فؤاد بلحسن
belahcenfouad@gmail.com
"..
لن نستفيذ كثيرا من اتهام السياسيين بأنهم لا يفقهون الأمور التي يتخذون قرارات
بشأنها. و الأفضل من ذلك أن نفقه عملية صنع القرارات و الملابسات التي تحيط بصنعها
و تُحيق بصانعيها، لنتوصل إلى تحسين هذه العملية و تحسين ملابساتها و هذا ما يحاول
علم السياسية أن يقوم به"
د. حسن صعب
المقدمة:
لا
يعدّ من المبالغة، اعتبار ظاهرة القرار السياسي محور كل حياة سياسية، و لعل أهميته
تلك هي الذي دفعت بِـوليام لابيار إلى القول بأن « حيازة أو ممارسة السلطة تكمن في
اتخاذ القرارات السياسية، و أن المشاركة في السلطة تتحدد من خلال التأثير في
العملية القرارية»[1].
و في
نفس السياق، يرى د. عبد العزيز المغاري،
أن التنظيم السياسي - الذي يتوخى دائما هيكلة المجتمع - يأتي دائما على صورة اتخاذ القرار، و هنا يقع
الاهتمام بمسلسل التقرير و الذي يخضع لدرجات متفاوتة من التأسيس (أو المأسسة، أي
القيام على مؤسسات و قواعد مسطرية)"[2].
لذا يمكن القول، أن القرار السياسي يمثل منعطفا
بين مسارين، قد يفترق التاريخ عنده إلى قسمين في لحظات تاريخية حاسمة معينة.
و لهذا،
ظهرت مدارس تحصر مفهوم السياسة بشكل عام في دراسة اتخاذ القرار السياسي[3].
و
عموما، تكتسي دراسة عملية اتخاذ القرار
السياسي تعقيدا كبيرا، ذلك لتشابك أبعادها؛ و من ذلك على سبيل المثال،
طبيعة الظروف الموضوعية التي تدفع إلى اتخاذ قرار معين و نوعية القيم المتنافسة في
كل مرحلة تمت فيها عملية اتخاذ القرار و مدى التأثير بالإرتباطات الثقافية و
الطبيعية و المصلحية لواضعي القرار على تصوراتهم وتوقعاتهم و تقييمهم للقرار و
تأثير الضغوط المحيطة باتخاذ القرار و نوع الخبرات التي لصانعي القرار[4].
و
هناك تباين واضح حول تحديد تعريف للقرار السياسي، و يجمل د. محمد شقير هذ التباين
في ثلاث تعاريف رئيسية:
أولا:
التعريف النفسي، الذي يؤكد أن القرار السياسي هو «نوع من التخلص من حالة من حالات
التوتر من جانب الطبقة الحاكمة»؛
ثانيا:
التعريف التنظيمي الذي بمقتضاه يعرف القرار السياسي بأنه «نتيجة لتدخل عدة فاعلين
داخل نظام معين»
ثالثا:
التعريف السلوكي الذي يرى في القرار السياسي «سلوكا سياسيا و أداة من أدوات التحكم
في الوسط السياسي»
و
يبدو أن التعريف الثالث يتميز باقترابه من الحقل السياسي و بطابعه الشمولي حيث
يركز على البعد السياسي الذي يتضمن باقي الأبعاد الأخرى، ذلك أن السياسة تتحرك
بمحركات نفسية و تزاول من خلال إطارات تنظيمية، بل و تشمل محركات و فواعل أخرى[5].
و يقصد
بعملية صنع القرار، التوصل إلى صيغة أو اختيار بديل من بديلين أو أكثر، باعتبار أن
هذا البديل هو الأكثر قدرة على معالجة المعطى القائم.
و
شكلت هذه العملية موضوعا لعدة مقاربات، لعل أهمها: نموذج النظم، و نموذج الجماعة،
ونموذج النخب، ونموذج المؤسسة، و نموذج المباراة.
لقد
شكل القرار السياسي بإحداث هيئة الإنصاف و
المصالحة، حدثا بارزا في تاريخ المغرب المعاصر، على الأقل من الناحية
السياسية. و حتى هنا، تمة إجماع [6] على
أنه قرار مهم، و جريء، و سابقة في تاريخ المنطقتين العربية و الإسلامية[7]،
هدفت من خلاله الدولة إلى ترميم "المجتمعي" من خلال ترميم الذاكرة
الجماعية - الوطنية، التي مزقتها سنوات " عجاف " طبعتها أحداث أثرت سلبا
على وضع حقوق الإنسان[8]؛
فيما يسمى في العرف السياسي المغربي بسنوات الرصاص.
و
على حد قول خالدة عليوة:" لقد افتتح الإستقلال مرحلة بناء الدولة، مرحلة
غذاها اكتشاف الدولة - الأمة الجديدة لاحتكار القهر، لتوسيع البيروقراطية، للتسيير
المركزي.."،و قد كان النظام العلائقي المطروح للنقاش – بين المؤسسة الملكية والأحزاب
الوطنية – يتمفصل حول إعادة تنشيط ممارسة التراضي عبر تجديد علاقات ثلاثة أقطاب في
السلطة: السلطة الملكية، السلطة التشريعية، سلطة تسيير جهاز الدولة (الحكومة). إلا
أنه خلال حقبة استتباب السيادة (1956-1960)، كشف قيام ذلك النظام عن وجود
استراتيجيات متنافسة بين القصر و الحركة الوطنية. كان من الطبيعي أن تحرّك
المنافسة عوامل انشقاق حول محتوى البناء الدستوري الذي شكّل فيه تقدير حجم صلاحيات
كل قطب من الأقطاب الثلاثة الجانب الأكثر إثارة. لقد كان النظام السياسي يتعرض
لضغط قوي في وقت لم يكن فيه مطواعا و مُروّضا على إدارة الشقاق[9]. و
زاد من حدة الصدام، ظهور تيارات سياسية جذرية (ماركسية؛ إسلامية؛ انفصالية؛ أعضاء
جيش التحرير؛...) مناوئة للنظام السياسي ،
و حركة مجتمعية؛ ذات مطالب معيشية (الريف؛ فاس؛ الدار البيضاء؛ الأطلس المتوسط)،
مهددة "للنظام العام"، فكانت النتيجة: سلسلة من الصدامات العنيفة [10]-
الدموية في حالات كثيرة – والمحاكمات السياسية[11]- التي
لم تُعدَم "نصيبها" من عنف الدولة.
و هي
الأحداث التي عبّرت - و ربّما لا زالت – عن فشل النظام السياسي في صياغة قواعد
للصراع السياسي السلمي، مُجمع عليها، في إطار من تراضي مختلف الفرقاء.
أمام
هذه الخلفية (المناخ التاريخي العام)، جاء القرار السياسي بإحداث هيئة الإنصاف و
المصالحة. و لم يكن القرار المذكور ليرى النور إلا بعد مخاض عسير، تدحرجت فيه
أحداث، و تفاعلت رهانات و مصالح، و ضُـربت مواقف على مواقف. ومما زاد من الأمر
عسرا، ارتباط الموضوع بقضيتين مركزيتين في حياة كل الشعوب:
*
التاريخ الجمعي ( مرحلة ما بعد الإستقلال إلى 1999)؛
*
التطلع إلى مستقبل خال من شبح العنف، مع حفظ الذاكرة الجماعية.
و من هنا كانت أهميته - و أهمية الدراسة ذاتها -
لما كانت الغاية منه فصل التاريخ السياسي المغربي إلى قسمين، في صيغة
"الماقبل " و " المابعد".
على هذا الأساس، تنبني الدراسة على طرح إشكالية
رئيسية: أبعاد صناعة القرار السياسي بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة.
و
ذلك على أساس معالجة السؤالين المركزيين التالية:
* ما
هي الشروط السياسية و الإجتماعية و التاريخية لعملية صناعة القرار السياسي بإحداث
هيئة الإنصاف و المصالحة (السياق القراري)؟
* ما
هي مفاصل عملية صناعة القرار السياسي بإحداث هيئة الإنصاف و المصالحة (العملية
القرارية)؟
و ذلك
و فق الفرضيات التالية:
* أن
إرهاصات القرار المذكور بدأت في مرحلة سابقة على تاريخ تولي الملك محمد السادس
العرش.
* أن
هذا القرار مرتبط بمشروعية الدولة.
* أن
اتخاذ هذا القرار لم يكن موضوعا لمطلب وطني عام.
* أن
هذا القرار كان مستوفيا لشروط القرار السياسي الإيجابي.
وستكون الآلة المنهجية المعروفة بـ: تقنية تحليل
المضمون، التقنية المنهجية المعتمدة في تناول/مقاربة هذا الموضوع، و ذلك من خلال
الإجراءات التالية:
·
استقراء النصوص القانونية و الخطابات السياسية و
بيانات/مواقف المجتمع االندني؛
·
محاولة تقصي القرار عبر سياقيه الخارجي و الداخلي؛
·
تركيب نتائجه المباشرة و غير المباشرة.
على ان تكون المستويات الآتي ذكرها مستويات التحليل
المعتمدة:
* التطور التاريخي لمعالجة ملف الإنتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان؛
* سلوك الفَعَلَة المباشرين؛
* محيط القرار.
وإذا كان من وراء هذه الدراسة فائدة ما تُذكر(أهمية
الدراسة)، فلعلها:
1- بيان دينامية الظاهرة القرارية (قرار إحداث الهيئة
نموذجا)؛
2- بيان أهمية القرار السياسي ؛عموما؛ داخل "
السياسي" ( قرار إحداث الهيئة نموذجا)؛
3- حدود صناعة القرار السياسي ؛عموما (قرار إحداث الهيئة
نموذجا)؛
4- تطبيق بعض النظريات المرتبطة بالقرار السياسي.
و كأي بحث في قرار سياسي ما، تصدّت الباحث هنا كذلك
صعوبتين أساسيتين:
- عدم القدرة على تكميم/قياس مختلف التأثيرات التي أسهمت
في صناعة القرار السياسي موضوع الدراسة؛
- إضمار الخطاب الرسمي – دائما -لأجزاء مهمة من الحقيقة
التي تُأثث العملية القرارية (العلبة السوداء).
و
وفق هذه الخطاطة، سيتسم معالجة الموضوع على أساس التقسيم التالي :
المطلب
الأول: السياق القراري
الفرع
الأول : ... وتنفّس التاريخ!!
الفرع
الثاني : جرأة أكبر ... لكن بحذر
المطلب
الثاني: العملية القرارية
الفرع
الأول : تفاعلات ... فموقف
الفرع
الثاني : مقاصد قرار
الفرع
الثالث : وحدة في المبدأ ...لكن بدون ضمانات لعدم الإختلاف
المطلب
الأول: السياق القراري
يمكن
تقسيم السياق- العام و الخاص – الذي تبلور في خضمه قرار إحداث هـيئة الإنصاف و المصالحة
إلى قسمين : مرحلة حكم الحسن الثاني، و التي مثلت فيها سنة 1990 انعطافة كبرى في
نظرة الدولة إلى ملف حقوق الإنسان، و المرحلة التي بدأت مع تولي ولي العهد – محمد
ابن الحسن- للعرش عام 1999.
الفرع
الأول: ... و تنفس التاريخ !!
"
نعم، إن ما أندم عليه كثيرا هو أني كنت ميّالا إلى التعامل مع الآخرين بتلقائية وأمنحهم
ثقتي بسرعة بدون إخضاعهم لأبسط اختيار نقدي، و هو ما دفعني – إذا جاز القول – إلى
ارتكاب أخطاء، مهما تكن أهميتها، فهذا سبب أخطائي و هفواتي ... إنني آسف بطبيعة
الحال للوقت الذي قضاه هؤلاء الأشخاص في السجن، و آسف أكثر عندما أفكر في الكيفية
التي عوملوا بها..."[12].
كان
هذا التصريح المثير تصريحا من لذن الراحل الحسن الثاني للمجلة الفرنسية"
نوفيل أوبسيرفاتور "!!
لا
للدهشة إنها البداية.
شكل
إحداث المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان - 8 ماي 1990، اللبنة المؤسسية الأولى في المسار
الجديد الذي اختارته الدولة؛ من أعلى سلطة بها؛ تلته مبادرات تصب في نفس الإتجاه:
" طي صفحة الماضي". منها على سبيل المثال:
- إحداث
لجنة البحث و التقصي في الأحداث التي عرفتها مدينة فاس في دجنبر 1990.
- إطلاق سراح المخفيين قسريا بالمركز السري السابق بتازمامارت –
شتمبر 1991 ، و شمول نفس العملية لمراكز أخرى في كل من قلعة مكونة وأكدز، و
إغلاقها جميعا.
- التنصيص
في ديباجة دستور 1992 على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
- إحداث وزارة مكلفة بحقوق الإنسان.
- صدور قرار العفو "الشامل" المترتب عن الخطاب الملكي لـ
9 يوليوز 1994، حيث تم بموجبه إطلاق سراح معظم المعتقلين السياسيين و عودة
المنفيين لأسباب سياسية.
- هيئة التحكيم المستقلة للتعويض المترتب عن الضررين المادي و
المعنوي لضحايا و أصحاب الحقوق ممن تعرّضوا للإختفاء و الإعتقال التعسفي، منبثقة
عن الإجتماعين 12 و 13 للمجلس الإستشاري لحقوق إلإنسان و تمت المصادقة على نظامها
الداخلي[13]
من قبل لجنة التنسيق و المتابعة في جلستها المنعقدة في 14 شتمبر1999 (أي بعد وفاة
الحسن الثاني).
و قد
دعم هذا التوجه، تلاشي الصراع "في السنوات الأولى من التسعينات مع انطلاق مسلسل
التوافقات بين النظام و المعارضة من خلال سعي الدولة المغربية إلى مواكبة
المستجدات الطارئة في الساحة الدولية، من خلال الوعي بالتغييرات القائمة، حيث اتخذ
الملك الراحل الحسن الثاني المبادرة في هذا الإتجاه حينما بدأ الحوار مع القوى
السياسية المعارضة بشأن الإصلاحات السياسية و الدستورية و كذا قضية المشاركة في
السلطة ، كما أن حُسن نية النظام جاءت نتيجة عدول المعارضة عن منطقها الصدامي، و
مراجعتها لمواقفها اتجاه النظام، و هو ما تجلى من خلال رسالة تصويت هذه المعارضة
بالإيجاب لفائدة دستور 1992."[14]
و إذا كان المتغير الداخلي المتمثّل في رغبة
الدولة في معالجة ملف الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، و الإنخراط فيما سمي
حينها بالسكة الديمقراطية ، من جهة، وفي البعد الذاتي في شخصية الراحل الحسن
الثاني – و هو ما يوحيه بقوة التصريح أعلاه من جهة أخرى - الأثر البليغ في تحديد
شكل مقاربة الملف، فقد أدى وجود ضغوطات داخلية، للمجتمع المدني على وجه الخصوص، تطالب
السلطة الحاكمة بفتح تحقيق حول المعتقلات السرية (تازمامارت مثلا) دورا لا بأس به،
وخاصة عندما كانت تلعب ورقة التنسيق مع جهات خارجية أجنبية (منظمات المجتمع المدني
المهتمة بحقوق الإنسان، جهات رسمية دولية،...)، من أجل التشهير بوضع حقوق الإنسان
بالمغرب.
هذه
الجهات الخارجية ، يمكن أن نعتبرها المتغير الثاني الأهم في علاقات القوة بين مختلف أطراف ملف الإنتهاكات.
إذ
أن المتغير الخارجي – بالتأكيد – أدى دورا حاسما في الموضوع.
ففي
تلك المرحلة التاريخية، كان المغرب يتعرض لوابل من الإنتقادات الخارجية الموجهة
إلى جهاز الدولة و السلطات العليا بها، على أساس أنهما مصدران مباشران متورطان في
الإنتهاكات البليغة التي تتعرض لها حقوق الإنسان بالمغرب. وقد شارك في هذه الحملة
وسائل إعلام و منظمات المجتمع المدني و مثقفون وسياسيون أجنبيون، وخاصة الأوربيون.
الأمر
الذي جعل من نشاطات منظمة العفو الدولية – مثلا - المنتقدة لوضع حقوق الإنسان
بالمغرب تشكل موضوع بحث على طاولة الـمجلس إلإستشاري لحقوق الإنسان[15]
خلال دوراته الأولى و الثالثة و السادسة. كما أنه خلال دورته الثانية، شكلت برامج
وسائل الإعلام الفرنسية الرسمية المنددة بهذه الوضعية بندا داخل قائمة جدول
الأعمال.
الفرع
الثاني : جرأة أكبر... لكن بحذر
توفي
الحسن الثاني قبل أن يغلَق ملف ما سمي بـ " طي صفحة الماضي"، فكان لزاما
على الملك الجديد أن يستأنف أشواطه.
و
استمر المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان في أداء دور المختبر السياسي لتدبير هذا
الملف في العهد الملكي الجديد، باعتباره – كما كان دائما - هيئة استشارية للمؤسسة
الملكية .
و
بعد أقل من شهر على وفاة الملك الحسن الثاني – و كأي سياسي يتطلع إلى وشم التاريخ
بلمسات مميِّزة و مميَّزة– أعلن الملك محمد السادس في 16 غشت 1999[16]
عن قراره القاضي بإحداث هيئة[17]
لتعويض ضحايا الإختفاء القسري و ذوي حقوقهم، و بتعيين أعضائها، كما طالب بتوسيع
دائرة التعويض لتشمل كذلك ضحايا الإعتقال التعسفي وذوي حقوقهم[18].
إلا
أن واقف/مبادرات المجلس و كذا السلطة
الحاكمة – و حتى بعد إنشاء الهيئة الأخيرة – ظلت دون انتظارات ضحايا و عوائل
الضحايا من جانب و الحركة الحقوقية؛ الداخلية و الخارجية من جانب ثاني. إذ اقتصرت الهيئة
في معالجة الملف على التعويض المادي لضحايا الإختفاء القسري و الإعتقال التعسفي و
ذوي حقوقهم، الأمر الذي ولّد ردود فعل مناوئة لهذا المسار.
و
يبدو أنه حتى هذه اللحظة لم تشكِّل بعد القضية - بالنسبة للدولة – و على وجه
الخصوص بالنسبة للمؤسسة الملكية – ورشا سياسيا-عموميا؛ يندرج ضمن الشعارات الجديدة
المعلنة ( المفهوم الجديد للسلطة؛ الإنتقال الديمقراطي؛ ...إلخ)؛ ومن تم موردا
سياسيا غنيا للشرعية بالنسبة للعهد الجديد. بل الملاحظ هو أن الإصرار على جعل
تناول الملف يأخذ أبعادا أوسع تطال شعارات/رهانات المرحلة الجديدة المعلن عـنها من
جهة، و عنوان العدالة الإنتقالية من جهة أخرى، كان من جانب المجتمع المدني، الذي –
ربما – ظن أن ذلك يكفي لتحقيق هكذا آمال!!
فرفضا لمحدودية حصيلة هيئة التحكيم[19]، تبلور داخل منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان و
الفعاليات السياسية و بالخصوص من خلال جمعية الضحايا «المنتدى المغربي للحقيقة و
الإنصاف» مواقف تطالب بطرح قضايا حقوق الإنسان من خلال مقاربة شمولية، تقوم على رد
الإعتبار للضحايا وتصفية ملفات الإنتهاكات و استكمال التحقيقات و الكشف عن المصير،
مع طرح كل ذلك في رؤية سياسية عامة، تشمل قضايا العدالة والديمقراطية و المصالحة.
ونتيجة
لذلك، تبلورت فكرة «مطلب الحقيقة» في صيغة «لجنة الحقيقة»[20] .
وعرفت هذه الحركية قبولا من طرف مختلف مكونات حركة حقوق الإنسان الوطنية، و الفعاليات
السياسية، و تبنيا من طرف الملك محمد السادس[21].
و
تجدر الإشارة إلى أن مطالب التعويض الشامل أو الكشف عن الحقيقة أو رد الإعتبار لم
تشكل لدى الأحزاب السياسية - على طول محطات نضال المجتمع المدني- عنصر جذب أو
تبني، بما يُحرزها الأهمية السياسية التي تليق بها، و من تم الإنكباب عليها كقضية
وطنية عاجلة تستلزم جوابا رسميا على مطالب وطنية مِلحاحة. عدا تبني بعض الحالات
الخاصة من قبل هذا الحزب أو ذاك (تبني ملف المهدي بن بركة مثلا من قبل حزب الإتحاد
الإشتراكي).
لكن
مع كل تلك اللامبالات – إن صح هكذا نعت – ارتقى ملف الإنتهاكات التاريخية لحقوق
الإنسان إلى طاولة "السياسي" بشكل قوي، بل و إلى جدول أعمال
"الرسمي".
و في
محاولة لإعطاء نفس جديد لهذا المسلسل و
وفق الأبعاد الجديدة أعلاه، قرر الملك محمد السادس إعادة النظر في تشكيلة و
صلاحيات هذا المجلس، و هو الإصلاح الذي أصبح ساريا منذ 10 دجنبر 2001.
و
بذلك تمخضت عن أشغال هذا المجلس في نسخته المعدَّلة اقتراح توصية تدعو إلى إحداث
هيئة الإنصاف و المصالحة، رغبة في تصحيح مسار معالجة ملف الإنتهاكات الحقوقية التاريخية.
هكذا
اصطفت، تاريخيا، حيثيات اتخاذ القرار السياسي بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، أو
ما يمكن أن يطلق عليه بالسياق القراري.
المطلب
الثاني: العملية القرارية
الفرع
الأول : تفاعلات ... فموقف
شكلت
واقعة إعادة تشكيل المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان رسالة
غير مشفرة بتحول نوعي في سياسة الدولة بشأن تدبير ملف الإنتهاكات، و تأكيدا لرغبة
جديدة في وضع هذا الملف في موقع أكثر أهمية و ذو أولوية في سلم «السياسي».
و قد
تكفل قرار إحداث هيئة الإنصاف و المصالحة بترجمةِ ؛عمليا؛ كل من الرسالة والرغبة.
و
يمكن الحديث عن مرحلتين أساسيتين تنقسم إليها فترة ما بين هيكلة المجلس ووضع
النظام الأساسي لهيئة الإنصاف و المصالحة.
المرحلة
الأولى: وجهات نظر مختلفة ... لغايات متباينة
بعد
تعيين الملك محمد السادس للأعضاء الجدد للمجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، شكل هذا
الأخير فريقا قاده أحمد شوقي بنيوب في إطار إحدى لجان المجلس الخمس، من مجموعة
العمل الخاصة بحماية حقوق الإنسان و التصدي للإنتهاكات. هدفه: الحسم في الطريق
الملائم لتجاوز ما أوقف مفاوضات الدولة مع ممثلي المنظمات الحقوقية أزيد من سنة.
شكلت
الوثيقة التي أعدها أحمد شوقي بنيوب محور النقاش الذي دار داخل مجموعة العمل، و
الذي وإن دام أزيد من شهر ونصف، فإن اختلافات و تحفظات أعضاء الفريق لم تكن في
المستوى الذي يُعَجّل بوفاة المبادرة. وفي خضم هذا المسلسل كانت الحاجة لإدريس
بنزكري تستعجل لقاءه بأعضاء المجموعة، وهو ما جرى في اجتماع دام أزيد من ثلاث
ساعات تم فيها وضع نقاط على الحروف بشكل أكبر.
و في
آخر مطاف هذه المحطة، كان مقترح هيئة " الحقيقة و المصالحة".
و داخل
الجمعية العمومية للمجلس في شهر يونيو 2003، بدا أن هذا المقترح سيجدنهايته تحت
التراب قبل أن يرى النور بأعين مفتوحة. فهناك من رفض المقترح جملة و تفصيلا- سواء
من حيث مبدأ المناقشة أو حتى من باب إدراجه في جدول أعمال الدورة- بذريعة تجنب
إدخال المغرب الذي يعيش اليوم استقرارا سياسيا[22]
في متاهات مجهولة المصير في الغد القريب. و هناك من تحفظ على المقترح ، و لم يرفضه
من حيث المبدأ، و حجج هؤلاء و هم قلة قليلة مقارنة مع الرافضين، يعود حسب فهمهم
للحل المقترح إلى محاولة واضحة للتخلي عن انتهاكات لا زالت قائمة بعد سنة 1999 [23]،
والوثيقة في نظرهم و إن كانت تسمو أمام جراح آلاف الضحايا و عائلاتهم المكلومة منذ
أربعين سنة فإنها تستحق الإنتباه لضحايا ظهروا في السنة الماضية. و هناك طرف آخر
ثالث، و إن ظل صامتا خلال مسلسل الرفض والتحفظ، فإنه لم يَود أن تُقترح مواضيع من
قَبيل الكشف عن الحقائق و عن الجرائم المرتكبة و عن المسؤولين عنها سواء أفرادا أو
جماعات أو جهات[24]، ولا أن تستأثر الحقيقة و
المصالحة عبر المساءلة الحيز الأكبر.
إنها
أهم الإشارات التي التقطها أصحاب المقترح، قبل نهاية أشغال لقاء ساخن دام يوما و
نصف يوم، ليكونوا بعدها مع موعد التوافق عبر لجنة خاصة حضرتها كل التوجهات.
و
إذا كان مُعدوا المقترح (الوثيقة) قد رفعوا سقف المطالب إلى الكشف عن الحقيقة عبر
هيئة "الحقيقة و المصالحة"، و إثارة كل ما يتعلق بالمسؤولية الجنائية و
المعنوية والتأديبية؛ كالإبعاد عن مركز المسؤولية دون محاكمة أو إرجاع ما انتزع من
ممتلكات الضحايا دون الوصول إلى ردهات المحاكم...[25]،
فإنهم وَجدوا أنفسهم مرغمين على تقديم ثمن حفاظهم على حياة المقترح فوافقوا على
إقحام مشروع التوصية عبارات [26] من
قبيل " .. عدم الإستغلال المركانتيلي أو الإيديولوجي للحقيقة.." أو
" .. عدم إثارة المسؤوليات الفردية أيا كان نوعها كما لا يمكنها (أي اللجنة)
اتخاذ أية مبادرة يكون من شأنها إثارة المسؤوليات الفردية أيا كان نوعها كما لا
يمكنها اتخاذ أية مبادرة يكون من شانها "إثارة الإنشقاق أو الضغينة أو إشاعة
الفتنة .." أو المقاربة التي " تتعارض مع الدعوات إلى الضغينة و
الإنتقام و المساءلة الجنائية".
و
عندها فقط، تمت المصادقة على التوصية من لدن الجمعية العمومية و بالإجماع وفي أسرع
وقت خلال فترة صباحية من يوم اللقاء المخصص للنقاش بعدما كانت مدرجة في فترة
المساء.
و هي
توصية كلّفت ستة أشهر من الوقت، وكثيرا من الجهود المعلنة و الخفية[27].
و
تجدر الإشارة على هذا الصعيد، أن لجنة العمل المذكورة و أمثالها، لا يتم إحداثها
إلا بعد استئذان الملك، و ذلك ما تقضي به المادة 7 من الظهير المتعلق بإعادة تنظيم
المجلس إلإستشاري لحقوق الإنسان: " للرئيس - بعد استئذان جنابنا الشريف – أن يقترح
على المجلس إحداث لجنة خاصة لبحث قضية معينة في مجال اختصاصه، و له أن يحدد
تركيبها ...".
و
يبدو أن المجتمعين المدني و السياسي حاضران بقوة عند بلورة صيغة و مضمون الهيأة. يظهر
ذلك في تشكيلة كل من المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان من جهة [28] والهيئة
من جهة أخرى[29].
المرحلة
الثانية: إعلان قرار
في 6
نونبر2003؛ تأسست هيئة الإنصاف و المصالحة بمقتضى قرار ملكي بالمصادقة على توصية المجلس
الإستشاري لحقوق الإنسان الصادرة بموجب المادة السابعة من الظهير رقم 1.00.350 المتعلق
بإعادة تنظيم المجلس (الصادر في 10 أبريل 2001)
ثم
بعد شهرين تقريبا، نصب الملك محمد السادس أعضاء الهيئة، و ذلك بتاريخ 7 يناير
2004.
و
صودق على نظاما الأساسي بموجب ظهير
رقم1.04.42 صادر في 19 من صفر 1425/10 أبريل2004.
هكذا
تلاحقت المحطات السياسية و القانونية المرتبطة بالهيئة.
وهكذا
بادرت الهيئة أشغالها، و ضُرب تاريخ نوفمبر 2005، كآخر أجل لتقديم الملفات أمامها.
و تجدر
الإشارة هنا، إلى أن مصطلح "هيئة" لا يرد في النصوص المرتبطة بالهيئة
موضوع الدراسة، و إنما ترد عبارة "لجنة". فهي العبارة المتداولة
في أدبياتها القانونية، و حتى في تقريرها الختامي. وفي جميع الأحوال ليس للعبارتين
أي مضمون قانوني خاص (أي: مفهوم قانوني مستقل أو نص خاص منظِّم).
لكن
ماذا تعني عبارة هيئة،الأكثر تداولاً ؟
جاء
في المعجم الدستوري:".. تعبير هيئات كبرى هو بالإجمال تمثيل للذات يعطيه الذين
يدّعون الإنتماء إليها أكثر مما هو أداة تحليل علمية"[30]. هذا
أكثر ما يمكن أن يقال!!
* فما
طبيعة القرار السياسي الذي أُحدثت بموجبه الهيئة؟.
هل
نقول أنه قرار "سيادي"؟
كيف
ذلك؟
لا
شك أن اتخاذ الملك هكذا قرار، لا يندرج من وجهة نظره في إطار ممارسته لسلطة
تشريعية[31]،
أو قضائية[32]، أو تنفيذية، لذا نجد أن
الظهير صدر مستندا إلى الفصل 19 من الدستور، أي بصفته ممارس لسلطة تسمو على باقي
السلطات.
بالتأكيد،
رجع القرار النهائي إلى الملك، الذي قبِل توصية المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان و
عيّن أعضاء الهيئة، و صادق على نظامها الأساسي.
ففي
النهاية، يبقى المجلس – رغم دوره الكبير في بلورة مشروع الهيئة – مجرد جهة
استشارية، تشتغل إلى جانب الملك، و لا سلطة لها إلا من خلاله.
فإذا
كان للملك - على حد تعبير د. حسن صعب[33] -
مستشارون يصغي لآرائهم او يهتم بنصائحهم إلا أن هذه الآراء و النصائح شورية لا
تلزمه بشيء. و له أن يستفيد منها و أن يأخذها، و له أن يرفضها رفضا باتا. و مهما
حاولوا أن يشاركوه في قراراته، فليس هناك توازن للقوى يعطيهم قدرة فعلية: " إن
هذا المجلس عزيز علينا بكيفية خاصة لأنه أولا مجلس استشاري لنا و لا يدخل في أي
هيكل من الهياكل التنظيمية[34]".
كما
جاء في المادة 1 من الظهير المحدث للمجلس الإساشاري لحقوق الإنسان[35]:"
يحدث بجانب جلالتنا الشريفة م.إ.ح.إ. ، تكون مهمته مساعدة جنابنا الشريف في جميع
القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان".
و في
نفس السياق، تقضي المادة 6؛ من نفس الظهير: "يعرض الرئيس عل المجلس القضايا
التي يريد جنابنا الشريف أن يستشيره في شأنها، و للمجلس أن يقرر بأغلبية الأعضاء
الذين يتألف منهم التصدي تلقائيا لقضايا يرى من المفيد إطلاع جلالتنا الشريفة
عليها".
و في
بلد كالمغرب، و نظرا للمركز الذي تحتله المؤسسة الملكية- في الواقع والمخيال
السياسين على السواء - باعتبارها مؤسسة سياسية
(ذات قدرة أو سلطة سياسية)؛ عامة (بالنسبة للجميع)؛ سيادية (فوق الجميع)؛ جامعة (موحدة
للأمة)؛ أبوية (خادمة للصالح العام)؛ صانعة التاريخ ( نواة التحولات الكبرى في
الحياة العامة) كان لابد لهكذا قرار أن يحمل؛ في النهاية؛ خاتَم هذه المؤسسة.
لكن
يبدو أنها لم تشأ أن تستأثر بصناعة هذا النوع من القرارات، حتى و إن كانت لها كل
الصلاحية الدستورية (الفصل 19) بالإستئثار ( مبادرةً، و تصوراً، و إصداراً،
وتفعيلاً، ...)، و ذلك راجع بالطبع إلى حساسية موضوع القرار: المصالحة الوطنية،
التي تقتضي – بالتأكيد؛ و بالأولوية – أقصى ما يمكن من الإجماع الوطني.
* إلى
أي حد كان الملك مضطرا لاتخاذ هذا القرار؟ بمعنى آخر، إلى أي حد كان هذا القرار
استجابة لمطلب عام ينتظر إجابة رسمية ما؛ تحت ظروف ضاغطة؟
لنجعل
الجواب بالنفي- مؤقتا، ثم نتقصى الموضوع خطوة خطوة على الشكل التالي:
على
المستوى القانوني:
كما جاء في المادة 1 من الظهير المحدث للمجلس
الإستشاري لحقوق الإنسان[36]:"
يحدث بجانب جلالتنا الشريفة مجلس إستشاري لحقوق الإنسان، تكون مهمته مساعدة جنابنا
الشريف في جميع القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان".
و في
نفس السياق، تقضي المادة 6؛ من نفس الظهير؛ : "يعرض الرئيس على المجلس
القضايا التي يريد جنابنا الشريف أن يستشيره في شأنها، و للمجلس أن يقرر بأغلبية
الأعضاء الذين يتألف منهم التصدي تلقائيا لقضايا يرى من المفيد إطلاع جلالتنا الشريفة
عليها"، إذا قانونيا، ليس تمّت ما يلزم الملك بقبول توصية المجلس المذكور.
على
المستوى السياسي:
- السيرة
السياسية الذاتية للملك الجديد كانت نظيفة ، لذا لم تكن موضع تشهير قط بوجود روابط
له بملف الإنتهاكات التاريخية لحقوق
الإنسان (لم يكن يدا يمنى لوالده ؛ لم يكلف بمهام أمنية؛ لم يُعرف أنّه تم إشراكه
في اتخاذ قرارات سياسية أو أمنية ذات علاقة؛ ...).
- لقد
كان واحدا من أوائل قراراته، إبعاده لوزير الداخلية (ادريس البصري) في عهد والده،
و الذي يعتبر ، من لدن الجمعيات الحقوقية، "سيد الجلادين" و عنوانا
بارزا لما يسمى اصطلاحا بـ " سنوات الرصاص". وهو القرار الذي لقي ترحيبا
إجماعيا.
- لم
تكن المطالبة بالحقيقة أو الإنصاف بالمطالبة التي يُجمِع عليها المجتمعين المدني و
السياسي، الشيء الذي ما كان ليُجبر الدولة على اتخاذ هذا القرار لولا اتفاق هذا
المطلب مع سياق و تصور معينين لملف الإنتهاكات التاريخية لدى هذه الأخيرة.
ما
الدافع إذا:
في
نفس السياق يقول د. احمد بوجداد[37]:
"... سياسة حقوق الإنسان استعملت كأداة من أدوات "تحديث" موارد
مشروعية النظام السياسي في المرحلة الراهنة، بإعادة إنتاج القيم السياسية
"المخزنية" عن طريق استيعاب و احتواء كل التطورات..."، خاصة و أن
الدولة - حينها، وما فتئت – تعيش في أزمة
حقيقية[38] ؛
سياسية و اقتصادية (شبه التخلي عن التناوب السياسي، استمرار تدخل الداخلية في
الحياة الحزبية و السياسية عموما، مناخ الحريات السياسية غير الواضح كفاية، بطالة
كبيرة، مؤشرات اقتصادية غير ثابتة صعودا، ... ).
الفرع
الثاني: أهداف قرار
تمثل
الخطبة الملكية التي ألقاها محمد السادس أثناء تنصيب أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة
– بتاريخ 7 يناير 2004 – من جهة، و النظام الأساسي للهيئة [39] من
جهة أخرى، مصدرين أساسين لفهم مضامين القرار السياسي بإحداث الهيئة.
*الخطبة
الملكية لـ 07-01-2004/أﯖادير:
يبدو
من فقرات و طيات هذه الخطبة أن القرار سعى من خلال إنشاء الهيئة إلى تحقيق أكثر من
هدف سياسي:
1-
التأكيد على أن ورش حقوق الإنسان هو من أوراش الملك الجديد الأساسية، ذات الأولوية.
فمما جاء في هذه الخطبة، التالي:
"تجسيدا
لإرادتنا الملكية الراسخة، في تحقيق المزيد من المكاسب، للنهوض بحقوق الإنسان،
ثقافة وممارسة، ها نحن اليوم، بتنصيب لجنة الإنصاف والمصالحة..."
"...
ضمن مسار( يَقصد، مسار معالجة ماضي الإنتهاكات) انطلق منذ بداية التسعينات، والذي
شكل ترسيخه أول ما اتخذناه من قرارات، غداة اعتلائنا العرش"
2- بالتأكيد،
كان الهدف الأساسي من إنشاء الهيئة هو الرغبة في معالجة ماضي الإنتهاكات الجسيمة
لحقوق الإنسان (أي مرحلة ما قبل 1999). مع كل ما يعني ذلك من الدخول في مرحلة سياسية
جديدة (أو على الأقل إيجاد شعور عام بذلك).
"
... ها نحن اليوم، بتنصيب لجنة الإنصاف و المصالحة، نضع اللبنة الأخيرة للطي
النهائي لملف شائك ...".
و
يبدو الإصرار قائما و بشدة على مقولة " الطي النهائي"، بشكل يجعل المتأمل
يحس برغبة – يصعب وصفها - في اختزال كل
المسألة ( طي صفحة الإنتهاكات) في قرار سياسي!
3- و
مما يعضض هذا الإستنتاج بإصرار صانع القرار على الصعيد المذكور، تأكيده لضرورة
إنهاء المعالجة لهذا الملف في ظرف زمني محدّد، و تذكيره لأعضاء الهيئة بضرورة
العمل على احترام هذا الظرف. بحيث نجد عبارة " الآجال المحددة" لأشغال
الهيئة وردت في أكثر من موقع في نفس الخطبة.
يمكن
ذكر:" ... إننا لمقتنعون بأن هيأتكم ... المُشكلة ... ستتوصل بعون الله و
توفيقه في الآجال المحددة ..."
4-
الملاحظ في هذه الخطبة أنها تضمنت عبارات عامة، يتعدد تأويلها (سياسياً) وتقييمها
(قِـيمياً) بتعدد أطراف ملف الإنتهاكات و زوايا نظرهم: "المصالحة السمحة
الكاظمة للغيظ"؛ "تسوية عادلة، منصفة، إنسانية و حضارية.."؛ "...السماحة
و العفو والصفح الجميل".
5-
لعل القاسم المشترك الوحيد بين العبارات العامة أعلاه، هو أنها تستبعد مسألة التسوية
القضائية للملف استبعادا شاملا[40]،
فقد اعتبرت هذه الطريقة في معالجته خطا أحمرا، يقف عنده قطار الحقيقة و الإنصاف و
المصالحة.
6- اعتبر
صانع القرار بأن حصيلة المجهودات التي بلورت الشكل النهائي للهيئة تمثل أقصى ما
يمكن أن يتوصّل إليه، و ذلك اعتبارا لخصوصية السياق بدرجة أساسية (لكن دون تحديد).
أي أننا – بحسب صانع القرار - أمام حالة إشباع على مستوى الإبداع و الإجتهاد.
جاء
في الخطبة:" ... و إننا لنعتبر أن هذا الإنجاز تتويجا لمسار نموذجي و فريد من
نوعه، حققناه جميعا، في ثبات و ثقة بالنفس، و جرأة و تعقّل في القرار..."
7- ما من مناسبة من المناسبات
التي تحدث فيها الملك محمد السادس عن ماضي الإنتهاكات الجسيمة إلا و استحضر دور
الراحل الحسن الثاني في المبادرة إلى معالجة هذا الملف.
* النظام
الأساسي للهيئة (الإختصاصات)- ظهير رقم 1.04.42 صادر في 10 أبريل 2004:
- الإختصاص الزمني:
حددت
مدة تدخل الهيئة في الخط الزمني من 1956 إلى تاريخ المصادقة الملكية[41]
على إحداث هيئة التحكيم المستقلة للتعويض – 1999.
- الإختصاص
النوعي:
~
على مستوى الكشف عن الحقيقة:
إثبات نوعية و مدى جسامة الإنتهاكات الماضية
لحقوق الإنسان.
إجراء
التحريات، و تلقي الإفادات، و الإطلاع على الأرشيفات الرسمية، واستيفاء المعلومات
و المعطيات التي توفرها أية جهة ، لفائدة الكشف عن الحقيقة.
مواصلة البحث بشأن حالات الإختفاء القسري
التي لم يعرف مصيرها بعد.
بدل كل الجهود للتحري بشأن المواقع التي لم
يتم استجلاؤها.
الكشف عن مصير المختفين، مع إيجاد الحلول
الملائمة بالنسبة لمن ثبثت وفاتهم؛
الوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو أي طرف
آخر في الإنتهاكات و الوقائع موضوع التحريات؛
تضمين التقرير النهائي خلاصات الأبحاث و التحريات
و التحاليل المجراة بشأن الإنتهاكات و سياقاتها.
~
على مستوى جبر الضرر و إعادة الإعتبار:
جبر الأضرار من حيث التعويض المادي و إعادة
التأهيل و الإدماج و الإسترداد، رد الإعتبار، و كل أشكال جبر الضرر الملائمة حسب
التحريات و الأبحاث في نطاق الكشف عن الحقيقة؛
~
على مستوى توصيات و ضمانات الوقاية و عدم التكرار:
تضمين التقرير النهائي، كوثيقة رسمية للهيئة
التوصيات و المقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة و بضمان عدم تكرار ما جرى و محو آثار
الإنتهاكات، استرجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون و احترام حقوق الإنسان؛
~
على مستوى المصالحة:
المساهمة
في تنمية و إثراء ثقافة و سلوك الحوار، و إرساء مقومات المصالحة، دعما للتحول
الديمقراطي لبلادنا، و بناء دولة الحق و القانون، و إشاعة قيم و ثقافة المواطنة وحقوق
الإنسان[42].
واضح أن الفقرات أعلاه تتحدث عن نفسها، لكن إثارة
إضاءات أخرى هنا أو هناك لن يضير في شيء:
- في إطار صياغتها لنظامها الأساسي و لخطة عملها، عقدت
الهيئة خلال المرحلة الإعدادية تسعة اجتماعات دورية، و اجتماعات فرعية لفرق عملها؛
بمعدل 12 اجتماعا لكل فريق. خصصت تلك الإجتماعات لإعداد مشروع النظام الأساسي و
خطة عمل الهيئة، ووضع آليات اشتغالها الداخلية على صعيد الإدارة. و بالموازات مع ذلك، عقدت الهيئة لقاءات مع ممثلي لجان
وطنية للحقيقة عبر العالم، ونظمت اجتماعات استشارية مع خبراء دوليين في هذا
المجال، و أساسا في المركز الدولي للعدالة الإنتقالية.
و بنفس الدرجة، تلقت الهيئة عشرات المذكرات الواردة
عليها من منظمات حقوقية، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، و عائلات لضحايا ماضي الإنتهاكات
الجسيمة، وفي نفس السياق انتقلت إلى زيارات ميدانية أولية لأكثر من خمسة عشر جهة
عبر البلاد[43].
- من خلال هذه البنود المتعلقة بصلاحيات الهيئة، يبدو و بشكل أكيد أنها
مهام/خطوة جريئة تُحسب للسلطة السياسية
الحاكمة بالمغرب، مقارنة بالأنظمة السياسية العربية والإسلامية الأخرى - التي
مازالت متأخرة على هذا الصعيد - وذلك على المستويين: السبق في المبادرة من جهة، و
دلالاتها السياسية و الإجتماعية؛ باعتبارها مقاربة دولتية/رسمية لملف الإنتهاكات التاريخية
لحقوق الإنسان، في اتجاه – و بغض النظر عن القراءات الموازية المشروعة – تحقيق
مصالحة نوعية بين الدولة و المجتمع، عبر بوابة الماضي، من جهة أخرى.
-
يبدو من مطالعة هذه المواد، أن الصلاحيات
المترتبة عنها تتجاوز الصلاحيات التي كانت مقررة وفق مقاربة اللجنة
المستقلة للتحكيم دلالةً و مدىً.
- لقد
بقي النظام الأساسي وفيا للحدود السياسية التي وضعتها توصية المجلس الإستشاري
لحقوق الإنسان بخصوص إحداث الهيئة و للخطبة الملكية، اللتان أجمعتا على تغييب التسوية
القضائية من قائمة صلاحيات الهيئة.
فـ
"الصفح الجميل" لا يَـقبل أن تُطرق أبواب العدالة.
هذا
مع العلم أنه تمة تجارب مقارنة عديدة، سُـمح فيها للجان الحقيقة و الإنصاف تناول
الوقائع التي يمكن لها أن تكون موضوعا للمحاكمة.
و
مما يزيد من أهمية هذه الملاحظة، هو وجود أكثر من طريق/إمكانية للتناول القضائي
لهذا الملف، و بالشكل الذي لا يمس الأمن السياسي للبلاد. يبدو إذا أن عصبية
الذهنية السياسية التي استبعدت هذه المقاربة القضائية قامت بذلك في غياب كل تحريك
لآليات الإجتهاد/الإبتكار القانوني في اتجاه إيجاد صِيَغ تحقق تآلف ما اعتبر
ممتنعا عقلاً (تنظيرا)، و مستحيلا واقعاً؛ أي ضمان المقاربة القضائية و المصالحة
السياسية معا.
- افتقار
الهيئة لسلطة إلزام أي شخص بالمثول أمامها، بل و حتى لمنسوبِ حرية مقبول في الوصول
إلى الأرشيفات و الإفادات الرسمية.
- قد يبدو الحديث - هنا - عن
ضمانات التوصيات التي فاهت بها الهيئة متسرعا، لذا سيتم إرجاء تناولها إلى حينه.
- إن النظام الأساسي للهيئة يُظهر أن السلطة السياسية
الحاكمة بالمغرب اعتبرت دائما أن كل ما من شأنه أن يمس؛ و لو من بعيد؛ "أعيان
الدولة" يمثل محذورا لا بد من الوقوف دونه و إياهُـم.
الفرع
الثالث : وحدة في المبدأ ...لكن بدون ضمانات لعدم الإختلاف
يمكن
تصنيف ردود أفعال مختلف القوى بشأن القرار إلى ثلاث أصناف:
* قوى
بلا تحفظ ( أو حزب إرادة الملك): و يضم بالتأكيد الحاشية و الأحزاب الإدارية و
...، و هم يجمعهم قاسم مشترك: لم يكتووا بنار الدولة، و إنما مسَّـتهم فقط خيراتها[44].
و ربما كان شعارهم البيت الشعري الروماني القديم:
جانب
الإمبراطور و احذر بطشه
لا تعاند من إذا
قال فعل
* قوى
مع القرار لكن في سياق مختلف (حزب ليس بالإمكان أكثر مما كان): وتضم؛ ممن تضم؛
المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بل و ضحايا سابقون. و هي القوى التي انخرطت في
تبرير القرار أكثر من تقييمه، ليس دفاعا عنه و إنما تقديرا لما يمكن أن ينتج عنه،
باعتباره قرارا استثنائيا: جرأة،سَبق، فرصة،... قد يشكل رافدا في خدمة أهداف أهم و
أكبر: الإنتقال الديمقراطي، دولة الحق و
القانون، ...
بعبارة
أخرى، عدالة انتقالية لمغرب في وضعية انتقالية: تعامل معين مع الماضي خدمةً
للمستقبل.
فلا
مجال للعدالة الكاملة و لا للحقيقة الكاملة " لأن ذلك له تداعيات على مستوى
الحاضر و المستقبل، ثم لأن الحديث عن بعض فصول تاريخ المغرب قد يمس بأجهزة الجيش و
الشرطة و المخابرات و شبكة الولاءات و التحالفات، ثم إن هنالك مقاومة من لدن
الأوساط الحزبية و الفاعلين السياسيين، الشيء الذي قد يعصف بالتوازنات
السياسية"[45].
و قد
أضفى الكثير من المصداقية على هذه الصيغة - الحل شهادة " أحمد حرزني" في
إحدى جلسات الإستماع العمومية كقيادي سابق لخلية ماوية مغربية [46] ،
كانت له "الجرأة و الشجاعة" بأن لا يَعتبر نفسه ضحية و لكن كفاعل. فالحركة
التي كان منخرطا فيها – على حد قوله - لم تناضل من أجل الديمقراطية طالما أنها لم
تكن أبدا ديمقراطية. نفس الأمر مع حميد برادة المنفي السياسي الذي صرح إلى الصحافة
أن اليسار حاول قلب نظام الحسن الثاني و أنه بكل بساطة خرج مهزوما و بالتالي أن
محصلة الصراع يمكن تلخيصها في ميزان القوى الآتي: الحسن الثاني الأوتوقراطي تعارضه
قوى غير ديمقراطية[47].
أي
أن أصحاب هذا الرأي رأوا أن الضحايا يجب أن يتحملوا و بشكل كامل تبعات التزاماتهم
السياسية.
و هو
رأي يبدو و كأنه – أو ربما هو كذلك – يختزن المصالحة فيما هو وظيفي براغماتي فقط
بالرغم من كونه أحد مشمولاتها[48].
* القوى
الرافضة لأبعاد القرار(حزب كل شيء أو لا شيء[49]):
و هي
قوى طرحت – و على رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان - الصيغة التالية : تعويض
بدرهم رمزي، و عدالة حقيقية، قائمة على المحاسبة و المعاقبة والإعتراف بالجرائم الماضية[50].
أى
اعتبار أن عدم إرضاء العدالة لا يعطي أي ضمانة للمستقبل في عدم تكرار التاريخ،
خاصة في ظل دولة تتماهى بذكاء مع الظرفيات السياسية.
و يعبر
الدكتور القدير عبد الله ساعف[51]
عن هذا التماهي الذي يطبع الدولة المغربية بالقول : " إن المرحلية و التنوع
المُغال للدولة المغربية يدعو إلى الذهول. إنه يدل على أن الظرفية لا تَضيع و لا تذوب بالضرورة في البنيات القديمة[52]
بل قد يحدث العكس تماما. فالأمور تحصل مرارا كما لو كانت البنيات العميقة و
الطبائع الأساسية تتوارى وتتراجع إلى الخلف بينما تتحدد هوية الدولة قبل كل شيء
بأفعالها الآنية في المدى القصير و المباشر جدا".
و المخاوف
المعبر عنها من قِبل هذه القوى بخصوص غياب الضمانات، لم تتأخر أعمال الدولة كثيرا
في تأكيدها: إنتهاكات حقوق الإنسان الجديدة المسجلة على مستوى طريقة معالجتها لملف
ما بعد أحداث 16 ماي2003، مثلا. الشيء الذي قوى هذا الموقف، و مما زاده قوة: عدم
التفعيل الكلي لتوصيات الهيئة، و خاصة المرتبطة منها بالإصلاح المؤسسي و القانوني
.
هكذا
تفاعلت، تاريخيا، اتجاهات و إرادات و محاذير و مصالح في عملية صناعة القرار
السياسي بإحداث هيئة الإنصاف و المصالحة، أو ما يمكن أن يطلق عليه بالعملية
القرارية.
الخاتمة:
هل
من استنتاجات لهذا البحث؟
هذه
محاولة، تتضمن في ثناياها تأكيدا أو تفنيذاً للفرضيات التي تصدرت هذا البحث:
- بوادر
تفكير الدولة في " طي صفحة الماضي"
ظهرت مطلع تسعينيات القرن الماضي، في عهد الراحل - إلى مُلك الله- الحسن الثاني. و
هذا ما لا يخفيه حتى الملك الجديد في خطبه ذات العلاقة[53].
- يندرج
القرار السياسي بإحداث الهيئة في إطار الرغبة في تجديد علاقة الثقة القائمة بين
الدولة و المجتمع، فهو إذا أريد منه أن يكون موردا على صعيد تدعيم/تجديد مشروعية الدولة.
- القرار
أخذ بشكل تشاركي، ساهمت فيه أكثر من جهة - المجتمع المدني؛ الأحزاب السياسية؛
المؤسسة الملكية.
- لا يمكن بأي حال اعتبار القرار ، قـرار أزمة، و ذلك للإعتبارات
الواردة أعلاه. و لعل أكبر مؤشر على ذلك؛ كما سبقت الإشارة؛ هو أنه لم يكن وليد
ضغط مجتمعي قد يُحدث تجاهله إنفجارات أو ردود أفعال خطيرة، يمكن أن تخرج عن
السيطرة. فالموضوع لم يأخذ طريقه الصحيح إلى قلب اهتمام الرأي العام، و لا حتى
جدول اعمال المجتمع السياسي بشكل جدي( يقصد الباحث:الأحزاب السياسية).
- يمكن، و بغير عناء،
إدراج القرار في قائمة القرارات السياسية الإستراتيجية، وذلك لسببين:
ارتباطه بموارد مشروعية الدولة السياسية من جهة، و تعلقه بقضية وطنية عامة تَدخل
في صميم السياسي: المصالحة الوطنية و بناء جسور ثقة بين الدولة والمجتمع، و إرسال
رسائل تفاؤلية بالمستقبل.
- تعدت
آثار القرار حدود القرار نفسه، و ذلك لمّا فتحت توصيات الهيئة بابا جديدا
للمطالبات الحقوقية[54]،
بناء على نفس هذه التوصيات. و بذلك تحولت هذه التوصيات إلى معيار/مؤشر/ شاهد عن
الوضع الحقوقي للبلاد.
- تآكل الأهمية التاريخية للقرار نتيجة تجدد الحالات التي كان من
المفترض أن يجعل منها قطع تاريخية لا ينظر إليها إلا بالإلتفات إلى الوراء ، وذلك
لما تجددت إنتهاكات الدولة لحقوق الإنسان[55]،
بالعودة إلى أساليب الإخفاء القسري و الإعتقال التعسفي، و ممارسة التعذيب - المفضي
في حالات إلى وفيات مشبوهة[56]،
و احتجاز المشتبه فيهم في أماكن سرية، و انتفاء شروط المحاكمة العادلة، و ترهيب
الصحافة و محاكمة الصحفيين بمقتضى القانون الجنائي أو قانون مكافحة الإرهاب، و
إصدار أحكام قاسية.
و هنا يمكن أن يُطرح السؤال التالي: إلى أي حد يمكن
اعتبار عملية صناعة هذا القرار ناجحة؟
لعل
أمّارات النجاح في هذا القرار تبدو في النقاط التالية:
· القرار قرار تشاركي (قرار مفتوح)[57]،
ساهم في بلورته أكثر من طرف، أهمها المجتمع المدني، لكن هذه المشاركة وقفت عند
حدود عدم رضى العديد من مكونات هذا المجتمع ( و هي من وردت أعلاه تحت اسم : حزب كل
شيء أو لا شيء)؛
· القرار قرار استراتيجي بامتياز، لاتصاله بقضية
مركزية في تاريخ الشعوب: ترميم الذاكرة
السياسية الجماعية، لكن هذا
الترميم وقف أمام مشاهد جديدة لإعادة الهدم من خلال انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان[58]؛
· القرار قرار شامل، لأنه ارتكز على التجارب المغربية السابقية المرتبطة بالموضوع،
و التي عدت تجارب محدودة.فهذا القرار تناول قضية ماضي الإنتهاكات وفق نظرة شمولية
ربطت بين التاريخي و السياسي والإنساني من جانب، و ربطت كذلك فيما بين التاريخ و
الراهن و المستقبل[59]،
لكن هذا الشمول وقف امام تحييد كل تناول قضائي للملفات؛
· القرار سعى إلى "الطي النهائي لصفحة ماضي
الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، طموح جميل لا يقدح فيه أحد، و جرى تفعيله
عبر مجهود الهيئة الكبير، لكن هذا الطموح – الخَيّر إن صح التعبير - يقف أمام عقبة
نفسية هي جملة عقد في نفس كل من انتُهكت حقوقه و ذويه.
سأقدم مثالاً/توضيحاً[60]:
امرأة
"زنجية"؛ في جنوب إفريقيا؛ جاءت لتدلي بشهادتها أمام لجنة للحقيقة والإنصاف
هناك، قتل زوجها من جراء التعذيب الذي تعرض له من قبل جلاديه في مخافر الشرطة،
قالت في شهادتها:" لا يمكن للجنة او حكومة أن تصفح، أنا وحدي عند الإقتضاء أستطيع
ذلك، و لست مستعدة لكي أصفح أو للصفح". هذه المرأة تذكرنا بحقيقة فوق كل
الإعتبارات/الحقائق السياسية، فليس للدولة
أو لأي جهة كانت أن تمنح الصفح، ليس لها الحق و لا القدرة و لن يكون لخطوتها أي
معنى، إذا أصرت على انتزاعه، فحتى محاولة النسيان او إنساء الآخرين لن تنتهي إلى هذه
النتيجة.
"
إن عملية المصالحة إذن (في البدء و في النهاية) عملية شخصية شخصية وعميقة، و حسب
ما يتوخاه كل فرد من المصالحة و ما يمكن أن تثيره من ردود أفعال قد تكون لخدمة
حساب شخص أو موقف أو مبدأ او مجموعة مصالح"[61].
هذه
النقاط، تجمل؛ عموما؛ حدود هذا القرار(الخطوط الحمر التي وقف امامها أو التي أوقف
نفسه أمامها) .
كانت
هذه محاولة في فهم نموذج لظاهرة قرارية (صناعة القرارالسياسي بإحداث هيئة الإنصاف
و المصالحة)، في الوقت الذي كانت تشكل لبناتها، كانت تعلن حدودها؛ الذاتية –
الخاصة بالباحث نفسه؛ و الموضوعية؛ التي تفرضها طبيعة حقل البحث: "الحقل
السياسي"، و مكونات هذا الحقل.
فالحدث
السياسي – و هو أحد مكونات هذا الحفل - و على حد قول د.محمد سبيلا [62]-
حدث شائك و مركب تتداخل في إحداثه شبكات من المؤثرات و المحددات الإقتصادية و
الإجتماعية و السيكولوجية و القانونية، و تؤطره العديد من السياقات المحلية و
الدولية ... و صورته الواضحة في وعي الفاعل لا تنفي وجود طبقات دلالية و فواعل
كثيفة متضافرة، ناهيك عن المقاصد الخفية، و الحسابات السياسية، المضمرة و الصريحة.
فالحدث السياسي هو حدث كلي قد يكون من التسرع إعطاؤه تفسيرا واحدا استيفائيا.
فالظاهرة القرارية مثلا، لا بد لها من سياق
قراري يَنتظم في آليات قرارية معينة [63]،
لها وظيفة قرارية ما[64]
تعمل على بلورة العملية القرارية[65]
ضمن شبكة قرارية[66] ، لتنتج
إفرازات قرارية محددة[67] -
أو قابلة للتحديد في بعض جوانبها على الأقل.
-
إحداث المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان- 8 ماي 1990.
عهد
محمد السادس
-
إطلاق سراح المخفيين قسريا بالمركز السري السابق بتازمامارت – شتمبر 1991 ، و شمول
نفس العملية لمراكز أخرى في كل من قلعة مكونة وأكدز، و إغلاقها جميعا.
-التنصيص
في ديباجة دستور 1992 على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
-
إحداث وزارة مكلفة بحقوق الإنسان.
يونيو
1994: قرار الملك الحسن الثاني بالعفو " الشامل"على المعتقلين
السياسيين.
- 16
غشت 1999، أي بعد أقل من شهر على وفاة الحسن الثاني، أعلن محمد السادس قراره
القاضي بإحداث هيئة لتعويض ضحايا الإختفاء القسري و الإعتقال التعسفي، و ذوي
حقوقهم.
-
إحداث اللجنة المستقلة للتحكيم في قضايا التعويض – سنة 1999.
10
أبريل 2001: الظهير( رقم 1.00.350) المتعلق بإعادة تنظيم م.إ.ح.إ.
-
يونيو 1999: إعلان الملك الجديد – محمد السادس – قرار العفو عن " باقي"
المعتقلين السياسيين و المنفيين خارج البلاد.
- دجنبر2001:
إحداث مؤسسة ديوان المظالم كوسيط بين المواطنين و لإدارة لمعالجة شكاياتهم و
تظلماتهم.
- 10
دجنبر 2002: إعادة النظر في تشكيلة و صلاحيات المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان.(
جاءت التوصية بإحداث الهيئة وفق المادة 7 من هذا الظهير).
- 6
نونبر 2003: مصادقة الملك على توصية م.إ.ح.إ. بإحداث هيئة الإنصاف و المصالحة.
- 10
أبريل 2004: المصادقة على النظام الأساسي للهيئة بموجب ظهير رقم 1.04.42 صادر في
19 صفر 1425/10 أبريل 2004.
- نوفمبر
2005: إنهاء الهيئة لأشغالها وفق الأجل المحدد في نظامها الداخلي.
- 6
يناير 2006، يلقي الملك محمد السادس خطبا بمناسبة إنهاء الهيئة لأشغالها وتقديمها
لتقريرها النهائي.
المراجع
المؤلفات:
- أوليفيه
دوهاميل وَ إيف ميني: المعجم الدستوري، ترجمة: منصور القاضي، المؤسسة الجامعية
للدراسات ز النشر و التوزيع، ط:1، 1416ه-1996م، بيروت- لبنان.
محمد
شقير: القرار السياسي، دار الألفية، ط: 1، 1992.
- د.
عبد الهادي بوطالب، نصف قرن من السياسة، منشورات الزمن، المطبعة النجاح الجديدة –
الدار البيضاء، أكتوبر،2001.
- محمد
الصعيب:عقود الرصاص بالمغرب، منشورات الأفق الديمقراطي، Rabat
net Maroc، ط: 1،
فبراير2007.
الأطروحات:
- هند
الدردر "تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة من خلال الصحافة المكتوبة
المغربية"، أطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام،
جامعة محمد الخامس-أكدال، الرباط، 2007/2008.
- مصطفى
تامك: هيئة الإنصاف والمصالحة، كتجربة مغربية في معالجة الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، رسالة لنيل
دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الهام، جامعة محمد
الخامس-أكدال-الرباط2006/2007.
التقارير:
- منظمة
العفو الدولية، 2006
التقرير
الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، طبعة خاصة تكريما للمرحوم إدريس بنزكري، المجلس
الإستشاري لحقوق الإنسان،2008.
- المجلس
الإستشاري لحقوق الإنسان: 10 سنوات في خدمة حقوق الإنسان(منشور للمجلس).
- مركز
جامعة ولاية نيويورك للتنمية الدولية: دليل تحليل السياسات العامة، في إطار: مشروع
دعم أعمال البرلمان المغربي( د.م.ت.ن).
الخطب:
- الخطبة
الملكية بمناسبة تنصيب اعضاء هيئة افنصاف و المصالحة بتاريخ 7 يناير 2004/أكادير.
- „ „
بمناسبة إنهاء الهيئة لمهامها، بتاريخ 6 يناير 2006.
الدراسات
و المقالات:
- د.
عبد الله ساعف " اضطرابات الدولة، حول العلاقة بين الدولة «البنيوية» و
الدولة «المتغيرة»" في: جدلية الدولة و المجتمع( مؤلف جماعي)، افريقيا الشرق،
ط: 2، 1994، ص ص: 249-277.
- خالدة
عليوة "تحولات الصراع السياسي بالمغرب"، في: جدلية الدولة و المجتمع (مؤلف
جماعي)، افريقيا الشرق، ط: 2، 1994، ص ص: 233-248.
- محمد
مونشيح "هيئة الإنصاف و المصالحة بين الحقيقة الغائبة و الإنصاف
المنقوص"، وجهة نظر، عدد:
الحوارات:
-"Herzenni déballe tout" brahim mokhliss, le reporter,
№ 457, 10 avril 2008.
المواع
الإلكترونية:
- www.ier.ma
( le site officiel de l'Instance Equité et réconciliation – IER-).
هيكل البحث:
المقدمة:..........................................................................1
المطلب
الأول: السياق القراري...................................................8
الفرع
الأول : ... وتنفّس التاريخ!!..............................................8
الفرع
الثاني : جرأة أكبر ... لكن بحذر..........................................11
المطلب
الثاني: العملية القرارية .................................................15
الفرع
الأول : تفاعلات ... فموقف..............................................15
الفرع
الثاني : مقاصد قرار......................................................22
الفرع
الثالث : وحدة في المبدأ ...لكن بدون ضمانات لعدم الإختلاف.............28
الخاتمة:........................................................................31
تواريخ:........................................................................35
المراجع:.......................................................................37
التصميم:.......................................................................40
[2] - د. عبد العزيز المغاري: مدخل إلى علم السياسة،
ج: 2، محاضرات لطلبة السنة الثالثة – إجازة ، شعبة العلوم السياسية، جامعة محمد
الخامس – أكدال، الرباط، 2006/2007.
[3] - كالمدرسة التي يتزعمها بنتلي و الكتابات التي
أفردها دافيد إيستون للإهتمام بالنظام السياسي من خلال إفرازاته القرارية و تعامله
مع محيطه الداخلي والخارجي، و قد أثرت هذه الكتابات في أوروبا بتأثيرها في الكثير
من الباحثين و على رأسهم وليام لابيار، و في بعض الباحثين العرب كذلك. أنظر:
م.ص.نفسهما.
[4] رشيد أحمد، مذكور في: محمد شقير، م.ن. ص : 142.
[7] - إذ
تعد مبادرة الراحل الحسن الثاني، على هذا الصعيد؛ و الذي لم يقدر له متابعة
أعمالها؛ بإحداث لجنة التحكيم للتعويض عن الإختفاء القسري و الإعتقال التعسفي؛ أقل
شمولا من هذه (جزئية، لأنها سعت إلى التعويض المادي للمتضررين من الإختفاء القسري
والإعتقال التعسفي فقط).
[8] - قتل جماعي؛ اختفاء قسري؛ اعتقال تعسفي؛ تعذيب
مؤدّي إلى الموت أو إلى عاهات جسدية و نفسية؛ محاكمات غير عادلة؛ تمديد في فترات
السجن بدون موجب قانوني؛ الحبس في ظروف قاسية؛ النفي؛ الحرمان من الحقوق المدنية؛
....
[9] - خالدة
عليوة "تحولا ت الصراع السياسي بالمغرب" في : جدلية الدولة و المجتمع، افريقيا
الشرق، ط: 2، 1994، ص : 238. أنظر بهذا الخصوص مثلا: خطاب الإعلان عن حالة
الإستثناء
(6
يونيو 1965).، فلما كان الشقاق خلال
التجربة التشريعية الأولى متمركزا حول الخلاف على طرق مراقبة سير نشاط الدولة،
زادت عوامل الضغط تفاقما إلى درجة خلق سيرورة من النزاعات أمست في نظرالملكية
مزعزعة للإستقرار.
[10] - يمكن تلخيص الحالات التاريخية المرتبطة
بممارسة عنف الدولة في المغرب في التالي:
-
الصراعات مع الحزاب في مطلع الإستقلال؛
-
التمردات القبلية ( أحداث الريف سنة 1958 و 1959، و أحداث بني ملال سنة 1960)؛
-
المواجهة بين الدولة و المعارضة الإتحادية؛
-
المواجهة بين الدولة و الإنقلابيين في صفوف الجيش في حادثتي الصخيرات عام 1971 و
قصف الطائرة المقلة للراحل الحسن الثاني سنة 1972؛
-
المواجهة بين الدولة و التيار الماركسي اللينيني؛
الحركات
الإحتجاجية (أحداث الدار البيضاء عام1965 و 1981 و أحداث الشمال سنة 1984 و أحداث
فاس 1990؛
-
المواجهة بين الدولة و التيار الإنفصالي في الصحراء؛
-
المواجهة بين الدولة و الحركة الإسلامية.
عن
مداخلة لـ: د. عبد الحي المودن ، مراكش 11-12 يونيو 2004.
[11] - محاكمات دجنبر 1963؛ مراكش1967؛ مراكش الكبرى 1971؛
يوليوز1971؛ أكتوبر1972؛ مارس1973؛ يوليوز1973؛غشت 1976؛ فبراير1977؛الدار
البيضاء1977؛ المجموعة71 في 1984؛ مراكش الأولى 1985؛ مراكش الثانية 1986؛ فاس
1991؛ و غيرها.
[12] - مذكور في: مصطفى تامك: هيئة الإنصاف
والمصالحة، كتجربة مغربية في معالجة
الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة في القانون الهام، جامعة محمد الخامس-أكدال-الرباط2006/2007..
[15] - عموما، إن الإضطلاع بمهمة مواجهة أنشطة الهيآت الخارجية لا تخرج عن
المهام الذي وُضع المجلس المذكور من أجلها. جاء في خطاب للراحل الحسن الثاني،
بمناسبة استقبال أعضاء لجنة البحث و التقصي المنبثقة عن المجلس (و هي اللجنة التي
أنشئت عقب أحداث مدينة فاس – دجنبر1990) : "... و مرة أخرى، أشكركم على عملكم
... و لي اليقين أن ما قدّمتموه في ظرف وجيز كان عند حسن الظن و استجاب لرغبتنا.
لأننا سئمنا من أن يتعرض بلدنا العزيز الكريم إلى اختلاقات و أكاذيب و إشاعات كادت
أن تُسوّد وجهه في الخارج."المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان: 10 سنوات في خدمة
حقوق الإنسان(منشور للمجلس).ص: 27.
[16] - كما تم الإفراج في نفس الوقت عن المعتقلين
السياسيين الذين استثنوا من العفو الذي أعلنه الحسن الثاني في 1994، وكذلك تم
السماح بعودة المنفيين السياسيين ( و هذا لا ينفي اسمرار استثناءات داخل هذه
المبادرة بدورها)، و أُحدثت كذلك مؤسسة ديوان المظالم في دجنبر من نفس السنة،
كوسيط بين الإدارة و المواطنين، لمعالجة شكاياهم و تظلماتهم.
[18] - مصطفى التامك، ص:10.
[19] - بلغت
المقررات التي أصدرتها الهيئة إلى حدود تاريخ 10 يوليوز 2000، حسب التقرير الختامي
لأعمالها 5488 مقررا موزعة كالتالي:
*
785 مقررا بإجراء خبرة طبية أو محاسبية و تعويضات مسبقة، و تعويضات احتفظ بها في
انتظار الإدلاء ببعض الوثائق الخاصة بأصحابها من الورثة أو ذوي الحقوق؛
*
4703 مقررا نهائيا، من بينها:
- 3681 مقررا بأداء التعويض النهائي؛
- 889
مقررا برفض الطلب خاصة لعدم وجود أي علاقة للطالبين بأي اعتقال تعسفي أو اختفاء
قسري؛
- 133
مقررا بصرف النظر لعدم استجابة أصحابها للإستدعاء أو لعـدم الإدلاء بالوثائق
الضرورية الخاصة بهم برغم مطابتهم بها.
و
تضيف الهيئة أنه تم الإستماع لنحو 8000 شخص، على امتداد 196 جلسة عامة و لضعف هذا
العدد بالنسبة لجلسات التحقيق.
و
قد بلغ عدد المستفيدين من التعويضات ما يناهز 7000 مستفيد، حسب الهيئة، كما بلغت
التعويضات الإجمالية إلى حدود 30 يوليوز 2003 حوالي تسعمائة و ستون مليون
(960000000) درهم. مذكور في مصطفى تامك، ص ص: 19-20.
-
[20] - التي انبثقت عن المناظرة الوطنية حول
الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و
المنظمة المغربية لحقوق الإنسان و المنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف بتاريخ 9-10
نونبر بمدينة الرباط.
[21] - هند الدردر"تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة
من خلال الصحافة المكتوبة المغربية"، أطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس- أكدال، الرباط، 2007/2008، ص ص:24-25.
[22] - هل تصلح هذه الذريعة لأن تشكل فتيلا لنكتة
سياسية ؟ يكفي القول هنا، أنها (أي الذريعة أعلاه) بالتأكيد تشكل تخريجة تستحق
إعادة الصياغة من وجهة نظر علم السياسة عبر مؤشراته العلمية.
[23] - وكأن هذا الجناح يقول: أنه لم تَحِن الشروط
بعد لإجراء مصالحة حقيقية... و أن بدايةً كهذه – تُغمض الأعين أمام انتهاكات جديدة
قائمة - عنوان فشل بامتياز.
[24] - و تجدر الإشارة على هذا المستوى إلى ان هذه
الخطوط الحمر أو "الفرامل" السياسية لم تكن من وضع جهات توصف بـ
"الدَّولَتِية" او "المخزنية" أو غيرها من التعبيرات التي
يزخر بها الحقل السياسي المغربي فقط، و إنما كذلك من وضع بعض الأحزاب التاريخية –
ولم بصورة غير مباشرة و تحت عناوين مختلفة
عن خلفياتها - التي سبق و ان تورطت في أعمال عنف ضد أطراف سياسية أخرى، و بذلك فهي
أيضا كانت ممن يخشون ذكر الحقائق التاريخية و تحديد المتورطين في بعض فصولها الحزينة.
[25] - تبدو هذه العقوبات المقترحة أنها لا تخرج عن
المعقولية السياسية و الأمنية... لكن حتى
هذا السقف الواطئ عُـدّ تجاوزا لخطوط حُمر في نظر أطراف داخل المجلس- و أطراف
خارجه بالتأكيد!!.
[26] - التي أثارت بدورها أصدقاء الحقيقة خارج المجلس-
من المجتمع المدني- الرافضين لأنصاف الحلول.
[27] - جريدة "الأيام" الأسبوعية، عدد 108،
لـ: 13-19 نونبر 2003.
[30] - أوليفيه دوهاميل وَ إيف
ميني: المعجم الدستوري، ترجمة: منصور القاضي، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و
التوزيع، ط:1، 1416ه-1996م، بيروت- لبنان، ص:1258.
[31] - هكذا قرار، يخرج عن اختصاص المؤسسة التشريعية
في المغرب (أنظرالفصل 46 -دستور1996)، لذا لم يطرق باب هذه المؤسسة؛ لا من قريب و
لا من بعيد.
[32] - و تجدر الإشارة أيضا، أنه لم تعطى مؤسسة
القضاء فرصة في الموضوع، سواء قبل تأسيس الهيئة أو بعد ذلك.
[33] - يَستشهد الباحث هنا بهذه الفقرة لـ: د. صعب
التي وردت بالتأكيد في سياقها الأصلي حول حالة أخرى غير حالة المغرب، وذلك في
مؤلفه: علم السياسة، دار العلم للملايين، ط:8، تموز(يورليوز) 1985، ص: 210.
[34] - مقتطف
من خطاب للراحل الحسن الثاني، أثناء استقبال لجنة البحث و التقصي في
أحداث فاس؛ التابعة للمجلس، 1991.
[35] - ظهير رقم 1.90.12 في 24 رمضان 1410 ه (20
أبريل 1990م) يتعلق بالـمجلس الإستشاري لحقوق الإنسان.
[36] - ظهير رقم 1.90.12 في 24 رمضان 1410 ه (20
أبريل 1990م) يتعلق بالـمجلس الإستشاري لحقوق الإنسان.
[37] -مذكور في مصطفى تامك، م.س.ص: 7.
[38] - تبدو للباحث العبارة التالية لـ د. عبد الله
ساعف دالة على هذا المستوى بشكل كبير: «من المفارقة أن أزمة الدولة تبدو أكثر بديهية
في وقت تبدو فيه أكثر قوة» " اضطرابات الدولة، حول العلاقة بين الدولة «البنيوية»
و الدولة «المتغيرة»" في: جدلية الدولة والمجتمع (مؤلف جماعي)، افريقيا
الشرق، ط: 2، 1994، ص: 252.
-
الدولة بعد قرار الإستثناء (1965) أكثر قوة، الأزمة أكثر بديهية/ الدولة بعد
انتخابات 1983 وتشكيل حكومة الوزير الأول العراقي التقنقراطية، أكثر قوة، الأزمة
أكثر بديهية/ ...
[39] - يتم اعتماد
النظام الأساسي للهيئة هنا، و ذلك بلُحاظ اتصاله المباشر بقرار إحداث الهيئة، وذلك
باعتباره - في النهاية - محتوى هذا القرار. إذ أنه شكل آلية تدخل الهيئة (السند و
الإطار القانوني في نفس الوقت)، كما و لا يجب أن يغرب عن البال أنه تمت المصادقة عليه بمقتضى ظهير ملكي
(ظهير 12 أبريل 2004، الجريدة الرسمية، عدد: 5203 بتاريخ 12 أبريل 2004).
[40] - في الواقع لم يجد الباحث كيف يفسر و لا في أي
سياق يضع العبارة التالية (التي تحتها سطر) الواردة في نفس الخطبة: " و
سنظل حريصين على الطي النهائي لهذا الملف، بتعزيز التسوية القضائية، و
تضميد جراح الماضي، و جبر الضرر، بمقاربة شمولية،..."!
[43] - www.ier.ma، و قد شكلت المصادر التالية
المرجعيات الأساسية لبناء تصور حول تدخل
الهيئة (نظامها الأساسي):
** المراجع العالمية:
- القوانين المنظمة للجان الحقيقة و المصالحة عبر
العالم، و الأدبيات الرئيسية حول الموضوع؛
- مقتضيات القانون الدولي ذات الصلة المباشرة و غير
المباشرة، من توصيات و قرارات الأمم
المتحدة، و تقارير المقررين الخاصين حول المواضيع، فضلا عن الدراسات المقارنة.
** المراجع الوطنية:
- الخطب و الرسائل الملكية المتعلقة بتسوية ماضي الإنتهاكات،
و بحقوق الإنسان عموما؛
- التقرير الختامي لأعمال هيئة التحكيم المستقلة، و
مقرراتها في هذا المجال؛
- مذكرات و مقترحات جمعيات الضحايا و الفاعلين
الحقوقيين.
[44] - هل من الضروري أن يتم التذكير هنا، أن بعضا
ممن هم تحت عباءة هذا الفريق كانوا من زمرة من حملوا عصيا في وجه المنتهَكة حقوقهم
الإنسانية، أو ربما ضغطوا على الزناد اتجاه الصدور العارية!!
[45] - محمد مونشيح "هيئة الإنصاف و المصالحة
بين الحقيقة الغائبة و الإنصاف المنقوص"، وجهة نظر، عدد: ص:
53.
[48] - محمد مونشيح، م.س. ص: 54.
[49] - بالتأكيد
الأسماء التي أطلقها الباحث على هذه القوى الثلالثة فيها نوع من المبالغة، و لكن
فيها – كذلك - درجة كبيرة من الصدقية،
تبرر اختيارها. أليس كذلك؟
[52] - يقصد ما يسمى في القاموس السياسي المغربي:
المؤسسات و القواعد المخزنية للدولة.
[53] - أنظر خطبته بمناسبة تنصيب أعضاء الهيئة بتاريخ
07 يناير 2004، و كذا خطبته بمناسبة إنهاء الهيئة لأشغالها بتاريخ 06 يناير 2006.
[54] - في الوقت الذي قلص القرار من رقعة نضالية
المجتمع المدني الحقوقي على صعيد ملف الإنتهاكات التاريخية، فتح ساحة أخرى جديدة
للنشاط الحقوقي، منطلقها : تفعيل التوصيات المذكورة.
[55] - أنظر هذه الإنتهاكات في التقارير الجديدة – و
خاصة الصادرة ما بعد أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، التي تُعِدّها المنظمات
الحقوقية الدولية (مثلا: تقارير منظمة العفو الدولية) أو الوطنية (تقارير الجمعية
المغرية لحقوق الإنسان و المنظمة المغربية لحقوق الإنسان).
و
اليوم تضاف إلى هذه القائمة أحداث سيدي إيفني، يونيو 2008.
[56] - أنظر على سبيل المثال، حالتَي عبد الحق بناصر
و محمد بو النيت، في التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لعام 2003، ص
: 26.
[58] - انظر لائحة جديدة لهذه الإنتهاكات في: تقارير
منظمة العفو الدولية (مثلا تقرير 2006 ص: 245) و تقارير الجمعية المغربية لحقوق
الإنسان ( مثلا تقرير 2003 ص: 26).
[61] - م.ن. ص: 54.
[62] - في تقديمه لمؤلَّف د. عبد الهادي بوطالب، نصف
قرن في السياسة، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء،
أكتوبر،2001.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق