لازالت وضعية مدينة الخميسات تثير الكثير من التساؤل،
حول سبب استدامة مختلف مظاهر الهشاشة الاجتماعية لعقود طويلة، حيث تعاقبت عليها سياسات
عمومية معطوبة، بخلاف مدن مغربية أخرى تتقاسم معها نفس المعطيات، لكن عرفت طفرات
تنموية انعكست ايجاباً على الإنسان والعمران.
يستعصي على المتتبع فك شفرات استمرار حالة الركود على
مستوى غياب مشاريع تنموية بالمدينة، والتي من شأنها استعادة الثقة في المؤسسات
المنتخبة خاصة، وفي برامج الدولة عامةً، الأمر الذي يضعف من دور الأحزاب في لعب
دور الوساطة الاجتماعية، ويعمق من حالة العزوف الانتخابي، مما يوهم بوجود حالة من
الاستقرار، نظراً لإمكانية انفجار الأوضاع في أي لحظة، مما قد يفتح أمام الساكنة والشباب
على الخصوص، خيار البحث عن مسارات
قد تكون عنفية، مثل التعاطي للمخدرات، الجريمة المنظمة، معانقة أطراف متطرفة ...
تعاني مدينة الخميسات مشاكل عديدة، لعل أبرزها غياب
مشاريع تنموية، من شأنها إدماج الشباب العاطل في الدورة الاقتصادية المحلية، وكذا ضعف
البنيات التحتية لمجموعة من الأحياء، ضعف الخدمات العمومية، مشكل النظافة، إنارة عمومية
ضعيفة، غياب المناطق الخضراء . فوضى عارمة على مستوى احتلال الملك العمومي، اقتصاد
غير مهيكل ...، مشاكل متنوعة جعلت من عاصمة الإقليم أقرب ما تكون إلى قرية نموذجية
كبيرة منها إلى مدينة.
وضع مأساوي تعيشه المدينة، قوبل لحد الساعة من طرف مختلف
الجهات المعنية بسؤال التنمية وفي مقدمتهم السلطتين الإقليمية والمحلية، بمقاربة تغلب منطق المحافظة على الاستقرار الاجتماعي
الهش، وذلك بالتغاضي عن مختلف أشكال الفوضى الخلاقة التي تلقي بوضعها البئيس على الوضع
العام للمدينة.
وضعية تفسر انتشار اقتصاد غير مهيكل بالمدينة ، أريد له
أن يبقى خارج الرقابة[1]، كملجأ بديل عن غياب مشاريع
تنموية حقيقية، كفيلة باستيعاب وامتصاص نسبة العطالة المرتفعة في صفوف أبناء وبنات
المدينة. إنها حالة ارتشاء اجتماعية التي تقايض منطق السكوت عن مطلب التنمية،
بالسماح للفوضى الخلاقة بالنهش في الحياة العامة للمدينة.
لازالت ساكنة مدينة الخميسات تنتظر المجلس الجماعي، بعد
مرور سنتين عجاف، أن يباشر ملف التنمية المحلية من خلال مشاريع على أرض الواقع،
فبدل التفاعل الإيجابي مع متطلبات وهموم الساكنة التي توجد على أرض الميدان قصد تقديم
حلول مستعجلة، يتم الركون إلى مراكمة اجتماعات ماراطونية للمكتب المسير، معزولة عن
منطق الاشتغال على تقديم حلول وأجوبة في الميدان الذي يشكل مجالاً للأزمة، وهو ما
يؤشر على أن سقف توقعات المنجز في نهاية الولاية، سوف يكون دون مستوى انتظارات
الساكنة، في ظل غياب رؤية تنموية ناظمة للمجلس الجماعي من شأنها الإقلاع بأوضاع
المدينة نحو الأفضل .
يمكن أن نسجل تواضع حصيلة المجلس خلال هاتين السنتين
الأخيرتين والتي يمكن عدها في النقط التالية: المصادقة على برنامج عمل الجماعة،
والذي سوف يعد لوحة قيادة لعملية اقلاع تنموي في حالة اعتماده من طرف المكتب
المسير، قريبا سيتم الإفراج عن مشروع جد مهم هو رقمنة الحالة المدنية، كخطوة من
شأنها تيسير عملية ولوج المواطن إلى الخدمة العمومية، وكذا إنشاء موقع الكتروني
تجريبي للمجلس الجماعي[2]، إنشاء الشباك الوحيد، دعم
خزانة المجلس الجماعي بالكتب بمبلغ يقدر ب 3 مليون سنتيم سنوياً، انتظام انعقاد لقاءات
المكتب المسير، بداية الاعتناء ببعض الحدائق من خلال عملية السقي، توصل المجلس الجماعي بحاويات النظافة بعد مدة
انتظار طويلة غير مفهومة ولا مبررة، كان لها الأثر السلبي على واقع النظافة بالمدينة.
في مقابل هذه
الحصيلة المتواضعة جداً، والتي لن تحجبنا
على تقديم مجموعة من المؤشرات المقلقة على غياب رؤية ناظمة للمجلس الجماعي في النهوض بالوضع التنموي للمدينة، نذكر على
سبيل المثال لا الحصر :
1. غياب رؤية استشرافية
من شأنها تأهيل الموارد البشرية للمجلس الجماعي، حيث تم اختزال اصلاح الإدارة في
الحرص على الصرامة في الانضباط لتوقيت الدخول والخروج رغم أهمية هذه الخطوة، وثانياً
ملف تدبير انتقالات الموظفين، حيث تم التعاطي معه بمنطق مزاجي، حضرت في كثير من حالاته
تصفية الحسابات السياسوية الضيقة، و تغليب
منطق الولاءات بدل منطق الكفاءات، ووضع الشخص المناسب في المكان الغير المناسب،
وهو ما يؤشر على غياب رؤية عامة لإصلاح الإدارة.
2. استمرار تجاهل ترهل
البنية التحية خصوصاً في مجال الطرقات لدى أغلب أحياء المدينة، مع محاولة البعض الدفع في اتجاه حصر صرف
اعتمادات ميزانية مشروع تأهيل المدينة[3] لإصلاح الشوارع الكبرى فقط
شارعي ( ابن سينا[4]
ومحمد الخامس[5]
)، وساحتي الحسن الأول و المسيرة. تدبير يتناقض
مع ضرورة اعتماد مبدأ العدالة المجالية الذي يفرض ترتيب الأولويات وفق حاجيات
الساكنة، ولعل وضعية طرق الاحياء[6] خير مثال على ذلك، أمر يقتضي ترتيبها في سلم الخصاص الذي يستدعي
التعجيل بإصلاحها.
3. يقدم وضع المحطة
الطرقية صورة مصغرة عن الوضعية المزرية التي تعيشها المدينة، فهي مرآة للتنمية
بالمدينة، حيث ضعف الخدمات المقدمة للمسافرين، غياب كراسي لجلوس المسافرين، أماكن
لبيع تذاكر لا تليق بكرامة موظفي المحطة ولا بالمسافرين، غياب جمالية وتميز معماري للمحطة، بل الأدهى انتشار الأعشاب
العشوائية وسط المحطة، منظر يثير الشفقة على حال المحطة التي فقدت الكثير من
جاذبيتها، وهو ما يفسر انقطاع كثير من
الحافلات الوطنية عن ولوجها.
4. شكلت واقعة رمي مخلفات
البناء وسط غابة المقاومة، عن صدمة كبيرة لدى الساكنة، مما يدل عن غياب الحس
البيئي لدى الجهة المنتخبة التي اتخذت القرار، حيث تعيش الغابة وضعية مزرية والتي
هي ملاذ كثير من ساكنة المدينة لممارسة الرياضة، وضع يفرض الاسراع بوضع حراسة ليلية،
والضرب بقوة القانون على يدي العابثين بحرمة هذه الثروة الطبيعية كما تحتاج الغابة
إلى مبادرة تشجير، ووضع سياج يصونها من استنزاف مؤهلاتها .
5.
استمرار غياب رؤية لدعم الجمعيات عموما والرياضية منها خصوصاً، فبذل
اعتماد منطق ربط قرار الدعم بتحقيق انجازات حقيقية، وجعل المجال الرياضي جزء من
المنتوج المحلي الذي يحتاج إلى رعاية واحتضان وتسويق، حيث نسجل حرص على استمرار سيادة
منطق الترضيات في مجال الدعم بخلفية انتخابوية ريعية، حتى ولو أدى الأمر إلى إنهاك
ميزانية المجلس الجماعي[7] .
6. ادخال عتاد شركة
التدبير المفوض إلى المسبح الجماعي، دليل على فقر في ابداع حلول معقولة، بدل المسارعة إلى فتح أبوابه أمام ساكنة المدينة
التي تعاني من شدة حرارة فصل الصيف، وهو ما يجعل البعض يشك أن المقصود من استمرار
حالة الإغلاق، هو اتاحة الفرصة لبعض النوادي والمقاهي التي تتواجد بها مسابح خاصة
من أجل تحقيق أرباح كبيرة وضع تؤدي فاتورته الأسر الزمورية من ميزانيتها الشهرية
تحت ضغط طلبات أبنائها.
7. استمرار حالة الغموض
في اقصاء مدينة الخميسات من الاستفادة من ملاعب القرب، على غرار باقي المدن
المغربية، والتي يتم انجازها بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما لا
زال سؤال عدم حصول المجلس الجماعي على شاحنة الكنس الميكانيكي رغم المصادقة على
هذه النقطة خلال أحد دورات المجلس الجماعي
السنة الماضية.
8. شهدت وضعية النظافة
بالمدينة حالة تدهور كبيرة، رغم الميزانية المرصودة لشركة التدبير المفوض SOS لها
من المجلس الجماعي[8]،
حيث لم تفلح الشركة في توفير حاويات كافية مما تسبب في بروز نقط سوداء عديدة، وضع
يزداد قتامةً مع استمرار سلوكات بعض أصحاب العربات نقل المواطنين، حيث يتعمدون رمي
روث البهائم بالتقسيط في شوارع المدينة، مخلفةً روائح كريهة، مما ينم عن تصرفات لا
مواطنة تحتاج إلى تدخل مشترك بين المجلس الجماعي والسلطة المحلية لفرض احترام
القانون وعدم العبث بنظافة وجمالية المدينة.
9. لا زال مشكل الرفع من
مداخيل المجلس الجماعي، يشكل أحد أكبر العوائق أمام المجالس الجماعية المتعاقبة، في
تحسين ميزانيها ، حيث لم تبذل مجهودات في هذا السياق، يزداد الوضع قتامةً مع
الديون التي تراكمت على المجلس الجماعي من جراء أحكام قضائية بلغت تكلفتها لحد
الساعة مليار و400 مليون، بسبب أخطاء إدارية في عدم احترام مسطرة نزع الملكية، في
مقابل ذلك لم يتم اقتراح اجراءات عملية من أجل تحصيل مستحقات المجلس الجماعي[9] على ساكنة المدينة.
لعل الوضعية الحالية تحتاج إلى مبادرات مستعجلة :
1. اتخاذ مبادرة من طرف فعاليات
المدينة، قصد تشكيل لجنة موسعة تضم
تمثيلية عن الجهات الرسمية وفعاليات حزبية وممثلي المجتمع المدني، وشخصيات
مستقلة، من أجل طلب زيارة ملكية للمدينة، والتي من شأنها تحريك عجلة التنمية
المغيبة، على غرار مجموعة من المدن المغربية
التي حظيت بزيارته الكريمة، والتي كان لها وقع كبير على مسار التنمية بتلك المدن.
2. لا بد أن تتحمل
الأحزاب السياسية مسؤوليتها التاريخية، من خلال دورها على فرز نخب محلية كفأة، قادرة
على ممارسة العمل السياسي بمنطق الوفاء للساكنة، وتختار التموقع السليم في المجالس
الجماعي ليس بالضرورة الاصطفاف الى فريقي المعارضة أو الاغلبية المسيرة، بل الواجب
هو الانحياز لهموم الساكنة والتعبير عنها بنفس نضالي صادق.
3. دعوة المجتمع المدني
الحقيقي إلى الانخراط المسؤول والفعال في المساهمة والتخفيف من حدة الأزمة التي
تعيشها المدينة، وذلك من خلال مبادرات ميدانية قادرة على إحداث نوع من التعبئة الجماعية
للساكنة بنفس مواطناتي، تغلب المصلحة العامة، مما سيمكن عمل المجتمع المدني من الارتقاء
من النفس الاحتجاجي إلى منطق المبادرة والاقتراح والمساهمة الفاعلة والناجعة.
4. دعوة شخصيات من أبناء
وبنات المدينة[10]،
من داخل الوطن وخارجه، للمساهمة في استقطاب مشاريع ومبادرات، لعلها تفك الحصار
المضروب على مدينة الخميسات، كي تنال حضها في إنجاز تنمية مستديمة.
لذلك يمكن القول أن الأزمة التي تعيشها المدينة، تعود
إلى غلبة الهاجس السياسوي الذي يعلي من المصالح
الخاصة، وكذا حضور الحسابات الصغيرة، التي تنتصر لكل شيء إلا مصلحة المدينة، وهو
ما يستدعي من الجميع التحلي بروح المسؤولية وتغليب منطق التعاون، وجعل خدمة الوطن
فوق كل الاعتبارات الضيقة.
تهدف هذه المقالة المتواضعة إلى تمكين المواطن الزموري
من بعض معطيات التدبير المحلي، والتي من شأنها خلق نقاش عمومي،
قادر على بناء وعي جماعي مستوعب لطبيعة الأزمة التي تعيشها المدينة، ومن تم
الانخراط في ورش الاصلاح كل من موقعه، مع الإشارة أن انتمائي لفريق الأغلبية
المسيرة للمجلس الجماعي للخميسات، لن يحول دون التفكير بصوت مرتفع، متقيداً
بمنهج دعم كل المبادرات المحمودة، وانتقاد
الخطوات الشاردة عن منطق التنمية المنشودة .
[1] لعل انتشار مخازن خارج
سوق الجملة يفوت على المجلس الجماعي
مداخيل مستحقة، أمر لم يعالج بالحزم المطلوب .
[2] بعد سنتين
لم يستطيع المجلس إنشاء موقع الكتروني كباقي المجالس الجماعية الأخرى ، حتى تسهل
عملية التواصل مع الساكنة.
[6] تعيش أغلب أحياء المدينة على مستوى الطرق وضعية جد
كارثية مثل ( حي الرتاحة ، حي المنظر الجميل ، حي الفلاحة ، حي العمالة ، حي
تادرت.....
[7] هناك من طالب خلال دورة ماي 2017 الرفع من دعم الاتحاد الزموري للخميسات
لكرة القدم من 150 إلى 250 مليون سنتيم، بدون تحديد معايير للدعم .
[8] تحصل شركة التدبير المفوض sos من المجلس الجماعي على مبلغ
قدره مليار و200 سنويا ،مقابل خدمات لا
ترقى الى مستوى ربح رهان مدينة نظيفة .
[9] وصلت مستحقات الواجب أداؤها من ساكنة المدينة لفائدة
المجلس الجماعي مبلغ قدره أزيد من 6 مليار سنتيم . وهو ما يسمى الواجب استخلاصه .
[10] مدينة
الخميسات تزخر بكفاءات عالية في مجموعة من المجالات : مجال الطب البروفيسور علال
بوتجنكوت بولايات المتحدة الأمريكية، في مجال الرياضة حسين عموتة، نزهة واعزيز، ابراهيم بوطيب، محمد الكرتيلي، في
مجال الفن نجاة عتابو، في مجال البحث الأكاديمي عبد الكريم برشيد ، رحمة بورقية،
مصطفى أوعشي... وغيرها من الكفاءات والتي تحتاج إلى توفير شروط المساهمة ولن تبخل
على المدينة بالعطاء والبذل والتضحية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق