فؤاد بلحسن
belahcenfouad@gmail.com
-
شبه
غياب لطبقة متوسطة !
-
اقتصاد
محلي يغلب عليه الطابع الفلاحي، مرتبط بشكل شبه كامل بتقلبات المناخ (اقتصاد غير
مستقر) !
-
استثمار؛
عام و خاص؛ مشلول، بل يتراجع القهقرى !
-
مرافق
اجتماعية (جامعات؛ معاهد؛ ...) محدودة، في ظل سياسات اجتماعية مغشوشة !
ضمن هذا المربع يتموقع وضع
الطلاب الخميسيين الذين يجدون أنفسهم منذ بداية مشوار دراساتهم العليا أمام صعوبات
يشيب لها الـِولدان !
ربما لهذا لا تدوم فرحة نيل
شهادة الباكالوريا طويلا: اختيارات محدودة، أبواب موصدة، أسوار عالية و إمكانات مُـثَـبِّـطة.
إنك في وضع لا تحسد عليه يا هذا !
يسعى هذا المقال إلى تحديد
نقاط تقاطع المحددات الأربعة أعلاه (أضلاع المربع) مع الصعوبات التي تعترض طلاب
إقليم الخميسات الدارسين خارج هذا الأخير.
*
* * *
يبدو أن ثمة مشكلتين رئيسيتين
تواجهان طلاب الإقليم: الإمكانات المادية المهترئة من جانب، ومن جانب آخر بعد مواقع
الجامعات و المعاهد و المدارس العليا عن محال الإقامة (غياب تام لكليات أو جامعات متعددة
التخصصات و شبه كلي للمعاهد والمدارس
العليا في الإقليم).
قبل أسبوع (السبت 6 أكتوبر)،
أطلقت مجموعة "الخميسات سيتي" بصفحتها على شبكة التواصل الاجتماعي
فايسبوك السؤال التالي:
أنت أيها الخميسي(ة)، ما هي الصعوبات التي
تواجهها كطالب(ة) يدرس بجامعة خارج إقليم الخميسات؟
شارك في تقديم أجوبة و التعليق عليه حوالي 30 عضوا – بين معجب
بالموضوع و عارض لوجهة نظر فيه.
و يمكن عرض أهم المشاكل
المرتبطة بالإمكانات المادية التي عرضها المشاركون في التالي:
-
صعوبات
مالية (بشكل عام)
-
مشكل
تغطية مقابل الكراء.
-
منحة
حكومية هزيلة، لا تسد الحد الأدنى من الحاجيات و لا يستفيد منها الجميع. بل تُمنح على أساس معايير غير موضوعية.
-
وغيرها
من المشاكل.
وقد
علق أحدهم (م. م)* على فكرة الاصطدام السريع لطلبة الإقليم بعرض الحائط قائلا ما
معناه: يذهب طلابنا بعد الباكالوريا إلى
خارج المدينة من أجل الاستراحة سنة كاملة بإحدى الجامعات ليعودوا في العام التالي
للتسجيل في مؤسسة محلية كالمعهد العالي للتكنولوجيا.
و
بذلك يتحول الاستثمار المنتظر في الطلاب إلى هدر محتم للطاقات و مسا بالحق في
التعليم و دورانا شقيا في رحى اختيارات الحد الأدنى. اختيارات تبتدأ بالاكتفاء
بالحصول على دبلوم لا ينسجم مع عروض سوق الشغل و تنتهي بتوجه الحاصل/ة عليه إلى
العمل بإحدى المعامل، في شمال البلاد أو جنوبه، التي تعتمد سواعد العمال بغض النظر
عن شواهدهم! . و هو مشهد درامي يشهد على انحطاط قيمة الإنسان
هنا: بشر للتصدير، و يعيد كتابة فصل جديد من تاريخ المدينة على منوال فصل مضى: إذ لا يمكن أن ننسى
أن المدينة تأسست سنة 1935 من قبل المستعمر الفرنسي الذي جعل منها مركزا لتهيئة
الجنود المغاربة (خاصة المنحدرين من المنطقة) لإرسالهم لجبهة الحرب العالمية
الثانية.
قبل
أيام، كتب الصحفي النشيط عبد الله أمحزون (صحفي مهتم بالشأن المحلي للإقليم) تعليقا
على صفحته بالفايسبوك يندد فيه بالسياسة الفاشلة لسلطات الإقليم في شخص العامل في
مجال تدبير منح التعليم العالي قائلا: « ... حيث تبين أن مجموعة من الأشخاص الذين لا يستحقون المنحة نظرا
للدخل المريح جدا لأوليائهم استفادوا من المنحة في حين هناك حالات لا يتجاوز دخل
الأسرة فيها 4000 درهم سنويا حرمت لأسباب واهية من قبيل أن الملف لم يدفع مع
الأوائل، ليصبح المعيار هو من يدفع الأول وليس الحالة الاجتماعية العائلية [...] في حين يستفيد بعض أبناء الدخل المحترم وذوي
العلاقات والمحسوبية والزبونية... . «
هذا
المدخل يسمح بإدانة أوسع لطرق تدبير ملف تمكين الطلاب من خدمات أساسية من شأنها
تسهيل اندماجهم الإجتماعي و تحقيق تفوقهم الدراسي و الحد من الإقصاء الاجتماعي و
الطبقية في التعليم.
طلاب
المدينة و الإقليم عموما، يتكدسون في غرف الأحياء الجامعية، يتحملون شظف العيش،
يصارعون أنفسهم في تدبير ميزانيات شخصية هزيلة، ... باختصار: طلاب الإقليم مقاومون و ضحايا: مقاومون على درب العلم
في معركة تحقيق الذات، و ضحايا اختيارات سياسات
عمومية فاشلة !
جانب
مهم من سياسة بناء أحياء جامعية جديدة التي يشرف عليها المكتب الوطني للأعمال
الجامعية الاجتماعية و الثقافية تعيد إنتاج التمييز الاجتماعي في الاستفادة من
الخدمات و تُكرس لا تكافؤ الفرص (بيت المعرفة في الرباط – بمدينة العرفان - مثلا التي خصصت لإيواء الطلبة، يصل سعر السومة
الكرائية الشهري بها إلى أسعار خيالية تفوق الدخل الشهري لأولياء أمور طلاب
الطبقات الفقيرة: بين 1100 درهم كواجب شهري للشخص في غرفة مخصصة لشخصين و 1650 درهما في الشهر إذا تعلق الأمر بغرفة لشخص
واحد. هذا، عدا تقديم تسبيق لثلاثة أشهر من السكن و 2000 درهم كضمانة بداية السنة).
و
هو تمييز يطال طلبة الإقليم على مستوى آخر أكثر تسيسا، ففي الرباط مثلا، ينال طلبة
الجنوب معاملة تفضيلية في الحصول على المنح و السكن الجامعيين و تسهيلات أخرى (في
التنقل مثلا) على حساب هؤلاء و غيرهم. وهو ما يدفعنا إلى التسائل: ألا يستحق
الطلبة الوافدون من أقاليم ضعيفة على مستوى كل مؤشرات التنمية (الصحة، التعليم،
الدخل الفردي، الإنتاج المحلي، نسبة الطبقة المتوسطة إلى مجموع سكان الإقليم، ...)
إلى معالمة تفضيلية كذلك؟.
وعودة
إلى سياسة ملف تدبير المنح الجامعية، إذ
تمثل هذه الأخيرة مؤشرا كافيا على تخلف السلطات في إدارة هذا الملف. وبغض النظر عن
لاموضوعية معايير الاستفادة من عدمها، تمثل قيمة المنح في حد ذاتها موضوعا للسخرية
بامتياز: منح لا تساير مستوى التضخم النقدي الحاصل بالبلد خلال الثلاث عشريات
الأخيرة !. كان هذا الوجه الأول
للقصة الخزينة.
أما
وجهها الثاني، فهو استمرار تجاهل راهنية مطلب خلق جامعة متعددة الاختصاصات و في
الحد الأدنى كليات متخصصة ملحقة. لقد عبر عن هذا المطلب العديد من السكان المحليين.
نجد بهذا الخصوص شهادة لأحد المعلقين بالمجموعة أعلاه « د. د.»* : " لو كانت
في الخميسات جامعة متعددة الاختصاصات لما كانت مشاكل. فأغلب المشاكل التي يواجهها أبناء
الخيمسات مادية وعدم حصولهم على الحي الجامعي؛ خاصة إذا كانوا في عامهم الأول. ولا
مبرر للدولة أن تترك إقليما كبيرا كالخميسات بدون جامعة علما أن هناك أقاليم أصغر
من الخميسات تتوفر على جامعة" !.
لقد
تأسس الإقليم منذ سنة 1973 على أساس التقطيع الإداري لتراب البلاد الذي أجري حينها.
و منذ ذلك الحين - و قبل ذلك بالتأكيد - و هو يغلب عليه الطابع القروي و تتوسط هذا
الأخير مراكز حضرية هنا و هناك، و على رأسها مدن الخميسات، تيفلت و والماس. و عرف
الإقليم هجرة قوية خلال سبعينات القرن الماضي، و هو ما يفسر صعوبة تشكل عائلات ذات
دخل متوسط (طبقة متوسطة). لذا يسود فيه مستوى كبير من الفقر. وقد باءت محاولات خلق
أقطاب صناعية (مثلا، الحي الصناعي - مدينة الخميسات) بفشل ذريع، و بقي النشاط
الصناعي جنينيا. و استمر الطابع الفلاحي التقليدي يغلب على النشاط الاقتصادي للإقليم.
كل هذا يعطي إشارة واضحة عن الخلفية المادية التي تؤطر مستوى عيش الطلاب بمدن التمدرس
الكبرى؛ كالرباط، القنيطرة، مكناس، الدار البيضاء وغيرها، لما يتطلب ذلك من تحمل مصاريف
الكراء، التنقل، التمدرس، المأكل، ... إلخ. قد لا يكون في الأمر أي مبالغة إذا قيل
أننا، والحالة هذه، نكون أمام قصص بؤس متوالدة في الزمن منذ وقت طويل !
لذا،
قد يكون إيجاد كليات أو جامعة ما واحدا من الحلول التي يمكن أن تصب في تفكيك
العديد من العقد الإجتماعية المتحصلة مما قيل أعلاه.
هذا
النقاش يرجع بنا إلى سنوات خلت. نتذكر جميعا أنه في إحدى الاستحقاقات الانتخابية (الانتخابات
التشريعية لسنة 2002)، طفت على سطح النقاش العام المحلي إعلان أحد المترشحين
البرلمانيين (الورديغي) على أن بناء جامعة بالمدينة سيكون واحدا من أولويات
برنامجه الانتخابي في حالة فوزه.
انتخب
الناس الرجل و جلس على كرسي مجلس النواب، و بعد حين ابتلعته العاصمة و أدار دهره
للوعود و للمنتخبين على السواء !
و
لهذا، يرى العديد من السكان المحليين اليوم بعين الريبة المعلومات/الشائعات التي
تروج هنا و هناك و تقضي بأنه تم تحديد مساحة أرضية في المدخل الشمالي للمدينة
لتكون مقرا لجامعة مرتقبة في المنظور القريب. و تشاء الصدف مرة ثانية أن يتم ترويج
هكذا معلومات/ إشاعات قبيل الانتخابات البرلمانية المرتقبة في شهر نوفمبر القادم.
كأن التاريخ يأبى إلا أن يعيد نفسه في هذا الإقليم!
... !
لا
تتوقف الدورة الدراماتيكية في نهاية مرحلة التحصيل العلمي و الحصول على شواهد، بل
تستمر عبر حلقة أخرى: اللاتوافق القائم في سوق الشغل بين عروض العمل و طلبات
التشغيل! من يتحمل نتائج ذلك؟. بلا أدنى حرج، تفضل السلطات العمومية التنصل من
مسؤولياتها على هذا الصعيد، و لا تبدي استعدادا في تقديم إجابات عملية لحل هذا
المشكل الذي يعطل القوى العاملة النشيطة (مشكل وطني يتأثر به، سلبا، الطلبة حاملي
الشواهد بمختلف أصنافها بالإقليم بشكل أكبر و أهم في ظل اقتصاد محلي عاجز كليا عن
امتصاص البطالة عبر خلق فرص شغل كريم). من يتحمل مسؤولية تعطل عملية إدماج مئات
الطلاب المتخرجين سنويا من المعهد العالي للتكنولوجيا التطبيقية بالمدينة في سوق
الشغل؟!.
* *
* *
إننا
نعيش في دولة متخلفة يقودها ساسة فاشلون. و يعكس إقليم الخميسات هذه الصورة بأمانة
لكن بمأساوية أكثر: يفضل رجال السلطة به – على رأسهم العمال المتواترون على
الإدارة - ممارسة سياسة النعامة أمام المشاكل المزمنة المتراكمة، كما و يحجم
الرؤساء الجماعيون المتعاقبون عن القيام بمبادرات إنمائية حقيقية ترفع من
الدينامية الاقتصادية للجماعات المسؤولين عنها. هكذا، صارت فضيحة هؤلاء جميعا أشهر
من نار على علم. و المحصلة بالنسبة لطلاب المدينة و الإقليم عموما: دوران في حلقة
مفرغة يكاد يحبس الأنفاس ويجهض الأمل، أو ما تبقي منه !
على صفحة نفس المجموعة
الفايسبوكية ختمت الآنسة « ن. ب.»* تعليقها بالقول:
«... سنظل رغم الداء والأعداء كالنسور في القمة الشماء». و بالتالي، فالمعركة قائمة و مستمرة بين
هؤلاء و أولئك. و الحراك الاجتماعي لجزء مهم من الشارع المحلي اليوم ضد الفساد و
سوء التدبير بالمدينة و بالإقليم عموما شاهد على ذلك بامتياز !
*الأسماء بالأحرف الأولى أعلاه هي أحرف أولى لأسماء فايسيبوكية
قد تكون مجرد أسماء افتراضية من وضع أصحابها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق