة هؤلاء بمرحلة نضج المجتمع المدني المحلي. وأقصد بالجيل الثالث، جيل البلطجية والصراصير. ولما كان «البلطجية» مرتبطون بظرفية سياسية معينة (أي ظهور حركة 20 فبراير والربيع العربي)، سأكتفي بالتفصيل هنا بشأن الصراصير؛ لنهم أكبر من ظاهرة عابرة، بل سيعيشون معنا وبيننا لسنوات طوال.
منذ حوالي 17 سنة، ومع مرور الوقت، برز ونضج وتقوى المجتمع المدني بالمدينة، مستفيدا من دخول البلد مرحلة سياسية جديدة عقب وفاة الحسن الثاني. وهكذا، برزت للساحة جمعيات ثقافية واجتماعية وتعاونية وتربوية وتنموية جديدة. لكن، ولسوء الحظ، تزامن هذا التطور مع دخول متغير محوري في تاريخ المجتمع المدني المغربي عموما، وهو وفرة المال العمومي الــمُرصَد لتغطية الشراكات مع  تنظيمات المجتمع المدني. بل يمكن القول أن وفرة هذا المال زادت من حجم ونشاط المجتمع المدني المحلي بصورة جنونية وغير مسبوقة. وهكذا، ما عاد مجال الأنشطة المدنية مكانا لبذل الجهد والتضحية والانفاق، بل أمسى مصدرا حقيقيا للاغتناء السريع والارتقاء في السُّلم الاجتماعي. ويمكن القول أن مبادرة التنمية البشرية من جهة ومخصصات الشراكة مع المجتمع المدني ودعم التعاونيات والجمعيات التنموية من قبل عمالة الإقليم والمصالح الخارجية للوزارات من جهة أخرى، كان لها الدور الأساسي في "شَقْلبة" المجتمع المدني رأسا على عقب. فمع الوقت، تبدلت الكثير من قيمه ومفاهيمه. في البدء، كانت التضحية والغيرية والعمل التطوعي والرغبة في خدمة المصلحة العامة قيما رئيسةً، ثم ظهرت عقِب ذلك قيم جديدة قِوامها الحصول على تمويلات لمشاريع وهمية والاغتناء غير المشروع والخلط بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة وما إلى ذلك.
ومن هذا المنفذ دخل الصراصير هذا العالم الجديد، الذي يسهل فيه الحصول على المال العمومي بأقل جهد ممكن عبر  الابتزاز والتدليس والحربائية والرشى وتقبيل الأيادي والدَّروشة والكذب والبطولات الوهمية وغيرها.
فهذا "مناضل" نزق يُجيد اللعب بين ضفتين: ترويج صورة البطولة للرأي العام المحلي من جانب وتوسُّل السلطات المحلية والبلدية من جانب آخر.
وهذا فنان يدغدغ الجمهور بسردية الضحية ليكسب دراهم معدودات لفائدته لا لفائدة الجمهور المتعاطف معه بسذاجة.
وهذا معتقل سابق ملَّ لعبة القط والفأر مع السلطات العمومية وأركان الفساد في المدينة، فقرر أن يتقاعد مبكرا، فأراحه أعداءه السابقون بحفنة من المال تكفي ليقفز  من عالم النضال الفقير إلى عــالَـم النِّضال الممسرح المؤثثة خلفيته غير المرئية بالدنانير الذهبية. فأمسى صاحبنا مناضلا أرستقراطيا بعيدا من الساكنة وقريبا من اللصوص.
وتلك مغنية ثارت ثورة أشبَه بالعادة الشهرية. زعقت فــهَـــيَّـــجت الناس ثم انطوت على نفسها وتركت الناس عراة حفاة كما كانوا. متى كان النضال «تبوريدةَ» فارس «المواسِم» يا حبيبتي؟!
وواحد يُنصب نفسه وصيا على المجتمع، فتراه ينتقد كل مظاهر الانحراف بأسلوب متعالم لكنه أعجز من أن ينثر الغبار على رأسه. فتجده يزدري العمل المدني الميداني ويرى نفسه فوق تلك الأشغال "القذرة" ويبتعد عن الناس والقوى السياسية بدعوى الحفاظ على مسافة بينه وبينهم ضمانا – على حد قوله – للموضوعية وابتعادا من الشبهات، بينما لا يتردد في  قبول دعوات المفسدين الحقيقيين والجلوس معهم على موائد "الكافيار" أو الخروج معهم في نزهات الصيد !
وآخر براغماتي حتى النخاع، فبينما يبحث في كل كلمة أو سلوك يصدر عنه عن مصلحته الشخصية بدرجة أساسية، يُفلِح، عبر تشدق بعض العبارات الـمنمَّقة والتلبس بشيء من المشاعر الإنسانوية السطحية، ليخلق الانطباع لدى الساكنة والمقربين منه بأنه مثقف مناضل في خدمة المدينة والناس والوطن وربما العالم !! لكن هيهات!
وأما صديقنا الصحفي، الذي تربع على رأس مقاولة صحفية مكونة من العديد من الأشخاص، همْ: هُوَ، هوَ وهوَ، فمهمته إما أن يكتب تحت الطلب أو بقصد الابتزاز. وقد تكفيه 50 أو 100 درهم ليندفع في موجة من السباب والافتراء والكذب وما إلى ذلك ضد هذا ولفائدة ذاك أو العكس حين تتغير الظروف والمصالح.
وهذا السياسي، الذي أعطى لذاته امتدادات مؤسسية في صورة تنظيمات مدنية، لا يتردد في رفع صوته دفاعا عما يُسميه، زورا، الشفافية في تدبير أموال الدعم الموجهة للجمعيات. فما عاد يقبل حتى باقتسام خيرات المجتمع المدني بينه وبين لصوص آخرين مثله في الساحة، وبات يطمح إلى احتكار الاستفادة لنفسه دون غيره. فبينه وبين المصداقية في القول والفعل فراسخ من الوقاحة العارية و"التْسْنْطيح"!  وسياسي ثان ما عاد يرى المدينة على مقاسه بعد أن رفعه أهلها إلى ما هو عليه. حط أرجله في مواقع أعلى خارجها وكأن شيء لم يكن، وكأن مفهوم التضحية أمسى منحصرا في تضحية الناس لأجله هو ، لا تضحيته هو من أجل الناس!
هذا هو الاعتراف بالجميل في عُرف الصراصير! 
...
نعم، إننا ندخل مرحلة الجيل الثالث من المفسدين، أمسى السباق فيها على أشده بين مناضلي ومثقفي وحقوقيي الأمس القريب والبعيد للظفر  ببعض المال الحرام والارتقاء اجتماعيا على حساب مصالح الساكنة.
مرننا من جيل البيروقراطيين الكبار والساسة الفاسدين إلى جيل المقاولين الفاسدين، والآن ندخل جيل الناشطين المدنيين الفاسدين، وعلى رأسهم النخبة المثقفة التي تبيعك القرد ثم تضحك عليك، كما يقول المثل المغربي
وإن تهافت هؤلاء، الذي يجري بصورة نَزِقة تُذِرُّ الرماد في عيون الناس فتُدَلِّس عليهم وتتركهم في حيرة من أمرهم بين الحق والباطل والحقيقة والزيف، إن تهافت هؤلاء يتبعه تهافتٌ بصورة أكثر  مأساوية من لدن من كانوا يرون فيهم قدوة ورموزا في الدفاع عن المدينة ومصالحها. ولهذا ترى تساقط الأنصار في لهفة، بعد تساقط القيادات والرموز، على كل ما تلتقطه عيونهم من مصالح ومنافع يمكن أن تقدمها لهم السلطات ومسؤولو البلدية ورجال الإدارة وأصحاب النفوذ. فـتَـراهم يمدون أيديهم في دروشةٍ بعد أن كانوا يرفعون أصواتهم كشجعان أشاوس!
وهكذا ...
من كان يدافع عن زمور أمسى فأسا يهدم زمور!
من كان يدافع عن الفقراء أمسى يتباهى ببورجوازيته متنقلا من نعيم إلى نعيم!
من كان نَصيرا لهذا المناضل أو ذاك أمسى منافسا له في التسابق على نيل بركة من كانوا موضع هجوم ونقد من لدنهما معا أول أمس !
من كان يقدم حزبه كحزب إنقاذ أمسى حليفا لكبير الفاسدين في المدينة وأدار ظهره لمصالح ساكنتها!
ما هذا الخلط الذي يجري في سُلَّم قِيمِ هذه المدينة؟!!
يا لوقاحتهم!  ما تركوا لنا شيئا جميلا نعتز به أو نتطلع إليه معهم!
هكذا أمسى النضال النبيل موضع رَيْـب من لدن العامة، في الوقت الذي أمست العامة ضحية هذا الخلط. فالمفسدون الجدد باتوا أداة لتزييف المعارك وخلط الأوراق والتشويش على الأفهام. تكون المعركة معركة ضد سرقة للمال العام، فيُحولونها إلى قضية تصفية حسابات بين شخصين أو أكثر. تكون المعركة معركة من أجل كرامة الناس، فيجعلونها معارك فيسبوكية فارغة وسطحية، تكون المعركة معركة تقريب الحقائق للناس وتنوير الرأي العام، فينحون هم منحى نشر "السِّيلفِيات" وتكريس الذات  وإشباع النرجسيات والبحث عن الزعامة الدونكيشوتية واستجداء  "الـ j’aime!!! طُزْ  فيهم، واحدا واحدا!!! هؤلاء سيكونون حطام التاريخ لـما يدوسهم مكرهُ ويقظة الناس ولو بعْد حينٍ! فالحقيقة أطول من كيدهم ومخاتلاتهم القصيرة!
إن حاجة المدينة إلى مجتمع مدني نظيف ونبيل أمست ملحة واستعجالية وذات أهمية قصوى. فلا يمكن للمدينة أن تستمر على قيد الحياة في غياب هذا النوع من المجتمع المدني إلى جانب الدولة (كمؤسسة في خدمة المصلحة العامة) وباقي المؤسسات المجتمعية. فمهما بلغت أنشطة الدولة وباقي المؤسسات المجتمعية، تظل الحاجة إلى مجتمع مدني حقيقي ضرورة لمصلحة استمرار الدولة والمؤسسات والمجتمع معا في المدى المنظور، وإلا فالخاووس (الكَاوْ ) ينتظرنا جميعا، فقراء وأغنياء، محظوظين ومُعدمين!

---------------

belahcenfouad@gmail.com

هناك تعليق واحد:

  1. شركة مكافحة العته بمكة
    اذا كنت تريد التخلص من حشرة العته و لا تستطيع التخلص منها عن طريق الطرق العادية و التقليدية اتصل بنا لاننا شركة مكافحة العته بمكة التى تمتلك الخبرة فى كيفية التخلص من حشرة العته بشكل نهائى كما اننا شركة رش مبيدات بمكة لا منافس لها فى قدرتها على التخلص من جميع الحشرات و ليس فقط حشرة العته فهى افضل شركة تقدم مكافحة النمل الابيض بمكة و مكافحة صراصير بمكة و مكافحة بق الفراش بمكة
    شركة رش حشرات بمكة
    https://elbshayr.com/3/Pest-control

    ردحذف