قضيتان أساسيتان تمثل، من وجهة نظر
كاتب السطور، أهم قضايا مدينة الخميسات خلال عام مضى؛ ابتداء من تاريخ تنظيم
الانتخابات الجماعية الأخيرة في 7 شتنبر 2015 إلى اليوم؛ وهما: حصيلة أداء مجلس
البلدية الذي يرأسه عبد الحميد بلفيل وحيثيات التحضيرات التي تمت استعدادا لزيارة
محمد السادس للمدينة قبل الإعلان عن إلغاء هذه الزيارة.
مجلس جديد بوجوه قديمة ونتيجة شبه صفرية
حينما تم الاعلان عن تمكُّن عبد
الحميد بلفيل من حشد، ضدا على الطبيعة السياسة، أغلبيةً مجلسية أهَّلته لأن يكون
رئيسا على مجلس تسيير مدينة الخميسات للمرة الثانية، ثارت ثائرة أغلب الناس. وكان سؤالهم
الأبرز على إيقاع المفاجئة غير السعيدة: كيف نُـصوت لفائدة هذه الجهة أو تلك بينما
تنال جهة ثالثة أو رابعة مناصب القرار والمسؤولية؟!
وجَد حزب العدالة والتنمية الفائز
بالمرتبة الأولى نفسه في مأزق. بين مطرقة الرأي العام وسِندان دهاء بلفيل. فانتصرت
البراغماتية السياسية على المبدئية. بعد حين، اكتشف هذا الحزب أن قراره ذاك سيكون
مكلفا جدا.
ولم تُـعدَم باقي الأحزاب الأخرى نصيبها
من المأزق. فالمعارضة على سبيل المثال بدت خلال عام من شراكة خصومها السياسيين (أي
الأغلبية) أضعف بكثير مما كانت عليه خلال الولاية السابقة [رئاسة البويرماني،
الفترة 2009-2015]، خاصة بعد أن غاب واحد من أهم حلفائها السابقين وأشدهم قوة وعداء
تجاه حزب العدالة والتنمية: العامل الأسبق لإقليم الخميسات، محمد فاتح.
بعد عام من أداء المجلس البلدي
الجديد، والذي لم يسجل أي إنجاز يستحق الذكر سواء على صعيد البنية التحتية أو
الخدمات أو تحسين المؤشرات السوسيو-اقتصادية أو تجويد أداء المرافق أو حتى ترميم
ما يمكن ترميمه من تجهيزات قائمة، هل فات الأوان على ندم حزب العدالة والتنمية عن
هذه الشراكة التي بات يُجمع القريب قبل البعيد عن فشلها؟ هل هذا الحزب راض الآن عن
قراره ذاك؟ هل سيبقى شريكا لبلفيل إلى نهاية ولايته؟ هذه أسئلة أساس. يملك الغيب
معطيات كافية بشأنها. ولا شيء يدفعنا لنتسرع في الإجابة عنها. ولكن يمكن التأكيد،
الآن، أن المستقبل مفتوح على العديد من السيناريوهات التي من المحتمل جدا أن تنفجر
في وجه هذا الجمود الذي لا يتساوى في إيقاعه مع شرب السم على مهل!
ما هو العنصر الأساس الذي جعل من
فرصة تشكيل مجلس جديد إلى عامل لتأبـيد الأزمة؟
لقد كان حدس الساكنة صادقا حينما
عبر عن رفضه وامتعاضه من تولي عبد الحميد بلفيل للرئاسة مجددا. فباعتبار مؤسسة
الرئاسة تمثل المحرك الأساسي لآلة المجلس البلدي، فإن حصيلة هذا الأداء تبقى رهينة
لأداء هذه المؤسسة سلبا وإيجابا. لقد ربطت الساكنة بين سيرة وسمعة الرجل من جهة
وبين ما هو منتظر منه تجاه المدينة من جهة ثانية، فكان توقعها بأن النتيجة ستكون
سلبية توقعا صحيحا. شاركها في ذلك بعض الباحثين. والآن، يشاركها هذا الرأي بعض
المقربين من القرار المحلي وبعض شركاء بلفيل أنفسهم.
لقد قرَّب الرجل إليه مستشاري
العدالة والتنمية لكن دون أن يمنحهم سلطة حقيقية على القرار والفعل. وإذا صار
هؤلاء المستشارين أقرب إلى دواليب إدارة البلدية وملفاتها التقنية فإنهم لم
يتوفروا باستمرار على سلطة القرار في القضايا الكبرى الاستراتيجية والمـُـهـيـكِلة.
قد تنتهي تجربتهم هذه بتحصيل معارف ومهارات تقنية مهمة، لكنها لن تُقنع الرأي
العام بالنتيجة الكلية للأداء وأثرها على واقع المدينة. فلا وجود لحصيلة إيجابية
على الأرض يمكن الدفاع عنها. وأقصى ما يمكن أن يدْفع به شركاء الأغلبية بمختلف
ألوانهم هو القول، كما العادة، « في الغد، ستطلع شمس جديدة!».
وفي ظل هذا التأزم الواضح الذي
يتجسد من خلال الهوة الكبيرة بين انتظارات الساكنة وأداء المجلس، يبدو أن تفكير
الرئيس عبد الحميد بلفيل يوجد في مكان آخر. فهو، حتى الآن، لا يُـقَدر تكلفة هذا
التأخير في إخراج إنجازات حقيقية وملموسة للناس.
لقد جمع هذا الرئيس، بصورة
كاريكاتورية، بين الخبرة والفشل! وقد يكون لأدائه إفرازات اجتماعية-أمنية وخيمة.
في ولايته الأولى قدم الرجل حصيلة
لم ترْق لما هو منتظر منه. ثم بدأ ولايته الثانية برفض الناس له وللطرق التي سلكها
للوصول إلى الرئاسة (فهم لم يصوتوا عليه ليكون رئيسا). والآن تضررت سمعته بصورة
واضحة بسبب متابعته قضائيا من قبل المجلس الأعلى للحسابات في قضايا مرتبطة
بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية. هذه العناصر مجتمعة تؤهله ليكون عن
جدارة واستحقاق، ما لم يقم بالتصحيحات الضرورية، أسوأ رئيس بلدية في تاريخ
الخميسات.
والمضحك
في الأمر هو أن الرجل، وبالرغم من كل السخط الذي يحوم حوله، يَـطلِع علينا بين
الفينة والأخرى بمقترحات ومواقف غريـبة (حتى لا أقول سخيفة) تذكرنا بمقترحات «ماري
أنطوانيت»، زوجة لويس 16، ملك فرنسا إبان الثورة الفرنسية، التي كانت تدعو زوجها
لتقديم البسكويت للمحتجين الغاضبين والجائعين: فتارة يصرح برغبته في اقتناء شاشات عرض
إلكترونية بملايين السنتيمات، وتارة أخرى يُـبدي رغبته في تنظيم عشاء على شرف
موظفي البلدية قدَّر بنفسه تكلفته بـ 20 مليون سنتيم!
وحينما
ذكَّـره أحدهم بأن عليه دعم العمل الجاري بشأن وضع برنامج عمل المدينة رد عليه
مازحا في موضوع لا يحتمل المزاح وبلامبالاة واضحة: "واش ماعندَكْش شي شْغَل"!
هل هذا هو المنتظر من رئيس مجلس مدينة شبه منكوبة؟!
لا ندري كيف يمكن أن تستمر علاقة
العدالة والتنمية برئيس كهذا سيجلب لهيئتها الناخبة محليا الكثير من خيبة الأمل. ما هو أكيد، وهذا ما تؤكده العديد
من المؤشرات، هو أن الأيام المقبلة قد تفتح الباب لصراعات جديدة داخل المجلس البلدي
على منوال تلك التي حدثت في المنتصف الثاني من فترة رئاسة البويرماني (انقسام في صفوف
الأغلبية).
لم تلتفت المعارضة بجدية إلى
التعقيدات التي تعيشها الأغلبية. ولهذا نراها تفتح ملفات قليلة الأهمية، ثم تَـجُـر
معها بعض مستشاري الأغلبية الذين شرعوا في تفريغ يأسهم من تفعيل إصلاحات حقيقية في
المهاترات [حتى لا أقول في الصبيانيات!].
في ظل هذه الأجواء قد يكون الحوار
بين العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والتقدم الاشتراكية مفيدا جدا للمدينة. ولكن
هل هذا ممكن؟ حاليا، الأمر مستبعد. بيد أن الأيام القادمة قد تنفتح على تغيرات غير
متوقعة، فيصير المستبعد ممكنا والبعيد قريبا. إذ يبدو أن واقع بقاء عبد الحميد
بلفيل على رأس مجلس جماعة المدينة واقعا غير قابل للاستمرار طويلا إذا ما بقي
الحال على ما هو عليه.
وإذا عجزت الأحزاب عن تغيير الوضع
القائم، فإنه من غير المستبعد أن يملأ المجتمع المدني الفراغ بمبادرات متباينة في
قضايا متفاوتة الخطورة والأهمية. وإن مؤشرات ذلك قائمة فعلا (الحراك المدني بحي الفرح
مثلا[1]). ولا شك أن دخول المجتمع
المدني المتوقع في السنة الثانية من الولاية الجارية من شأنه أن يزيد الوضع
ارتباكا ما لم يرتق المجتمع المدني بمبادراته إلى مرحلة نضج أعلى.
رابط إلى الجزء 2: "نحن، الملك، الآخرون واللامفكر فيه" :
رابط إلى الجزء 2: "نحن، الملك، الآخرون واللامفكر فيه" :
[1] - يعرف هذا الحي – الذي
يمكن تصنيفه ضمن الأحياء ضعيفة التجهيز والخدمات – حركة اجتماعية بارزة كبيرة منذ
سنوات مضت (ربما منذ 2014). ويشارك في هذا الحراك سكان الحي من مختلف الأعمار
بقيادة مجموعة من النشطاء المدنيين والحقوقيين. وهي حركة تزيد يوما بعد يوم تنظيما
وتأطيرا. وقد كان لهم لقاءات كثيرة مع مسؤولين كثر في البلدية والسلطة المحلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق