مع الانسان الضحية .. لا مع الانسان الجاني - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الاثنين، 18 أغسطس 2014

مع الانسان الضحية .. لا مع الانسان الجاني

فؤاد بلحسن
belahcenfouad@gmail.com



ماذا بعد قراءة، سماع ومشاهدة خبر يقول: متزوج يخون زوجته في بيت الزوجية؟!
اللجوء إلى التأويل القانوني؟ ممكن
إلى الصمت؟ ممكن
إلى التعليق الطويل على الأحداث بلا بينة؟ ممكن أيضا.
ماذا لو اخترنا، في تمرين ذهني، التأويل السياسي؟
جيد، لنُـعد قراءة فكرة الخبر مرة ثانية: سيد قيادي في جماعة العدل والاحسان ضبط، في بيته، متلبسا في حالة خيانة زوجية؟
هذا يكفي ليتناقل الخبر المئات، بل الآلاف ولأسباب مختلفة، واستنادا إلى نوايا متباينة. لنقل، تأويلا، ان للجميع الحق في ذلك؛ فالخبر مقدس والتعليق حر، كما قال محمد الخامس رحمة الله تعالى عليه.
لنقل، تأويلا أيضا: إن الرجل تجاوز أطره المرجعية التي يبشر بها الناس ليركب ما يستهجنه ويحرمه هو بنفسه بالنسبة للآخرين. وكبر مقتا عن الله أن تقولوا ما لا تفعلوا.
وهناك شيء آخر، يمكن – وأسطر للمرة العاشرة على عبارة «يمكن»، فالقضية على صفيح ساخن - أن نقوله: حتى الآن تأخرت جماعته في إعلان عزله أو على الأقل تجميد عضويته في بيان واضح لا يلوك الكلام ويستفيض في ما هو غير مهم، بحيث تتحمل فيه المسؤولية الأخلاقية عن الحادث ليس باعتبارها الفاعل، ولكن باعتبارها الرقيب على الفاعل وعلى سلوكه وديناميته فهو أحد ممثلي نموذجها الدعوي والتنظيمي.
لو أوقفنا التأويل هاهنا، لصفق جمع وزغرد آخرون، بدعوى أننا نلنا من "الجاني"؟ لكن ... 
دعونا نرى الصورة من زاوية أخرى ..
ولنسأل: ماذا خلف كل هذه الأخبار الطائرة على صفحاتنا التفاعلية ومواقعنا الإخبارية الحاقدة كثيرا وغير المهنية في أكثر الأحيان؟ تلك المصادر التي لا تميز بين فعل القيء وفعل الإخبار. ليس الوقت وقت تلقين دروس في الاعلام، ولكن نعت تلك المصادر بالفاجرة الفاشلة الداعرة لا يعد تجنيا عليها في شيء ولا تجاوزا لحقيقة حالها. فالذين يستأجرون أقلامهم لا شك لديهم ما يكفي من القابلية لاستئجار كرامتهم وربما أعراضهم.
وماذا لو نقف مع كل هؤلاء الطبالين على إيقاع فضيحة الغير- زمرة إعلام الفضائح الذي لا يصطاد سوى في الماء العكر- ؟. إن الكثيرين ممن روجوا لهذه المادة الاعلامية – غير المهنية في غالب الأحياء – يفعلون ذلك بدافع الحقد الأيديولوجي أو السخرة الإعلامية أو التوظيف السياسوي. حتى أني أتساءل: من أخبرهم بهذه السرعة بأن الرجل نقيب أسرة داخل الجماعة، مع ان الجماعة جماعة منغلقة على نفسها وعلى أسرارها التنظيمية؟ ومع اننا لا نرى بهذه المواقع من هو متخصص في دراسة جماعة العدل والاحسان مغربيا ومحليا؟. هلا أخبرتمونا أن مصادركم المباشرة والوحيدة هي أجهزة تعمل خارج القانون والأخلاق، تنتقدونها في العلن وتنسقون معها في السر؟!
قبل حوالي شهر من الآن، راج خبر مفاده أن آنسة وجدت في وضعية غير اخلاقية/جنسية في مقر حزب يساري، فما التفت العقلاء لما قيل، ومنهم عقلاء الجماعة؛ لأن الكثيرين منهم يستطيعون أن يسردوا قائمة بأكثر من حزب وجمعية حيث يوجد بمراحيضها والغرف المظلمة في أركانها وعلى سطحها العشرات من الواقيات الذكرية والملابس الداخلية لمراهقات قاصرات أو لشابات في مقتبل العمر انخرطوا مع شباب مكبوت ومستغل في الرذيلة. من قال: اللهم هذا منكر! ولما لم يتصل أحد ليخبر بتلك الأعمال غير القانونية – كما "فعل" جيران المعتقل، على حد تعبير مواقع الفجور التي تهرف بما لا تعرف، وتحكم قبل أن تعقل؟ ثم أين كان سيف عدالتنا التي "تميز" الخبيث من الطيب بنفس الطريقة التي كان "يميز" بها جدي الكفيف بين الأصفر والأحمر- وأنى له ذلك؟
هل تنتظر منا الأجهزة الاستخباراتية، الأمنية والقضائية التي أشرفت على الاعتقال أن نصفق لتدخلها "العظيم" و"العادل"؟ ماذا عن الوجه الآخر للمشهد الاستعراضي الذي ذكرني بإخراج مظاهرات 30 يونيو في مصر، حيث تم تجنيد التكنلوجيا والصورة وانفعال المتلقي وصدمة الوقائع؟ ماذا يمكنهم ان يقولوا لنا بشأن توفر الشريط على اكثر من إشارة لوجود رغبة دفينة في التشهير وإيذاء الغير وإذلاله والنيل من كرامته وجعله مادة في معركة سياسية تتجاوز حدود مبرر اعتقاله؟ هل يعد تصوير مسرح التلبس بالجريمة وتسريبه جزء من التدخل المراعي للقوانين الجاري بها العمل؟ هل يعد إخراج شخص عار من بيته، ليلا، وامام الأشهاد، وربما بوجود أبنائه، عملا يراعي الضوابط المسطرية المعمول بها؟ من يقتنع بسردية العمل وفق القانون هنا إذا؟!
قبل أزيد من 6 أشهر، اتصلت بمخفر الشرطة طالبا تدخلهم ضد عربدة مخمور كاد يهد أبوابا بزنقتنا على أصحابها، وما إن شرعت في الحالة حتى هم الطرف الآخر من الخط بقطع المكالمة بصورة مستفزة. عاودت الاتصال، فلم يجب أحدا وظل الهاتف يرن ثم يرن بلا مجيب.
قبل أقل من أسبوع، اتصل ابن عم لي بالشرطة، طالبا تدخلهم لأن مخمورَين يضربان بقنينات خمر على باب بيته، وهو على وشك ان يفقد اعصابه فيدخل في شجار لا يبقي ولا يذر ضدهم. لكن لم يلتفت المعنيون بطلبه واستغاثته، ولم يخلصه من هؤلاء إلا أقرباء لهم اتصل بهم لنجدته.
أين التدخل السريع في الوقت المناسب كما حصل في حادثتنا هذه، التي تم فيها التدخل، بدقة، في الفترة بين نزع الملابس وانتهاء القذف!
بالتأكيد، لا نحتاج إلى التذكير بسرديات تبدأ ولا تنتهي من سفر قصص اللاأمن واللاطمأنينة واللاسلامة المنتشرة في المدينة في أكثر من مكان وحي. فهي قصص باتت كنار على علم. تخجل وترهب وتفسد طعم الحياة على الناس في مدينة تقتل إنسانها على نمط «القطرة قطرة».
وإذا كانت الجرأة لدى العدل والاحسان، كما عهدناها، تبلغ حد الفصل المباشر لكل من لعب برأسه الشيطان وهتك حجاب الأخلاق أو اقترف الخيانة، فإنني أعلم أن هناك أحزاب من اليمين واليسار من يستقبلون العاهرات استقبال الأبطال ويدفعون من تبيع كرامتها بأبخس الأثمان لمراكز القيادة والتمثيل، ويحتضنون بالأذرع والقبل شبابا يتلذذ بمعاكسة القاصرات وربما باللعب بأفخاذهن البريئة. يا ليتهم يصمتون، فعارهم يندى له الجبين!
متى كانت العدل والاحسان تتبع مؤخراتكم حتى تتبعوها أنتهم. أليس هذا دليلا على أنكم ورائها، تربية وتنظيما وزحفا. وإذ تفعلون فإنكم تكونون بذلك تقيمون الدليل على قيمتكم الحقيقة لا أكثر. هل تسمحوا لنا ان ننعتكم بـ «حراس المؤخرات»، الأوفياء لقضيتهم "الوطنية" الكبرى هذه !؟
وماذا عن الأحزاب وجمعيات حقوق الإنسان، التي دوخت رؤوسنا بحماية الحقوق والحريات المدنية كما هي منصوص عليها دوليا. تلك الجمعيات التي لا يغمض لها جفن كلما مس خدش "مناضلا" من مناضليها "الكبار" إلا بعد ان تكتب بيانا طويلا يذَكر بالقانون الدولي الانساني وانتهاكات القانون الوطني وحقوق الإنسان وحرياته وشبهة الكيد وراء فعل الاعتقال؟
وإذ أقول هذا الكلام لا أجد في نفسي ما يدفعني للدفاع عن العدل والإحسان، فتلك مهمة لا تغريني ولا أرى في ما يكتب، إيجابا أو سلبا، عنها ما من شأنه أن يزيد أو ينقص من رصيدها. هذا بالإضافة إلى أن مؤسساتها الاعلامية الخاصة و"مجاهدوها" الإعلاميون وأقلامها الأيديولوجية أكثر من أن تُعَد. بل ما يدفعني هو صدمة المشهد الاستعراضي؛ فالصورة التي عُرض بها رجل أعرفه وطالما حدثني بأدب جم ووقار لا تخطئه العين، هزتني بعمق بقدر ما هزني تحامل مواقع السخرة عليه وعلى ضعف فيه نتحسسه فينا، نحن أيضا كبشر، باستمرار وباعتياد، ليس في قضايا الجنس فحسب، بل في ما هو أكبر من ذلك أيضا. فالجنس ليس أم القضايا، بل ربما هو الشيء الأكثر غريزية فيها والأقل قيمة من الناحية المعنوية في آن.
لا شيء يبرر عملا شنيعا كالذي "اقترفه" (إلى أن يثبت العكس قضائيا)، ولكن لا شيء يبرر التشنيع برب أسرة، وأب لثلاثة أولاد – أعلم كم كان يحبهم – وبشخص كان مطلوبا أن يُعامل كمتهم لا كأداء استعراضية في مشهد ينطق، قانونيا وسياسيا، بضد ما أراده ناقلوه.
والغريب في بلدي أن ممارسي مختلف أشكال الأعمال الجنسية غير القانونية تراعى حرمتهم (لا يتم تصويرهم بأشرطة فيديو في غرف النوم وهم مجردون من ثيابهم، لا توضع أشرطتهم على الشبكة العنكبوتية، لا يتم إرغامهم على الخروج عراة إلى الشارع، ...)، فقط الإنسان الذي يحمل ذرة مواقف ضد التيار من تجب إهانته، انتصارا لعدالة مزعومة، نسمع عنها الكثير ولا نرى منها غير القليل.
كلنا صرنا من محبي الرقص على أوجاع المستصرخين؛ البعض منا يرقص على وجع الوطن، والآخرون على وجع فلسطين، وغيرهم على وجع الإنسان المختلف ... والخوف الخوف ليس على غيرنا، بل على الانسان الذي يذوب فينا، في أنفسنا، ليحولنا إلى مجرد لاقطات لموجات تبث من الرسائل ما يدمر جمالنا، أخلاقنا، تسامحنا، وجودنا، العيش المشترك بيننا وحب الآخر فينا.
في انتظار أن تدين جماعة الرجل فعله غير الديني وغير الأخلاقي وغير القانوني، وتعزله من مسؤوليته التنظيمية، مع الاعتقاد والاعتراف بأن ليس من مهامها صناعة الملائكة بل «الإصلاح ما استطاعت» من جهة، ومن جهة أخرى، أن تتكفل بأسرته إلى أن تعبر هذا المنعطف الحزين والعنيف. فالعار أيضا في تنكر أي تنظيم لأبنائه الذين قدموا له الغالي والنفيس لمجرد أخطائهم المتوقعة والبشرية.
أن يعترف هو بخطئه، أن يعبر عن ندمه واعتذاره لزوجته وأبنائه، وأن يستجمع ما يكفي من الشجاعة لينال عقوبته بصبر ويعود ليدافع عن مبادئه واهدافه بأفضل مما فعل في ما مضى.
أن يصير القانون في هذا الوطن يساوي بين الجميع وينظر للوقائع لا إلى الأشخاص وانتماءاتهم السياسية، او ان يتحول إلى مجرد أداة تحكم وسيفا مسلطا على رقاب المستضعفين فقط. فالخيانة خيانات في هذا الوطن الذي شرعت القيم تفر منه فرار الخائف من الأسد.
كلنا ناقصي تربية ولا أحد له الحق أن يرمي آخرَه بالحجر ما دام بيته من زجاج.
مع الإنسان لا مع الجاني
مع القانون لا مع أجهزة التمييز
مع الوطن لا مع السجن الكبير
...
والله خير المنتقمين من الجاني ومن الجاني على الجاني!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق