من أين أبدأ حديثي عن جمعية أمست،
بقدرة قادر، من مؤسسة حلول إلى مؤسسةٍ جزءٍ من الأزمة!
حقيقة، وقد وصلتُ إلى هذه الخلاصة
من مدة طويلة، كنت على وشك أن أصرف النظر عن إتمام هذا المقال. إذ ما الفائدة في
الضرب على جسد ميت!؟
مرت حتى الآن ثلاث ولايات متعاقبات
وفرع الجمعية يعيش بلا برنامج أو رؤية أو دينامية. والأخطر من هذا وذاك، هو أنه لا
أحد من أعضاء المكاتب المتعاقبة قدَّم استقالته احتجاجا على الوضع أو نادى بأعلى
صوته بضرورة مناقشة الأمر. الجميع تواطأ في السكوت عن الإعلان عن دخول الجمعية
أزمتها المزمنة، كأنهم أرادوا أن يكون موت الجمعية رحيما، على دفعات وبلا ضجيج!
لندخل رأسا في صلب الموضوع: أين
تتجلى أزمة الجمعية؟
·
غياب الرؤية والبرنامج:
مذ
عرفتُ الجمعية، لم يسبق لأي مكتب محلي أن قدَّم رؤيته الاستراتيجية أو برنامجه
السنوي للمنخرطين والعموم. تعاقب عديد من الرؤساء خلال الأربع ولايات الأخيرة، غير
أنه ولا واحد منهم عرض رؤية أو برنامجا خاصا. وجوه متعددة لنمط تدبيري واحد، اسمه «التدبير
بالرتابة والارتجال»! وقد انعكس هذا الأمر على الثقافة الجماعية داخليا؛ فلا أحد
يعرف ما سيكون عليه وضع الجمعية غدا، ولا أين تتجه. ولا أحد لديه توقعات واضحة
بشأن أدائها. كل شيء متروك للمصادفة والمناسباتية. ومع الوقت، تحولت فرع الجمعية
إلى مؤسسة محافظة تُـكرر نفسها باستمرار ولا تُجدد أي شيء. من مقرها إلى خطابها
إلى أشكال نشاطها، كل شيء يعيد نفسه هنا. كأن عروق الزمن تجمدت في مسالكها
التنظيمية. ومع الوقت، تحول الجمود إلى سقوط دراماتيكي أعلن عن نفسه في أزمة تنظيم
الجمع العام الأخيرة.
·
ضعفٌ كبير في الفعالية التنظيمية:
في
هذا الفرع، تُشكَّل لجان كثيرة لتقوم بلا شيء، وبعضها يُشكل لاستيعاب ناشطين
يجيدون الصراخ إرضاء للخواطر. وإذا حدث واجتمعت هذه اللجنة أو تلك فإنها تجتمع
بصورة لا يعلم إلا القليل من أعضائها بموعد اجتماعها. كما أن هذه اللجان لا تُعِد
برنامجها ولا تنشر شيئا عن أنشطتها ولا تعرض تقاريرها ولا تَـجْرِ متابعتها. وقد
تكون -أنت مثلا- عضوا في لجنة من هذه اللجان ولا يتم دعوتك لأيٍّ من اجتماعاتها
على مدى طول ولاية كاملة!
·
الكواليسية:
ما
هي سردية الجمعية ضد ما تسميه "المخزن" على طريقتها؟ لنُـرَدِّد معهم الشعارات: إنه نظام غير ديمقراطي سياسيا، غير
مبال اجتماعيا بالناس، غير شفاف في التدبير، ريعي في توزيع الخيرات، وَوَوَ! طيب،
جميل. لكن، ماذا لو أقول لكم، إن هذه الشعارات تنطبق أيضا على واقع هذا الفرع!!
حينما فاز المناضل الكبير الميلودي
برئاسة الفرع بصورة ديمقراطية، وُضعت أمامه العديد من العراقيل غير الديمقراطية
ليفشل في ولايته. حينما تمس تدخلات الهيئات والسلطات العمومية حقوق ومصالح الناس
لا تبادر الجمعية – إلا نادرا – لتقول موقفها وتستعمل نفوذها وتحرك جهازها
التنظيمي. حينما يتم اختيار ممثلي الفرع في الأنشطة التكوينية والتحسيسية
والتداولية، الدولية أو الوطنية أو الترابية، بتنسيق مع المكتب الوطني للجمعية
بالرباط و المكاتب الترابية الأخرى، يجري ذلك بـ"الخَزْنَةِ" ومن دون
الاستناد على معايير موضوعية. حينما يجري الترشيح لبعض المسؤوليات أو السَّفريات
التمثيلية يكون للأقارب والمقربين وزملاء الحزب أولوية على سواهم. وَوَوَ. في ظل
هذا الوضع، أي مصداقية ستبقى لهذا الفرع
حينما يسمع المتابعين خطاباته الرنانة اتجاه الهيئات والسلطات العمومية
والنظام السياسي عموما. "بوصْيَار تَيْقُول للغربال أَمُو عِـينِيـنْ
كْبَارْ" وخْلاصْ!
·
الاستعلاء:
في
مقابل الآخرين ومؤسسات الدولة (أو هناك تعبير بديل يُـطلق جزافا في أدبيات الجمعية
"مخزني"/"مخزن")، لا يألُ الكثير من مناضلي فرع الجمعية جهدا
في تسفيه وتخطيئ الجميع. يكاد صقور هذا الفرع، ممن يعتبرون أنفسهم «حراس المؤسسة»،
يُـقسِّمون المغرب والمغاربة والغير، إلى قسمين: قسم الخير (نحن) وقسم الشر
(غيرنا)! ولهذا، طالما أخبرني الكثير من المناضلين والناشطين الحقوقيين المحترمين
بأنه كثيرا ما يضيق بهم المكان بهذا الفرع؛ حيث لا يجدون قنوات فعالة للتعبير عن آرائهم
أو تغيير شيء ما نحو الأمام بصورة إيجابية. وهذا صحيح. يمكن معاينته بأدنى جهد.
فأن تكون لك أفكار فعالة أو بديلة أو مقترحات تنظيمية فاعلة ما عليك إلا أن تصبها
في الرمل او في جهنم حتى! لأنه لن يسمعك أحد! فالصوت
الواحد الغالب هو أن: الاستمرار على ما كان عقيدةٌ والتغيير إلى ما هو أفضل مستحيلٌ!
شبكة
تواصل عقيمة: في عصر التواصل المفتوح والمتعدد المصادر، ما زال هذا الفرع يُـؤْثِـر
استعمال وسائل بدائية في الاعلام. غالبا ما يتم تبليغ النشطاء والأعضاء شفاهيا
ونادرا ما يحدث عبر البريد أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الرسائل القصيرة. ويمكن
ملاحظة أن آخر نشاط نُشر تقريا عنه لفائدة العموم منشور على مدونة الفرع
الإلكترونية يعود إلى تاريخ 29 مارس 2016. كما يمكنك أيضا أن تعد مجموع أنشطة الجمعية
على امتداد الأربع سنوات الأخيرة على رؤوس الأصابع. كما
أن المقر يبقى في الغالب مغلقا في وجه العموم، أي في وجه أولئك الذين من المفترض أن
نسميهم داخل الجمعية «ضحايا انتهاكات حقوق الانسان»! هكذا، صار التبليغ هنا يحتاج
إلى واسطة! يا لسوء طالع هذه المدينة، حتى الشكوى أمست
تحتاج إلى واسطة يا صاحبي!
لنعد إلى بداية القصة.
ما تزال علاقة حزب النهج بالجمعية تثير
توترات كثيرة. يختبأ الحزب وراء الجمعية وتستقوي الجمعية بالحزب. ومع الوقت، أمسى
الحزب عبئا ثقيلا على الجمعية. بضع سنوات قضيتها في عضوية الجمعية أو متعاطف معها
أو مشارك في ديناميتها أو متابع لأنشطتها، لم ألحظ خلالها فصلا جميلا بين الجمعية
والحزب سوى في خطاب وسلوك المناضلة الكبيرة خديجة الرياضي. فقط هي، كرمز وتجربة،
كانت تحمل خطابا واضحا إلى حد كبير من الناحية التنظيمية والتنظيرية. أما اللاعبون
الصغار الآخرين، مِمَّن التقيت وخبِرت، فقد حَـمَلوا الكثير من اللبس في الخطاب
والسلوك- محليا على الأقل. كثيرون هناك يكرهونك لمجرد أنك قلت كلمة مختلفة عما
يُفترض بك أن تقوله من وجهة نظرهم السياسية هم! وكثيرا ما كان يَـضيق معنى حرية
التعبير والرأي والاختلاف في أروقة وكواليس هذه الجمعية/هذا الفرع بالنسبة
للمختلفين سياسيا أو المستقلين. وأكاد أجزم أن هناك من القادة الصغار من يتمنى لو
يعيد الجمعية تنظيميا إلى سيرة الستالينية.
ما الحل؟
بدل هذها الشطح التنظيمي الذي
يبديه الآن هذا الفرع والذي بدأت تفوح رائحة عفونته – هذا مع العلم، وهذا مما يبعث
على الأسف، أن هذا الفرع هو ثالث فرع تأسس في تاريخ الجمعية المغربية لحقوق
الانسان بالمغرب – أقول، بدَل هذا الشطح التنظيمي، ليكن الجمع العام الجديد جمع
عام لمناقشة مستفيضة وعميقة وحرة بشأن الأزمة. لا من أجل اختيار مكتب يطيل من أمدها؛
مكتب جديد لإدارة أزمة قديمة. بل من أجل أن يرى الجميع الأزمة في عُريها ويقرأها
في قراءته هو وقراءة الآخرين معه. هذا شرط لننتقل بالفرع من صدمة الحقيقة إلى
مسالك الحلول الممكنة. أي حتى يخرج الفرع من مُـرَكَّبه السوسيو-نفسي إلى رحابة
وحيوية وروح العمل المدني.
أما اجترار الممارسات العتيقة، أما
الاحتفاظ بانتخابات ديمقراطية في الشكل ولاديمقراطية لاحقا في التدبير، أما
استمرار الكواليسية التي تُبعد الكفاءات الحقيقية، أما الشِّعارية الفارغة، أما
النرجسية المريضة، أما كل ذلك، فإنه لن ينفع في شيء. تحرير النقاش حول الأزمة أوَّلا،
ثم صياغة، بصورة تشاركية من لدن الجميع بلا استثناء، رؤيةً وبرنامجا سنويا واضح
الأهداف والإجراءات ثانيا، وضمان متابعة التنفيذ والمحاسبة على الأداء من لدن
اللجان والأعضاء ثالثا، هي التدابير الكفيلة برسم مسالك الأمل لجمعية محلية على
وشك إعلان إفلاسها. وفي الواقع، هذا أرحم لها إذا اختارت الاستمرارية مرة أخرى.
لا تسيئوا أكثر إلى تاريخ هذا
الفرع. لا تسيئوا إلى دوره الحيوي في مدينة ضاجة بانتهاكات حقوق السكان المدنية
والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
يا رفيقات ورفاق النضال، يا أخوات
وإخوة العمل الإنساني النبيل... كفى عبثا!
belahcenfouad@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق