المقاومة أولا .. وأخيرا - فلسطين قضية التحرير الكبرى - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الاثنين، 21 يوليو 2014

المقاومة أولا .. وأخيرا - فلسطين قضية التحرير الكبرى

فؤاد بلحسن
belahcenfouad@gmail.com

"كان المخيم جسم أحمد
كانت دمشق جفون أحمد
كان الحجاز ظلال أحمد
...
صار الحصار هجوم أحمد ..."
محمود درويش (أحمد الزعتر)




الليكوديون العرب، المتصهينون الأمازيغ، صحفيو الطابور الخامس، أنظمة الهزيمة،... هي الأصناف القديمة-الجديدة التي نعترضها في طريقنا، مقاومين وناشطين من أجل القضية الفلسطينية، في مواجهة العدو الإسرائيلي المحتل.
متى كان صراع ما، ضد عدو ما، من أجل تحرير أرض ما، لا يخلوا من قوى العمالة والاستسلام والجبن؟!
في معركة الوعي، تفوق قواعد الاشتباك مجرد حمل السلاح ... هي قصة المعركة المفتوحة .. معركة ثقافة الحرية والتحرير ضد ثقافة الكيد السياسي والحقد العنصري واستئجار الأقلام و الاستبداد الذي يحجر على الشعوب ...
فبقدر ما يكون حمل السلاح زينة الرجال في فلسطين وفي أي أرض محتلة من طرف الأجنبي، يكون حمل إرادة كسر شوكة الخيانة واجبا مقدسا على المناضلين والناشطين العاملين في درب العدالة والحرية.
لقد نطق عربان بأكثر من الكفر وهُم يحَملون المقاومة المسلحة مسؤولية تدهور الوضع في فلسطين نحو الحرب ومسؤولية سقوط الضحايا نتيجة المغامرة غير المحسوبة. وإذ يفعلون ذلك، يذكروننا بأنظمة الهزيمة – مصر مبارك، سعودية آل قريش وأردن البوليس – عندما حمَّلت حزب الله اللبناني مسؤولية اندلاع حرب 2006 على لبنان. هي سيرة الجبناء؛ كلما فشلوا في مقاومة الظلم والظالمين، امعنوا في اتهام الضحية؛ وهي نفس المناورة السياسية: شرعنة العدوان سياسيا، تغطية العجز في تقديم الدعم للضحية، انتظار مكافئة من الاستكبار العالمي- أمريكا تحديدا. قصة الليكوديون العرب لا تختلف عن قصة أنظمة العمالة لإسرائيل والاستكبار! ولهذا انطلقت أسئلة الكاتب وائل قنديل الصارخة، من وحي الهذيان المصري: «هل تكفي المكايدات السياسية، وحدها، سبباً لكي يتحوّل أشخاص اقتاتوا معظم فترات حياتهم على حناجر ملتهبة بهتافات ضد "الصهاينة" من ظواهر صوتية قومية زاعقة إلى قطعان ليكودية تنهش في جسد المقاومة وتردّد خطاباً سياسياً لا يختلف في شكله ومضمونه عمّا ينعق به جنرالات إسرائيل المتقاعدون؟ هل تكفي الكراهية للإخوان المسلمين لكي تنقل "قومجياً محترفاً" من معسكر المقاومة إلى مستنقع التصهين مباشرة؟!»
ففي مصر، مثلا، ينتصب السيسي وقيادات الحزب الوطني، الذين عادوا لمواقعهم في مؤسسات الحكم، مسترجعين إرث المباركية ومدافعين عن الدور المصري الاستراتيجي الذي يتخندق في خندق "محور الاعتدال العربي"، محور التحالف مع أمريكا وغيرها من دول الاستكبار حيث تسود صفقة: ضمان أمن الأنظمة السلطوية مقابل المساهمة في التضييق على محور المقاومة، حماية أمن إسرائيل وتأمين منابع النفط لصالح الغرب.
ولهذا ساهمت جوقة بكاملها من الإعلاميين والسياسيين، تحت قيادة السيسي وجهاز مخابراته، في شيطنة حركة حماس لدى الرأي العام المصري والتضييق على قطاع غزة عبر التهديد والحصار وإغلاق المعابر وتفجير الأنفاق وغلق مكاتب فصائل المقاومة في مصر.
ولما تبدى عجز الكيان الاسرائيلي وفشله في سحق المقاومة الفلسطينية تحت ضربات المقاومة الباسلة، هرع السيسي؛ الذي طبل له القومجيون، مطلع انقلابه، باعتباره خليفة الزعيم عبد الناصر؛ لنجدة الكيان الإسرائيلي، وبدعوةٍ من الأمريكي وتنسيق مع جون كيري. إذ سارع إلى طمر صمود المقاومة وإلى عرقلة كل النتائج الاستراتيجية التي لاحت في الأفق لصالح المقاومة، وذلك عبر إلقاء مبادرته الماكرة التي تتنكر لكل شروط المقاومة المشروعة والمستحقة لوقف إطلاق النار (خاصة، فك الحصار، الفتح الدائم للمعابر، إطلاق المعتقلين ممن تم تحريرهم سابقا في صفقة شاليط، رفع اليد عن الأموال المحجوزة وتسهيل التنقل من وإلى غزة).
وهنا يتحامل أعداء المقاومة، بوساطة من السيسي، لإعادة سيناريو «تمكين إسرائيل من قطف ثمار انتصارات الآخرين في معركة هي خاسرة فيها أو على الأقل لم تحقق فيها الأهداف التي وضعتها لجيشها»
أضاع السادات نصر الجيش المصري في أكتوبر 1973، وأعطى إسرائيل في السياسة والمفاوضات ما عجزت عن كسبه بالسلاح والحرب.
ناور فؤاد السنيورة وخلفه جيش من اللاوطنيين اللبنانيين؛ حلفاء أمريكا والسعودية والحانقين على حزب الله- على رأسهم سعد الحريري؛ من أجل أن يدمروا نصر المقاومة اللبنانية الاستراتيجي في عدوان الـ33 يوما على جنوب لبنان. وتحولوا من ضامن للانتصار ومفاوض من أجل المصلحة الوطنية إلى أداة ضغط على المقاومة الوطنية لقبول شروط وقف إطلاق النار والانسحاب إلى ما قبل نهر الليطاني. غايتهم في ذلك، إفساد طعم الانتصار وحفظ ماء وجه الكيان الإسرائيلي وترميم كرامة جيشه.
وها هو السيسي يريد إعادة الكرة لنفس الغرض، لكن بتكتيك ضعيف الإخراج ومفضوح النوايا هذه المرة؛ فحتى إعلام العدو (صحيفة هآرتس) علَّق قائلا: "مصر وإسرائيل صاغتا مبادرة وقف إطلاق النار دون علم الفصائل الفلسطينية"!. وهو يفعل ذلك، يعطي السيسي أكثر من دليل على أنه ما جاء إلا ليعيد مصر إلى حضن محورها التقليدي (محور مصر- السعودية – الأردن)، الحليف لأمريكا وإسرائيل ضد المحور الخصم (المقاومة الفلسطينية، إيران، حزب الله وسوريا).
واليوم، ومن باب المقارنة، يظهر، بصورة أجلى، كيف أن أسلوب تعاطي الرئيس محمد مرسي مع عدوان 2012 وإشرافه على هدنة «عامود السحاب» مثَّلاَ منعطفا في صراع غزة مع العدو لفائدة المقاومة وشروطها. فقد كان تدخله ذاك فلتة في تاريخ التراث المباركي. وليس صدفة أو عبثا أن يكتب الصحفي المخضرم علي أنوزلا مقاله حول العدوان على غزة تحت عنوان: «غزة تستنجد ... وا مرسياه» والآن جاء السيسي ليعيد الأمور إلى نصابها، وبصورة فجة إذا اقتضت الضرورة! فهو أغلق المعابر على الأطباء، المساعدات الإنسانية، والجرحى، فيكف يسمح بمرور رصاصة واحدة لفصائل المقاومة؛ فالعقيدة السِيسية اليوم هي أن إسرائيل جار سلام وحماس إرهابية والمقاومة جريمة!!!
...
وفي جانب آخر من المشهد العام، شطحة أخرى: ينطلق بعض الأمازيغيوين الملونين بلون العمالة المأجورة وغير المأجورة ليرددوا "تازة قبل غزة" وأن "القضية الفلسطينية قضية الفلسطينيين والعرب" وأن "الصراع هناك هو بين طرفين مطلوب أن ننظر إليهم بعين المساواة"، ثم "لا مانع من أن يتم عقد شراكات مع الإسرائيلي"، و" أن حماس تنفق على السلاح ولا تؤدي أجور موظفي غزة" وغيرها من السرديات الركيكة شكلا ومضمونا. ففي الوقت الذي يتزايد، يوما بعد يوم، منسوب الوعي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية وكونها قضية التحرير الأولى في العالم، يضعف منسوب الوعي الأمازيغوي ويركب شقاوته معلنا بهلوانيته السمجة ووقاحته غير المحدودة. وما عاد يخجل أن يجمع في فكره، جنبا إلى جنب وفق نفس منطق الجوار الممكن، بين سيدي عبد الكريم الخطابي من جهة وشارون، موفاز، بن إلي عازر، بيريتز، حالوتس، باراك، ليبيرمان ونتانياهو وغيرهم من القتلة من جهة أخرى. لقد بات هؤلاء القتلة شركاء طبيعيين محتملين "للأمازيغ الأحرار". يا لسخرية القدر والمصير! العمى أنواع. وأشده، عمى الذات حين لا تستشعر تناقضاتها المهولة؛ فهنا يجتمع، جنبا إلى جنب، إعلان الوقوف في صف حقوق الشعوب الأصلية وفي صف المحتل ويصير أمرا طبيعيا مستساغا لا يثير أدنى إحساس بالذنب أو الخجل.
وهم يخوضون مغامراتهم الطفولية هذه، لا يبالون بالضرر الذي يلحقونه بالأمازيغ والقضية الأمازيغية. صار المهم بالنسبة لهم أن ينالوا ما يكفي من مال المتاجرة بالأمازيغية وحجز بطاقات الأسفار في ربوع العالم وفنادقه، بما فيها فنادق تل أبيب الفخمة والمريحة والمنتصبة على جثث الموتى ومأساة المهجرين قسرا والمنفيين، بالملايين، في مخيمات الشتات.
ففي الوقت الذي تخرج جميع شعوب العالم في معظم العواصم الكبرى وبشكل غير مسبوق، تتبلد حواس المتصهينين من الأمازيغيين، كاشفة عن حقدهم واصطفافهم مع الجلاد في خندق واحد.
...
والدواعش؟! قال ناطق باسمهم "إن الله لم يأمرنا بقتال إسرائيل!". والسلام. وفي انتظار تعليق الشيخ القرضاوي؛ الذي "تدَعَّش" بسرعة البرق فنال نصيبه من السخرية والتأديب؛ على هذه الخيانة الكبرى للقضية الفلسطينية ولمقدسات المسلمين والمسيحيين في الأراضي المحتلة، وللضحايا المستضعفين الذين قفز الدواعش الفواحش عن آيات الجهاد القرآنية الموجبة لنصرتهم ورفع الظلم عنهم. فهم لا يريدون قراءة وتمثل قوله تعالى : «وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ...». إن لسان حالهم مطابق لقصة أولئك الذين قال لهم نبيهم: « ... هل عسِيتم إن كُـتب عليكم القتال ألا تقاتلوا. قالوا ومالنا ألاَّ نقاتلَ في سبيل الله وقد أُخرجنا من ديارنا وأبنائنا. فلما كُـتِب عليهم القتال توَلَّوا إلا قليلا منهم. والله عليم بالظالمين».
ففي زمن الفتنة السياسية الكبرى في المنطقة، يلعب الدواعش على حبل الفقه الاسلامي كلعبة معاصري موسى (ع) بالصحف والتعاليم المقدسة.
ولكم كانت، هنا أيضا، فلسطين كاشفة عن زور هذا التنظيم الإسلاموي الذي ارتدى قناع الخلافة ولجأ إلى الخطاب الديني الطائفي ليُجيش الأمة لصالحه لا لصالح قضاياها هي، وليخدم أجندة الاستخبارات الإقليمية والدولية التي أشرفت، من قريب ومن بعيد، على بنائه، تمويله، عمله وتوسعه وحتى إعلامه. كم هي رائعة هذه «الفلسطين»؛ لا تتأخر كثيرا في هز وعي الأمة نحو مناورات الأعداء وكيد الكائدين. وهاهم الدواعش باتوا عراة من كل مصداقية ولا نصيب لهم غير العار!
...
لقد وقفت المقاومة المسلحة البطلة متحديةً مقاوِمةً للحصار المفروض من العالم المستكبر كله على إنسانها وأرضها وقضيتها، مقدمة بذلك فصلا أعمق وأجمل من كل فصول تاريخ البطولة والإباء بما فيها تلك التي رسمها العقل الأسطوري، فجددت بذلك قصة من قصص انتصار الدم على السيف، الحق على القوة.
لقد أريد من قضية فلسطين أن تركن إلى أسفل سلم أولوياتنا بعد أن تم تفجير أغلب جغرافيتنا العربية والإسلامية (سوريا، العراق، لبنان، ليبيا، اليمن، ...)، ولكن ها هو العدو نفسه يعيدها إلى موقعها في الوعي الجماعي. تعود القضية ويعود معها الوعي بتناقضات المنطقة التي توارت، منذ حوالي ثلاث سنوات ونصف، وسط بهرجة الإعلام الكاذب والتشويش الطائفي: ما يزال، إذا، التمييز والتصنيف «محور المقاومة»/«محور التحالف مع أمريكا وإسرائيل» أو ما يسمى «محور الاعتدال» نموذجا تفسيريا صالحا لما يجري في المنطقة الآن.
وفي جميع الأحوال، ما كان مفهوما ولا مستساغا أن تثور كل جغرافيتنا وتبقى فلسطين خارج منطق الثورة وهي رائدة الثورة والانتفاض. لقد شكل العبث الفلسطيني – الفلسطيني وانغماس حماس الخاطئ في الملف الدموي السوري وسرعة انقلابها على حلفائها الداعمين للمقاومة، فرصة متاحة للعدو لتعميق الجرح الفلسطيني. وفي الواقع، جاء هذا العدوان ليعمق الجرح أكثر عبر وضع حماس بين كماشة أخطائها ووحشية قصفه. ولولا وعي محور المقاومة، الذي لم يتوقف قط عن دعم المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والتقنية والتنسيق الأمني والتغطية السياسية والإعلامية، لحقق العدو ضربة موجعة للقضية برمتها.
وبقدر ما يكشف هذا المحور عن وعي كبير بملفات المنطقة وتحدياتها، بالقدر نفسه الذي يبدو عاجزا على وضع استراتيجية وخطط واضحة من شأنها الإحاطة بالمخاطر الاستراتيجية التي تهدد المنطقة وتوجيه مسارات الأحداث. فها هو قد فشل في توجيه الربيع العربي إلى حيث صالح شعوب المنطقة والقضية الفلسطينية. فبعد أن ظهر، عقب سقوط كل من زين العابدين ومبارك، أن إسرائيل بدأت تدخل مرحلة الورطة الاستراتيجية، سرعان ما تم تدوير مسار الأحداث (الاقتتال في سوريا، ارتباك الوضع الأمني في لبنان والانقلاب على مرسي) لتصبح مكسبا استراتيجيا لها. لقد كان انزلاق سوريا، دولة وشعبا، إلى وضع الهشاشة والجار الضعيف، خطأ يتحمله هذا المحور أكثر مما يتحمله النظام السوري لوحده؛ وذلك لسببين رئيسيين: عدم إيلاء هذا المحور لفكرة حرية الشعوب ما يلزم من الأهمية؛ باعتبار أن الحرية شرط تقوية هذا المحور ذاته. إذ لا يدافع عن فكرة مقاومة الاستكبار عموما وتحرير فلسطين على وجه الخصوص إلا الشعوب الحرة والمستشعرة لقوتها المستمدة من تمتعها بالكرامة والمساواة والديمقراطية والمواطنة الكاملة. ولهذا، نجد أن أول انتخابات حرة وديمقراطية جرت في مصر أوصلت حكومة، على رأسها د. محمد مرسي، تؤيد القضية الفلسطينية وتدعمها بقوة، بل ولقد كانت شريكة في انتصار 2012. بينما أدى إهمال مسائل الحرية في سوريا إلى تحويل البلد إلى برميل بارود شعبي متفجر. من يضمن قوة الدولة من الناحية الاجتماعية سوى أفرادها الأحرار؟!
بينما يرجع السبب الثاني، إلى أن محور المقاومة احتفظ بتنسيق أدنى مع حركة الإخوان المسلمين. فقد راهن هذا المحور، خاصة خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة، على التقارب الإيراني-السعودي كوسيلة لتجنيب المنطقة فتيل حرب طائفية سنية-شيعية ولتكريس الحوار الديني، غير أن توالي الأحداث والمواقف كشف على فكرة أن السعودية أبعد ما تكون عن الاستعداد لتكريس الحوار المنشود؛ إذ أن غايتها محاربة كل قوى التغيير والتنوير والدمقرطة في المنطقة وتحقيق السبق والريادة ولو استنادا على اعتبارات مذهبية صرفة مهددة للأمن الجماعي. بينما المراهنة الحقيقية كان من المفروض أن تقوم على الإخوان المسلمين؛ ولهذا كانت النتائج الأولية لبوادر التقارب التي تمت بين طهران والقاهرة، خلال الأشهر الأولى لحكم د. محمد مرسي، مخيبة للآمال؛ لأنها جاءت متأخرة جدا ومليئة بسوء الفهم وضعف التقدير المتبادل. لقد كان من شأن أي تقريب حقيقي سابق بين محور المقاومة والإخوان المسلمين أن يجنب سوريا السيناريو الأسوأ والأسود الذي يُطوقها الآن.
...
ردت المقاومة بعنفوان وشبه إجماع شروط التهدئة المتصهينة في وجه ثلاثي الدهاء والخبث عباس-السيسي-نتانياهو، لأن القضية ما عادت مجرد لعبة مسلحة تنتهي مع عياء طرفيها الفلسطيني والإسرائيلي، بل إن القضية كلها هنا، مكشوفة وكاشفة. فالإبقاء على وضع اللامقاومة واللاسلام بات أشبه بصفقة بيع أمنية لصالح الاحتلال، والصمت على الحصار بات أشبه بقبول العيش على إيقاع إرادة الاسرائيلي، كما أن الخضوع لإملاءات أصدقاء إسرائيل – المصري والقيادة الفلسطينية على وجه الخصوص – بات أشبه بالخيانة لقضية التحرير ولتضحيات الشعب الفلسطيني وكرامته.
وبموقفها الرافض لوثيقة التهدئة المصرية، تكون المقاومة قد قطعت الجسر الذي نشره السيسي لعبور كرامة الجيش الإسرائيلي المشروخة. وها هو السيسي يفاوض، رغما أنفه، حماس التي صنفها قضائه، الكاذب والملحق بالجيش، تنظيما إرهابيا. وبإصرارها على شروط التهدئة، تعيد المقاومة القضية الفلسطينية سيرتها الأولى كقضية شعب تحت الاحتلال يُعَري بصراخه، بألمه وبمقاومته زيف الغرب وإيمانه المغشوش بحقوق الانسان وهشاشة فكرة القانون الدولي وتحيزها للأقوى. وحتى الممثلين الكبار على مسرح السياسة الدولية دخلوا تحت الضوء الفلسطيني الكاشف - ألم يشهد العالم كيف أن أوباما، حامل جائزة نوبل للسلام، تحول إلى مجرد موظف إعلامي حربي مشرعن للعدوان؟!
...
لطالما ردد وطنيو ومثقفو الوعي، لا الزيف، في منطقتنا على أن فلسطين هي البوصلة، الموَجِهة والكاشفة. وها هي تؤدي، مجددا، هذا الدور وبكفاءة.
ولا سبيل لنا إلا أن نتمسك بهذه البوصلة؛ لأننا، كما قال شريف الرفاعي «لما لم نعد متفقين على تعريف العدو أخذنا نرسم أعداء جددا بالطبشور الأحمر. لكن تبقى فلسطين ضمانتنا الوحيدة كي لا نضيع. نذهب إليها أو تأتي إلينا، لا فرق».
دمت أيتها «الفلسطين»؛ القضية، الأرض، الإنسان والمقاومة. أنت قضية نتعبد بها ونعشق فيها وفينا، عبرها، ذوق الكرامة، يقظة الضمير، نَفَس اليمام وجمال البنفسج ...
دمت أيتها القضية التي رسمت لون عنفواننا في زمن الذلقراطيات العربية ما قبل الربيع العربي؛ ذاك الزمن الذي كنا نوظفك فيه من أجل أن ننزل للشوارع لنرفع صوتنا ضد أنظمة استبدت بنا. كنت خشبة خلاص في مناخ خنف أنفاسنا .. كنت مصدر إلهام لنضالاتنا في درب الحرية والكرامة ... كنت كتاب دروس ملونة بكلمة "لا" ...
واليوم، ما تزال الرواية روايتك ... البطولة بطولتك ... يتساقط الخائنون من شجرتك خفيفي الوزن كأنهم لا شيء ... يرتقي الشهداء والناشطون من أجلك في سلم القيم المنحازة للحق والعدالة كأنهم كل شيء ...
...
كنت تُسمين فلسطين ...
صرت تُسمين فلسطين ...
...
دمت مقدسة .. إلى الأبد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق