فؤاد بلحسن
belahcenfouad@gmail.com
بمثابة مدخل .. أو سينوغرافيا
بعض الأحداث أقل ما نقول عنها أنها أحداث
تـُجمِّد الزمن في لحظة انتظار و ترقب، و تختصر المكان في نقطة بعينها من الخريطة..
هكذا نقول في أيام من قبيل سقوط باريس في يد هتلر، الثورة الإيرانية، هجمات 11
سبتمبر، احتلال العراق، العدوان على غزة، مجازر الدبابات الإسرائيلية التي انقلبت
على ظهورها على تلال جنوب لبنان، و غيرها من الأيام-الأحداث ... و اليوم: ثورة التونسيين.
يزيد الحدث درامية أنه يقع في قارة الـ 22 نظاما
عربيا على رأسه رجال غير ديمقراطيين، يتماهون مع مختلف أشكال الاستبداد في صيغ
مقنعة: أمراء سلاحهم دولار النفط، ملوك يحتلون جميع المواقع و يتدخلون في أبسط
التفاصيل أو رؤساء جمهوريون يجعلون وثائق الدساتير في مرتبة صفحات أخبار السوق لدى
الجرائد !
دخان جسدٍ محروق يستحيل إلى وصفة بخور سحرية مَـلكت
أعصاب عشرات الآلاف فرمت بهم الشارع و ضغطت على أوداج حناجرهم فسُمع دوي انفجار
مهول بعبارة: لا.. فسقط نظام كامل، أمنيا، سياسيا و اجتماعيا .. كأنه الورق ..
نظام رئيس الأربعة ولايات .. نظام بن علي.
بالله عليكم، أرأيتم شريطا اجتماعيا أغرب من
هذا، أو سمعتم حكاية أغرب من هذه ؟!. إنه مكر التاريخ يا سادتي .. و هو يجعل اللعب
جـِـدا .. الرماد ناراً ! وا أسفاه على قليلي الحكمة و ضعيفي البصيرة!.
تذكـَّرت ذيل حوار الشاعر السائل في قصيدته
المطولة و هو يسأل محاورتـَه:
"من أنتِ؟!
...
قالت .. نعم قالت
قالت
.. و التردد في القصيدة لا في كلامها ..
قالت: أنا .. أنا ..
أنا الثورة".
و هكذا، في لحظة، كل شيء صار أثرا بعد عين، و
أتى العالم كله زرافات برؤوس تعلوها أكثر علامات الاستفهام و التعجب سذاجة. و هو
الآن يعجز على تصديق أن كل شيء في تونس البارحة هو لا شيء في تونس اليوم!
لا سلطة حاكمة من حديد ...
لا سلطان أو أسرة حاكمة تأمر و تنهي ...
لا سلاح جيش يُصرِّف الأوامر واقعا ...
...
!
1
مكر التاريخ!
لو أن أحدهم، قبل شهر من الآن، وقف و قال أمام الملأ: بعد شهر سيسقط النظام
التونسي على أثر ثورة شعبية؛ تـُغمر الأرض شهداءً و بطولات، و السماء صراخا و
نداء: بن علي بْرا ! ( بن علي إلى خارج البلاد!)، لو أنه فعل لسقط السامعون صرعى
من الضحك ملء رئاتهم. لكن هيهات .. إن الأمر جـِـد!
من مشكل فردي إلى ثورة اجتماعية عارمة .. ماذا
جرى في تونس يا عالم..؟. هل تعجز أدوات التحليل؟
من فرط اليأس، أحرق رجل من الباعة المتجولين
جسده كرد فعل على مبادرة السلطات التونسية مصادرتها مورد رزقه الوحيد. أحرق نفسه لـيُصرِّف
حـنقا دفينا (فـَهمنا على أنه بحجم الجبال)، ولا يخفى ما في الأمر من شجاعة، و إلا
لما انتقل الفتيل إلى الشارع. فقد انضم معطلون، فقراء، جوعى و غيرهم إلى الجمع؛
فأصبح الغضب حالة عامة ضد اللاعدالة اجتماعية، بعد أن كانت فردية ضد النفس؛ معلنين
أن لديهم مطالب اجتماعية تتكامل مع احتجاج البائع في المضمون و إن اختلفت معه في
الشكل، و أنهم يقصدون، بذلك، إثارة انتباه و استجابة السلطات لمطالبهم المشروعة في
العمل و العيش الكريم، منبهين غير ما مرة على أن لا حزبا سياسيا يأطر حركتهم و أن
لا قائدا يتكلم باسمهم أو يمثل إرادتهم. الأمر الذي طمأن النظام أول الأمر، بل وحفَّزه
على إدراج الاحتجاجات في خانة الإرهاب و اعتبارها لا تعدو أن تكون عمل إرهابيين –
كما وصفهم بن علي قي خطابه الأول، كخطوة لإرهاب مقابل توقع منه أن يضطر الجميع إلى
أن يختفوا من الشارع مخافة أن تـُلصق بهم أحكاما جاهزة أصدرها الزعيم. لكن
المتظاهرون أصروا على الاستمرار في الاحتجاج و بعد ذلك انضمت النقابات إلى الجمع،
و محامون وحقوقيون كذلك. و حتى الآن لا زالت القضية قضية مطالب اجتماعية و تضامن
نخبوي – من داخل البلاد و خارجها - مع هذه المطالب.
بينما
اكتفت الأحزاب السياسية بالتشجيع تارة، و التحريض على الاستمرار – إعلاميا بدرجة
أساسية- تارة أخرى، و حتى إذا نزلت الشارع
نزلت بدون عناوين حزبية. فقد فضلوا ركوب الموجة تاركين أن تأخذهم إلى حيث تشاء هي
لا هم، لمَّا وجدوا أن تحرك الشارع على الأقل يحرك المستنقع السياسي الراكد، الذي أعاق
التنمية، فأغرق الإنسان التونسي في كل ذلك.
استمرت الاحتجاجات للأسبوع الثاني فالثالث، فـبدا
أن الأمر أصبح غير ما كان، وأن غير المتوقع ليس بغير الممكن ضرورة. فبات الجميع
يفكر كيف يعيد حساباته و ترتيب أوراقه.
و هكذ،
انخرطت الأحزاب أكثر في المعمعة، و تراجع الحكم خطوة إلى الوراء ثم خطوة ثانية، و تحول
الاحتجاج الاجتماعي إلى فرصة سياسية بل و تاريخية لدى النخب الإصلاحية و الثورية،
و تحول "الإرهابيون" الذي «يخربطون» في كل اتجاه بالشارع إلى مواطنون
يستحقون أن تـُستجاب مطالبهم المعقولة في نظر بن علي الذي وجد نفسه ينقلب 180 درجة
شكلا و مضمونا! .. تبدل كل شيء...
ماذا
يحصل في تونس يا عالم؟!.
في الأسبوع الرابع لم يعد أي شيء كما كان، و
العد السياسي انتقل من أن يكون وفقا لمتواليات حسابية إلى متواليات هندسية، لدى
النخب كما لدى السلطة، بل و المتظاهر نفسه حمل قلبه في يده كأنه آثر الموت؛ فتقدم
بخطى بطيئة تعكس حالة التوجس التي ركبته و عاند إحساسه ذاك و قاوم ليتفلت منه ..
فركض من خوفه بعيدا منه مُغمض العينين لا يبالي بما يعترضه حتى لو كان رصاصا- في
سلوك يجمع بين الشجاعة و "التهور".. و لم يتوقف، فقد أحس أن كتلة ً
اجتماعية ما تحمله و هو جزء منها .. تقدم دون أن يلتفت ليسأل عما تكون هذه الكتلة
و ما تكون صيرورتها، فقد أحس أنه هي و لم يـُرد أن يشك في نفسه ... ثـُمَّ بُمْ .. سقط النظام!
آه يا تاريخ ... كم هو ماكر فعـلـك بالغافلين
.. خاب من لم يلتفت إليك!
23 سنة من الحكم، 4 ولايات رئاسية، حكم الحزب
الوحيد بقبضة من حديد، معارضة إما صامتة بالداخل أو مشتتة في الخارج، خطوط سياسية
بالجملة على الفكر و الرأي وحدود أمنية على الضمائر والمعتقد .. كل ذلك سقط، في
لحظة لم يبق فيها حجر على حجر .. و الجميع في تونس عشيتها متساوون، في قيمة الذات
كما في سلطة الحكم .. كأنه الإنسان في حالة الطبيعة!
هذا أنت يا تاريخ .. تتوارى و لا تختفي؛كالظل
.. تتجدد ولا تشيخ؛ كطائر الفينيق!
أيها السادة.. لا تـُفاجئوا .. أو على الأقل
ليتواضع تفاجئكم، ألم ينبع التوحيد الإبراهيمي من قلب دار آزر؛ صانع الأصنام؟!
2
مطالب عاجلة .. استجابات مؤجلة
( أو الدرس التونسي)
لأول مرة في عهد الزعيم بن علي يعبر الشعب
التونسي عن مطالبه تحت الهواء الطلق، فنادى بالخبز، بالعمل و العيش الكريم. اصطفت
المطالب في أجندة السلطة الحاكمة كمطالب اجتماعية، فتباطأت و اعتبرت أن الأمر لا
يعدو انتفاضة خبز جديدة، إن لم تنتهي باستجابات جزئية لها، بل و يمكن إهمالها
فتذوب بعد أيام أو ساعات في الشارع عندما تبح الحناجر، و إلا فالضرب على الأيدي
كفيل بحل كل ذلك. لكن السلطة جربت كل ذلك و ما توقفت المطالب. بل زاد رفع الصوت
بها عاليا، أكسبه قوة إضافية سقوط بعض الشهداء وخبر موت «الزعيم الروحي» المحروق
للحركة الاحتجاجية: محمد البوعزيزي. لكن الذي فاجأ الجميع والسلطة بصورة خاصة أن
المطالب الاجتماعية سرعان ما تمددت لتدخل إلى قائمتها مطالب سياسية محضة تـَطعن في
أداء الحكومة، تدين الفساد و تدعو لمعاقبة المفسدين. هنا فقط صحصح عقل الدولة
فبادر إلى الاستجابة للمطالب الاجتماعية و طرْح وعودا اجتماعية، بعد أن سحب تعابير
إدانة المتظاهرين و توعُّدهم بسوء المصير. فما هدأ الشارع، بل زاد من توسيع
القائمة و حِـدة الصراع، معتقدا أن النظام الذي يقدم القليل لا محالة سيقدم الكثير
تحت مزيد من الضغط. و ربما اعتقد الشارع – عن حق-
أنها فرصة إذا ضاعت ضاع معها كل شيء، فلا شيء يضمن الوعود و لا ثقة في حاكم
وعد و أخلف خلال 23 عاما من الحكم: ألم يكن هو نفسه صاحب اللاءات العريضة : لا
للرئاسة مدى الحياة، لا للفساد، لا للمحسوبية، ...؟!
و هكذا سقط النظام فريسة جهله بالطبيعة المطاطة
للحرية التي تُطلب دائما و لا تدرك أبدا. ظهرت مطالب الحرية الاقتصادية والاجتماعية
فـَردَّها، فتمددت إلى الحرية المدنية والسياسية، فأراد الاستجابة لما سبق و أن
رفضه، ففاته كل شيء!
كأنه أعوزه فهم أن غياب قنوات لتصريف المطالب الاجتماعية
عبر الحوارات الاجتماعية ومؤسسات شعبية للتمثيل الإجتماعي التي أصر على إضعافها،
سيجعل منها براميل بارود تنفجر في كل اتجاه.
فالمجتمعات التي تجهل التمييز بين المطالب السوسيو-اقتصادية
و المطالب المدنية السياسية زمن السلم
الأهلي، لا محالة تخلط فيما بينها زمن الانتفاضات الشعبية أيضا. و هو ما وقع فعلا.
وفي الواقع لم يكن النظام التونسي - ولا حتى
باقي الأنظمة العربية الأخرى- النظام الوحيد الذي استكان إلى معادلة ملء البطون و
تكميم الأفواه، كإستراتيجية للهيمنة السياسية على الشعوب، بل آمن معه حتى ما يسمى
إعلاميا و أيديولوجيا "بالعالم الحر"، لذا بدت المفاجأة أكبر من الحدث.
لكن 26 يوما كانت كافية ليحدث كل شيء رغما عن
الجميع.أمواج ارتطمت بالصخر فدفعته و
الشاطئ معا إلى حدود حلم يتجسد حقيقة عارية في تبرج مطلق و فاتن، يأسر القلوب قبل
الأعين.
و جاءت الأحداث تـَتـْـرى في يوم مشهود (14 يناير)... كأنه عرض
سريع لشريط صاخب:
×
احتجاجات في مختلف
المدن التونسية ( صفاقس، سيدي بوزيد، القصري، ...) ضد الرئيس بن علي، مطالبة إياه
بالتنحي؛
×
مظاهرة حاشدة في
العاصمة تونس أمام وزارة الداخلية، ترفع شعارات سياسية مطالبة بتنحي الرئيس كذلك؛
×
الأحزاب السياسية
المعارضة تصدر بيانا يدعو الرئيس بالتنحي؛ بعد أن جمعت بغض القوة و اطمأنت إلى
الوضع و ألهبها حماس الشارع- و لو متأخرة؛
×
الرئيس يعزل الحكومة و
يعلن نيته تنظيم انتخابات مبكرة خلال 6 أشهر؛
×
إعلان حالة الطوارئ و
إعطاء الضوء الأخضر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين؛
×
استمرار الضغط الشعبي
أكثر فأكثر؛
×
الرئيس بن علي يستقيل
طائرته و يفر من البلد.
-
ماذا؟!
-
حبيبي .. صدق أو لا
تُصدق .. هذا ما وقع بالفعل!. و قد خرج في 4 مروحيات، حطت في مالطة، ثم استقل
طائرته المدنية هناك. و عندما رفضت فرنسا استقباله تاهت به السبل، فطار و حطت به
طائرته مجددا بإيطاليا. و هكذا بدا أن الذي كان بالأمس يسرح و يمرح في 164150
كيلومتر مربع يكاد لا يجد منصة يحط عليها طائرته، و بيتا يأوي إليه هو و أسرته. كثر
القيل و القال عن الوجهة التي سيقصدها إلى أن خرصت التخمينات عندما وافقت المملكة
العربية السعودية استقبال الضيوف غير الطبيعيين لظروف غير طبيعية. في الواقع، ليس
الوقت وقت كلام ..لكن دعني أقول لكَ شيئا، إن كنت من أهل التريث فاركن إلى التلفاز
و تابع المسلسل. كرره إن شأت مرة و ثانية .. و أما إن كنت من صفوف المدعوين .. فاخرج إلى
الشارع .. فاليوم يوم عيد ... و الفرح تحت سماء الحرية!.
3
هل انتهت المعركة؟
آه يا أيها الشعب التونسي كم أ ُشفق عليك. في
رمشة عين وجدت نفسك تملك جميع السلط ... فحِرت لمن تـُسلمها .. فقد صعدت منصة النصر
وحيدا و عندما التفتت باحثا عن قيادات وطنية تُُنفذ قراراتك الثورية عبر مسالك
الدولة الجديدة وجدت أن القيادات لم تخرج من الحلم بعد، بل حتى أن بعض الخوف لازال
يشدها من ناصيتها إلى الأرض في ضباب الدهشة .. ألا تراها تخطوا ببطء السلحفاة أو أقل بطئا ...!؟
لا تبحث عن أصدقاء و لكن اعمل على معرفة
الأعداء أولا اليوم. ببساطة، لأنه لا أحد يجرأ على معاداة الثورات عَـلنا .. لأنها
ليست فردا أو جماعة أو هيئة أو جهازا ... إنها شعب بأسره.
اسمع الفرنسي، البريطاني و الأمريكي الرسمي ...
الكل يتحدث عن إرادتك و حرية اختيارك ... هل سمعت بهذا قبل هذا؟!. عجبا ...! صدَق
من قال أن الذي لا يستحيي يجب أن يُتوقع منه كل فعل يدخل في دائرة الممكن. فهم
يخافون، و لا يخجلون. بالأمس تآمروا على وأد صوتك و اليوم يصرحون أن الحرية ملكك لوحدك،
تعطيها من تشاء عبر صناديق الاقتراع !. فلتحفظ ذاكرتك ذكراك...
لقد سكت هذا العالم- لأزيد من عقدين- على الاضطهاد السياسي الذي يعيش فيه الشعب التونسي، فلزم
الصمت تارة و صفق للمنجزات الاقتصادية للنظام - بخبث لا يخفى- تارة أخرى. فكان في
جميع الأحوال شريكا في الجريمة. فالذي يكيل بمكيالين في قضية حقوق الإنسان مجرم
بالقوة - عند الصمت- و بالفعل - عند تعضيد
النظام الفاسد باليد. ألم يصف الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك تونس بن علي بـ:
"المعجزة الاقتصادية"، وكأنه الضامن
لحسن التوزيع !.
ثم ألم يصمت العالم الحر على الإرهاب السياسي
الذي تعرض له التونسيون المتدينون – السياسيون (الإسلاميون) و غير السياسيين - و
كذا الإصلاحيون- في اليمين و اليسار.
ألم يصفق للنظام لمجرد أنه أبدى تشددا واضحا
اتجاه المعارضين الإسلاميين، و قالوا لتبرير ذلك: إنه حليف في عملية محاربة الإرهاب!.
و ليست ادعاءات "العالم الحر" المدغدغة
لعواطف التونسيين اليوم من يجب أن توضع على طاولة التشريح و معادلة الحذر، بل كذلك
كيد "الجيران" و "الأشقاء" العرب. ألم تلاحظوا كيف غطـَّى الكثير
من إعلامه الحدث، و كيف بادر إلى تسليط الضوء على أعمال الشغب الصغيرة و المتفرقة إلى
أن جعل منها فزاعة بحجم السماء ليغطي بها
نور الشمس الساطع، التي ظهرت في فجر تونس الجديد كحجة لا تحتمل نقيضها !؟
ثم ألم يتهافت بعض الساسة من العهد القديم فوَلـَّوا
أنفسهم، و تحدثوا على فرض القانون و تنفيذ حالة الطوارئ، و على استجابة "الحكومة"
(أو قل بعضها المتبقي بعد فرار "الزعيم") لجميع المطالب المشروعة المعبر
عنها، لما تـَدثـَّروا بالمادة 56 من الدستور التونسي و معلنين أنهم هم من سيملأ
الفراغ المؤقت، حتى دون أن يكلفهم الشعب بذلك صراحة أو إيماء؟!.
"آه
يا شعب ... المتربصون كثر ... فلا تـُزهقها ... صحصح يا شعب ... الغد لك .. لا
تلتفت ... إن السلطة لا تقبل الفراغ .. فإما
أنت أو هم!
4
و دخلت الثورة في ساحة المعادلات الكبرى
المعادلة الإقليمية و الدولية تستقبل وافدا جديدا
و غريبا.
تستقبل الأنظمة العربية هذا الوافد بكل معاني
الحذر و التوجس. الإخوة الأقربون يخافون العدوى و نتائجها و الإخوة الأبعدون يخافون الدرس و امتداداته. و
ليس ما حدث بالجزائر ببعيد، و كذلك ما حدث في الأردن (و ربما يستمر إذا ما تم
دعمها من الأحزاب السياسية التي تركت الشعب الأردني لوحده يتيما ينتظر يد عون أو
كلمة تجبر خاطر فتبعث على الصبر و التحمل .. لكن عبثا ينتظر !). و النظام المصري –
المعزول شعبيا - على شفا حفرة، و من يعلم من أين تأتي هبة الريح الأخيرة .. و هكذا
دواليك.
ثم إن النماذج الديمقراطية و الثورية تمثل
مشكلة لدى هذه الأنظمة، من فرط حساسيتها من صناديق الاقتراع الزجاجية و صوت الشعوب.
على صعيد المعادلات الدولية، يشهد الغرب
المهيمن (على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، إنجلترا و فرنسا) يوما بعد يوم
انفراط عقد تحالفاته الإستراتيجية و خَـوَر نفوذه السياسي العابر للحدود.
ضربات متوالية لقيها خلال العشر سنين الأخيرة،
غزة تحت سلطة حماس، لبنان يخرج- أو يكاد- من أن يكون يدا طيعة و لعبة لإرباك
الساحة العربية قبل ساحة الأعداء، "إسرائيل" تحولت إلى نمر من ورق لا تجرأ
سوى على رفع الصوت بلا فعل بعد أن كـُسرت إرادتها و شلت يدها تحت ضربات المقاومة
الإسلامية (حزب الله) في حربها على لبنان سنة 2006، العراق يتفلت ولم يعد الأمريكي
يطمع إلى أكثر من الانسحاب غير المذل، أفغانستان تتحول إلى مستنقع لصيد الغزلان
البشرية التابعة للناتو على يد مجاهدي جماعة القاعدة و حركة طالبان، إيران لا تفتأ
تـُردد على أنها لن تتخلى عن حقوق شعبها؛ في العلم و إعداد للقوة؛ قيد أنملة و تتصرف بشكل مربك لا يترك إلا خيارات محدودة للأعداء
أحسنها مُرٌّ، تركيا تستقبل الشرق بعدما
هجرها الغرب و تستمر في إذلال الإسرائيلي و إرباكه دبلوماسيا، سياسيا و أمنيا، و
زيادة على ذل، على رأسها كومة ذات مرجعية إسلامية، اليمن يشكل مصدر قلق مستمر و
جماعاته المسلحة بالداخل تعلن الغرب و
إسرائيل عدوها الأول، الصومال يشاغب في البر و البحر، و .. و .. و ...
و إذا
أضفنا من جهة اهتزاز أسواق النقد و المال باقتصاد هذا الغرب من جانب، ومن جانب
آخر، التحدي الاقتصادي للدول الآسيوية (الصين، اليابان ، الهند، ...) له (ألم ترى
كيف يجري الأمريكي إلى الصين لإبرام العقود و توسل عقلنة المنافسة؟، و الفرنسي
كذلك فعل و غيره كثير من باقي أعضاء الغرب المهيمن...) نكون قد حططنا اليد على المتاهة
الكبيرة التي يتخبط فيها هذا الغرب. فإذا استقرأنا كل ذلك بروية، نكون قد أوغلنا
في تعرية المأزق.
كأنها "قيامة" الغرب المهيمن ..
فافهم!
كل شيء في إعادة ترتيب ... الخرائط تتحول،
اللاعبين يتبادلون الأدوار و القرار الدولي – السياسي و الاقتصادي- يتشظى بين القبائل.
و اليوم في تونس، فصل جديد في التحولات المعاكسة
لإرادة الهيمنة: سقوط حليف استراتيجي صادر لزمن طويل إرادة شعبه و طموحاته القومية
و الوطنية، لم ينطق ببنت شفة في قضية يكون للأمة فيها نصيب من خير، ثم لم يبدو منه
أنه اعتقد يوما القضية الفلسطينية كمبدأ
أمة، خيار تاريخ و مسألة شعب تحت الاحتلال و إنسان تحت الظلم.
و في هذا العقد الأخير وقع ما لم يكن في
الحسبان ... ضُرب بوش بالحذاء، أعدم صدام داخل العراق، سُـب طوني بلير في أحد
المساجد بالإرهابي، أُذل حسني مبارك
مباشرة على مختلف شاشات الإعلام الدولية، رأينا قبيل أيام الملك عبد الله الأردني
يـُشتم على الهواء بشكل غير معهود من قبل الشارع الأردني و يُتهم بأنه رأس المصائب
الاجتماعية القائمة بالبلاد و العباد، و اليوم زين العابدين طريدا خارج تونس.
الزمن دوار .. فعلى من الدور غدا؟!. فلتشهدوا
يا سادة.. و لتحذروا يا قادة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق