ادريس هاني - حرب الرياض على لبنان. هل هي ممكنة؟ - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الأحد، 12 نوفمبر 2017

ادريس هاني - حرب الرياض على لبنان. هل هي ممكنة؟





ليس في كلّ مرّة تنجح سياسة تصدير الأزمات، أحيانا تكون انتحارا سياسيا. وحتى الآن تعلن الرياض حربا مفتوحة في الداخل والخارج انتقلت من مرحلة اعتماد فائض القيمة في تدبير الملفات الإقليمية إلى مرحلة إدخال تلويحة جديدة بالذهاب إلى أقصى أشكال التحالفات في مواجهة النفوذ الإيراني.

 في منطق الجيوبوليتيكا ليس صراع النفوذ رغبة بل استحقاقا تفرضه طبيعة الجغرافيا والتاريخ السياسي للإقليم. تسعى الرياض لإضعاف إيران وفرض حصار عليها، غير أنّها وجدت نفسها في مواجهة أزمة مزدوجة: داخلية وخارجية. جاءت قضية إعلان سعد الحريري لاستقالته من الرياض كمحاولة لخلق ارتباك في الوضع اللبناني. تشعر الرياض أنها خسرت ما تبقى من نفوذها مع رئيس وزراء وصل إلى الرياض منهكا سياسيا وماليا. وفي سياق الحملة على الحرس القديم في المملكة كان لا بدّ من ضرب حساب موقف الحريري الذي تربطه مع مجموعة الأمراء الذين هم رهن الاعتقال علاقات مميزة، على الأقل كان أحرى بذلك أن يدفع بالحريري إلى مزيد من الاحتماء والتقارب مع ميشيل عون. استقبل اللبنانيون استقالة سعد الحريري بموقف سياسي محكوم بالهدوء وعدم الانفعال. وهذا كافي لإبطال ورقة الحريري حيث حوّلوها إلى مطالبة بفكّ الحصار عنه وهو أمر خطير إذا ترجم في شكل إجراءات قانونية دولية. في السياق نفسه لحملة اعتقال الحرس القديم وفي إطار صراع الأجنحة في الداخل لا ننسى أنّ وجود سعد الحريري المرتبط ماليا بهذا الحرس القديم ضمن تشبيكات تجارية ومالية وامتدادات اجتماعية وسياسية يمكن ان يشكل منفذا لهذا الحرس من خلال لبنان. بالنسبة للرياض فإنّ وجود سعد كعدمه نظرا لتراجع نفوذها في لبنان. تشعر الرياض أن نفوذها تراجع مقابل النفوذ الإيراني في لبنان. بالمفهوم اللبناني: إنّ صراع النفوذ في لبنان لا يشكل خطرا في غياب الدولة المأمولة، بل يحاول اللبنانيون التكيف مع هذا الواقع وتحويل صراع النفوذ إلى شكل من التوازن. لذا فاللبناني حاضر في صراع النفوذ ، لأنّ هذا الصراع لا يمكن ان يتحقق من دون إرادة اللبناني. حاولت الرياض عبر الحريري أن تحتوي لبنان ماليا غير أنّها لم تحقق تلك الرغبة. فالحريري لم يستطع احتواء السُّنة أنفسهم بينما خصومه يتألفون من كل الطوائف اللبنانية المتضررة من سياسة الحريري. جاء الحريري ليكون هو عنوان النفوذ السعودي في لبنان ما بعد اتفاقية الطائف. كان لبنان في حاجة إلى سيولة مالية. وإلى واجهة تمنح الثقة للمستثمر. غير أنّ الحريرية لم تقف عند حدود التدبير المالي لما بعد الحرب بل تعدت إلى القضايا الإستراتيجية للبنان، وهنا حصل الاختلاف. في عهد الحريري-الأب لم تكت الرياض في حاجة لتدخّل مباشر، لكنها مع الإبـن كانت تمارس تدخلا مباشرا ممّا جعل الإبن عبئا على الرياض أكثر مما هو وكيلٌ ناجح في إنجاز مهمّته. لقد أدرك تيار 14 أذار أن الحريري وتحت ضغط الإفلاس المالي والتحولات التي تعرفها المملكة في الداخل بات أضعف من السابق ، وقد انعكس هذا الضعف على التّيار كله. جعجع يستعجل باختيار رئيس حكومة جديد، وهو مؤشّر على أنّ سعد الحريري كان في وضعية تدفعه تدريجيا للتعاون مع تيار 8 أذار وحكومة الجنرال عون. لقد تم فتح سفارة لبنان في دمشق. والتقى مع كبير مستشاري قائد الثورة الإيرانية. ذهب سعد إلى الرياض وهو في حالة طبيعية ليفاجئ الرأي العام بقراءة بيان استقالة مكتوب بمزاج عاصفة الحزم.
هناك خمسة عوامل أدت إلى تراجع فائض القيمة الذي شكّل أساسا للإنفاق على السياسات الإقليمية والدولية:
 -
الهدر المالي والنهب بسبب الفساد وهو ما يشكل عنوانا للحملة الأخيرة التي استهدفت أمراء يملكون ثروات خيالية؛
 -
الهدر على مشاريع جيوبوليتيكية من دون مردودية استراتيجية؛
 -
الانفاق الخيالي بسبب الحرب على اليمن؛
 -
تراجع سعر البرميل في أسواق النفط بالتوازي مع بروز حالة البطالة في الداخل والضغط الاجتماعي؛
 -
المبالغ التي أخذها ترامب تحت سياسات الضغط مما زاد في التأزيم المالي للرياض.
في إطار محاولة ترشيد النفقات، سيكون أقرب طريق لضرب عصفورين بحجر هو وضع اليد على الكتل المالية للحرس القديم تعويضا عن الهبة التي سُلمت لترامب وما تم إنفاقه على الحرب.
لا تستطيع الرياض شنّ حرب على لبنان على طريقة ما جرى في اليمن لأسباب كثيرة. واحدة منها أنّ لبنان ليس على حدودها.  من سيقبل من حلفائها أن يخوض حربا على لبنان كما هو الأمر في اليمن؟ وهل استطاعت إسرائيل أن تحقق هدفها من العدوان على لبنان لكي تنجح الرياض؟ هل مشكلة إسرائيل في تمويل الحرب ضد لبنان أم في الحاجة إلى مساعدة عسكرية؟ ليست إسرائيل في حاجة إلى أي مساعدة لأنها لن تغير الواقع الميداني للحرب التي تحددها الجغرافيا الثابتة والتطور المتزايد للمقاومة. كل ما هنالك إرباك الموقف والتشويش على مسار التوافقات اللبنانية، وهذا في حدّ ذاته تحصيل حاصل في لبنان الذي اكتسب مناعة من كل أشكال التعطيل، لأن لبنان يحلّ مشكلاته بالتوازن الإقليمي الذي هو معادلة لها أطراف إقليمية ودولية كبيرة، أي أنّ الأمر ليس مسؤولية لبنانية محض. ما عدا الحدود مع فلسطين لا يوجد منفذ لحرب مباشرة على لبنان فضلا عن أنها مستحيلة: فلبنان المجرد من كلّ غطاء سياسي لحكومة قوية ومن كلّ إمكانيات يستطيع ومن خلال تحالفاته أن يهزم أي عدوان من هذا القبيل. الاضطراب في تدبير الملفات السياسية الإقليمية واضح في جملة المبادرات. غلق المنافذ حول اليمن سيجلب مواقف دولية خطيرة على الرياض وحلفائها لأنه مخالف للقانون الدولي. هذا في حين أن الحرب مع اليمن لن تنتهي من دون آثار سياسية واجتماعية ومالية في الداخل. هل تستطيع يا ترى أن تحلّ الرياض كل مشاكلها الداخلية والخارجية دفعة واحدة؟ هذا أمر في غاية التعقيد. ليس أمام الرياض سوى منفذ التفاوض وتغيير السياسات قبل فوات الأوان.

11/11/2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق