"حامِيـها، حَرامـيـها"
مثل شعبي
بين التلقائية والوقاحة مسافةٌ تقدَّر بالمسافة التي تفصل الخرجة
المفاجئة للفنانة عتابو عن رد رئيس المجلس البلدي، بلفيل، عليها. بكلمات بسيطة، عفوية،
ارتجالية وقصيرة، أطلقت عتابو "مانيفيستو" (بيان) سياسيا كان له أثر
الزلزال على رتابة المدينة. وبكلمات فيها الكثير من التلبيس والتحريف والتكَـلُّف
والخطابة السياسية الرخيصة رد رئيس المجلس البلدي المذكور. ولم يمض وقت طويل حتى
تكشَّف أن الرجل يدخل معركة خاسرة منذ البدء، وأن صرخته ما هي إلا صرخة في واد لا
صدى شعبيا لها. كيف له أن يدافع عن نفسه وهو المتابع في قضايا المال العام في إطار
مسطرة التأديب أمام المجلس الجهوي للحسابات، كما أن القاصي والداني بات على اطلاع
بالطريقة العجيبة التي عبَـرَ بها إلى رئاسة المجلس البلدي بالرغم من أن لائحته لم
تتصدر قائمة الفائزين، كما أنه يفتقر إلى أي حصيلة تدبيرية إيجابية يستطيع الدفاع
عنها بعد سنتين من ترأسه لهذا المجلس.
كيف له أن يرفض تصريحات عتابو ولسان حالنا نحن، كساكنة متضررة
من نمط قيادة شؤون المدينة، ينطق بأكثر وأمَرّ مما جاء في كلمتها. فنحن، الأشد
فقرا وحرمانا وضِيقا وتضييقا من عتابو، نشتاط غيظا بآلاف الأضعاف المضاعفة على هذا
المجلس البلدي الذي يضم، والاستثناء قليل، الكثير من اللصوص والانتهازيين
والوصوليين والوقحين والفاشلين والمرتشين، وعلى رئيسه الذي جَـمَّد في عروقنا دم
الأمل بمدينة أفضل.
فها نحن نمضي سنتين مَريرَتين جديدتين من الانتظار بلا طائل
خلال الولاية الثانية لبلفيل عَقِب أزيد من عقدين طويلين من الانتظار الحزين والتقهقر
الكبير في الخدمات والفرص والبنيات التحتية على امتداد الولايات السابقة لكل من
الجامعي وبلفيل نفسه والبويرماني. إلى درجة بـلَـغ احتقارنا، كساكنة وجماعة وهوية،
من لدن المسؤولين، بما فيهم بعض العُمال وعلى رأسهم العامل الأسبق حسن فاتح، مَدَيات
ما عاد الصبر معها ينفع أمام واقع عنيد لا يرتفع وماض بئيس لا يمضي. والأرقام[1]
تتحدث عن نفسها:
§
نسبة الساكنة النشيطة في الفئة العمرية من 15 إلى 59
سنة: 64.13% فقط؛
§
المعدل الصافي للنشاط: 42.92% فقط؛
§
معدل النشاط عند الذكور: 64.78% وعند الإناث: 23.59% فقط؛
§
الأمية: 26.76% !!؛
§
نسبة الأسر التي لا تتوفر على حمام في البيت: 36.27%!!
§
الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة: 5.66%!!
وفي ظل كل مؤشرات الأزمة هذه، لم يبق إلا القليل من بين
لصوص وسماسرة المال العام ممن لم يَقْتَـن له بيتا أو شقة خارج الخميسات، في مدُن مجاورة
تَفتح المساكن فيها نوافذها على البحر والخُـضرة وفرص عيش أفضل لهم ولأبنائهم.
بينما يريدون لنا أن نبقى هاهنا، لا نجد حتى قارعة طريق نمشي عليها كراجلين مُـحتـرَمين.
بل ويريدون منا أن نتحول إلى مواطنين نأكل ونشرب كالأنعام دون أن نستشعر كرامتنا
كمواطنين ذوي حقوق، فما بالك بأن نرفع صوتنا... ولهذا أزعجهم صوت عتابو.
في هذه المدينة البئيسة ما عدنا نُـميز بين الهيئات المفترض
فيها تمثيل المواطنين ولوبيات المصالح الفئوية: «مصباح» لم يستح من لحيته فـمـدَّ
يده لرئيس متابَـعٍ قضائيا في ملفات مشبوهة متعلقة بالمال العام، «جرار» بمحرك
مخزني صدِئ لا يمثل إلا من يريدون فَـرمَلةَ مسيرة المجتمع نحو دولة المؤسسات وسيادة
القانون، «حمامة» تحولت إلى مجموعة صقور يجمعها البحث عن المصالح الشخصية، و«وردة»
لم ننل منها سوى الشوك جعلت من أصوات الناس جسر عبور للاغتناء غير المشروع، و"جمعيات"
يتعارك أعضاؤها كالديَكـة المجنونة لسرقة أموال مخصصة لتحسين شروط عيش الفئات
الفقيرة والهشة.
أمسَت، في هذا الليل الطويل، من أمنياتي أن أجد فردا واحدا
يسعَد بـمُقامه في هذه المدينة. يأسٌ وقُـنوط وعنف وأمراض نفسية ورغبة عارمة في الهجرة.
كأننا أمام قصة عميقةٍ كالأسطورة ودراميةٍ كالموت!
الكثير من المدن من حولنا تتحرك إلا نحن! وتكاد حَـركِـيَّـتنا
تنحصر في الانتقال من خبر سيء إلى آخر لا يقل عنه سوءا. حتى أحلامنا عـبَـرَت
الحدود: من يريد أن يحلم، فليقز بحلمه إلى ما وراء جغرافية المدينة أو أبعد قليلا،
إلى ما وراء البحر المتوسط. حتى مدينة تيفلت صارت جزءا من أحلامنا – بلا حسد أو
استهزاء، طبعا. يا لسخرية القَدر!
أزيد من عشرين سنة ونحن نضرب برؤوسنا الجدران على حظنا
العاثر. يبيعوننا أملا صغيرا فنجني خيبة كبيرة. من انتخابات إلى انتخابات، من وَعْد
إلى وعد، من مشروع إلى مشروع، من ميزانية إلى ميزانية، وهُمْ يربحون، بينما نحسر
نحن دائما. يصعدون ونغرق، يفتحون لأنفسهم أبوابا على الأمل ويُغلق أمامنا باب
جديد. حتى الأمن في الأزقة والطمأنينة داخل جدران بيوتنا ما عدنا ننعم بهما. أما
الأسوء فقد بات دائم الحضور: نسب كبيرة من العنف الجسدي (أخبار الجرائم والاعتداءات
الجسدية صارت لنا عادة)، والانتحار (صار خبرا روتينيا) والهجرة والبشاعة والبؤس
المنتشر.
في 21 و 22 و23 فبراير من سنة 2011، وُضِعتْ المدينة على كف
عفريت، وكادت الأمور تخرج عن السيطرة. في ذلك اليوم، كان من الممكن أن تدخل
المدينة موجَةَ تخريب وتمرد واسعَـيـْن وخطيرين على الدولة والساكنة المحلية على
السواء. وبعد سنين من ذلك، حذرنا في أكثر من مناسبة المسؤولين، بالقول أنه لا يجب
استسهال صمت الساكنة أو الاطمئنان إلى صبرها. ومع ذلك، لم يسمعنا أحد ولم يتحرك
أحد. وها هي الحسيمة، الأكثر تنمية وثراء وحرية وحظوة تُفجِّر في وجه الدولة قنبلة
اجتماعية وسياسية غير مسبوقة، أضرت باستقرار الدولة وهيبتها. ومن هنا السؤال
مجددا: من أين للمسؤولين بالخميسات بهذه الثقة الزائدة بالنفس، في ظل مدينة يعيش
سكانها على الترقيع المستمر واليأس الخانق والغضب المكنوز والعنف الدفين؟
أكاد أجزِم أن وزارة الداخلية تُخطِأ حساباتها في هذه
المدينة، وأن الذين يرفعون التقارير سواء من داخل الباشوية أو العمالة أو الشرطة أو
باقي أجهزة أمن الدولة لا يعرفون حقيقة ما يعتمل في صدور الناس والشباب بخاصة.
وها نحن، للمرة المائة، نشير إلى المسارات الخطيرة التي قد تأخذها
المدينة على المدى القريب أو المتوسط في أبعد تقدير ما لم يجر التنفيس عن هذا
الاحتقان الاجتماعي العميق من خلال تدابير إنمائية عاجلة. لأن الاستمرار ستكون كلفته
كبيرة.. كبيرة جدا!
في آخر هذا المقال، أدعو إلى أن يُستأنف مجهود عتابو ومن
سبقها من الشخصيات الداعية إلى الاصلاح ومحاربة الفساد بكل حزم وعزم. وأقترح
الخطوات التالية:
1. استقالة كل مستشار جماعي غير راض عن أداء هذا
المجلس الفاشل والذي لن يزيدنا إلا تورطا في الفقر واليأس والبشاعة والفساد. مع
تحميل كل واحد منهم مسؤولية بقائه هناك تاريخيا وسياسيا. لأن الاستمرار داخل
أغلبية تفتقر إلى الرؤية الوحدوية والعمل المشترك في خدمة المصلحة العامة يعتبر
مشاركة في هذه الجريمة السياسية.
2. تركيز الضغط، بكل أشكاله، على المجلس البلدي.
فلا يُـعقل أن نترك مصدر مشاكلنا الرئيسي في راحة من نقدنا وهواجسنا ومعاركنا
المدنية.
3. توجيه الإعلام للساكنة ومؤسسات المجتمع المدني
إلى ثقافة العمل. من خلال التخلي عن الانتظارية السلبية. فمن خلال المبادرات
المدنية، قد تُراكم الساكنة قِيماً جماعية وإيجابية جديدة من شأنها تغذية الساكنة،
في المستقبل القريب، بدينامية اجتماعية متحررة من ثقافة الاتكال واللامسؤولية
الجماعية.
4. فضح شخصيات المجتمع المدني المرتشية والفاسدة
لدى الرأي العام، بما فيهم أولئك المناضلين المقَـنَّعين والذين هم في الحقيقة
مجرد لصوص وانتهازيين ووصوليين من الدرجة الأولى.
5. ترجمة عدم الثقة في المؤسسات المحلية القائمة،
خاصة المجلس البلدي والمجلس الإقليمي والعمالة، إلى إجراءات عملية من خلال كل أشكال
التعبير والرأي المشروعة، باعتبارها مؤسسات إما فاسدة أو تتستر على الفساد أو لا
تقوم بما هو مطلوب منها لخدمة الصالح العام.
6. تكـتل مثقفي المدينة وعملهم على صياغة بيان
تفصيلي حول أوضاع المدينة الخطيرة، ثم توزيعه على كل وسائل الاعلام الوطنية
والمحلية وكذا القطاعات الوزارية ومؤسسات الرقابة والحكامة ومحاربة الفساد الرسمية
وغير الرسمية.
في الأخير، نؤكد أن الذي يهدد الأمن العام للمدينة ليست لا
عتابو ولا أولئك الذين يرفعون أصواتهم مطالبين بأبسط الحقوق الانسانية، وإنما هم
أولئك الذي جعلوا من سرقة المال العام واستغلال النفوذ والضحك على الناس البسطاء
طريقهم للاغتناء والارتقاء الاجتماعي، وعلى رأسهم المسؤولون الذي تعاقبوا على
تدبير شؤون المدينة والإقليم على امتداد أزيد من عشرين سنة سواء على صعيد مجلس البلدية
أو مجلس الإقليم أو العمالة.
كلام في الصميم
ردحذف