كلمة الشاعر والمترجم رشيد وحتي (بمناسبة تتويجه بـ "جائزة خديم الثقافة والكتاب" لنادي سحر الكتب - الخميسات) - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الثلاثاء، 7 فبراير 2023

كلمة الشاعر والمترجم رشيد وحتي (بمناسبة تتويجه بـ "جائزة خديم الثقافة والكتاب" لنادي سحر الكتب - الخميسات)

وعَلَّمَ الشَّاعِرُ المُتَرْجِمَ أَسْمَاءَ الْخَرَائِبِ كُلَّهَا


1.

سِحْرُ الْكُتُبِ. الْبِيبْلْيُومَانْيَا  bibliomania. الْبِيبْلْيُوفِيلْيَا bibliophilia. الفردوسُ مكتبةً (أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمَذَانِي برواية أَبِي الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِي، بُورْخِصْ، أَلْبِرْطُو مَانْڴِيلْ، كِيلِيطوُ). الانتشاء برائحة الورقlivresse . وليس انتهاءً بهوس أكل الورق. كلُّها حالات وأحوال كانت تبدو، إلى عهد قريب، نوعا من الشذوذ المستهجَن، وفي أدنى التقديرات: مكروهات. ومع سؤدد ثقافة الصورة الإلكترونية والمهن الطفيليَّة métiers-parasites المُدِرَّة لمال وفير وسهل، وثقافة السوق الكونيَّة المهيِّجة لقطعان من أغبياء أدغال الشبكة الرقمية، يبدو أن هذه الحالات الولهانة بالورق ومحمولاته ستصير في حكم الديناصورات المنقرضة، ليصير أيضا تناول الكتاب في اليد مشهدًا نادرًا، إن لم يكن مثيرا للريبة، لريبة قطعان حِملان العالم الرقمي العالِقةِ عقولهم بهواتف ذئاب العالم، العالم وقد صارَ هيپرماركت بلا حدود ولا قيم.

لقتامة هذا المشهد، لهذه الأسباب كلِّها — ولغيرِها الّذي سآتي على ذِكرِهَ — تشرَّفتُ بقبول تكريمي من طرف نادي سحر الكتب بالخميسات، ضمن تضامن الأقلِّيات وتظافر جهودها في وجه سيادة القبح وتسليع الثقافة.

فلم أكن لأقبل بهذا التكريم — وأنا الذي أصون نفسي من الانتساب لجماعة/جهاز/مؤسسة رسمية أو شبه رسمية —، إلَّا لأنه أتى من هامش وحش الدولة البارد، من جمعية لا تنتسب لسلطان.

2.

أقف الآن على الصفة التي كرَّمتموني بها: الشاعر والمترجم. شكرا لهذه الواو، شكرا لهذا العطف والتَّرتيب. شكرا لهذا الربط بين النشاطين، الَّذَيْنِ ما زال الفصل بينهما — على المستوى العربي — تعسُّفيًّا، وبالخصوص في جانب ترجمة الشعر في جماع الشعر وترجمته.

فالمترجِم، عربيًّا، مجرَّد ناقلٍ للمعاني من لغة إلى أخرى، في تقديرٍ مجحِفٍ زاده جشع الناشرين واستسهال بعد الرِّجِّيمين لنشاط الترجمة بتواطؤ مع الزميل  googletranslat، عميد الزملاء الرِّجِّيمين العرب.

فلن يكون الذكاء الاصطناعي أبدا، ولا غيره من أشكال التقدم على حطام عِظام البشر، بديلا حقيقيا لإبداعيَّة الإنسان ولرواج خياله الخلَّاق بين الألسن والأمم.

3.

أنا مترجِم، لأنِّي شاعر. وكلُّ نصٍّ أترجمه جزءٌ من أعمالي الناقصة بوصفه إعادة كتابة، كتابة لكتابة، من خلال الهجرة بالنَّص من جغرافيا ثقافية إلى أخرى. فربَّما توفَّق المترجم المحترف في نقل الأجناس الكتابية كلِّها، إلا الشعر، فهو بحاجة — بالضرورة — إلى شاعر مترجِم.

4.

منذ عقدين ونيف، رسا مشروعي الترجمي على بضعة أسماء وجماعات أدبيَّة/فكرية، أطمح لأن تستوي في كتب مطبوعة: ريتسوس، ريلكه، كافكا، پسوًّا، قصيدة النثر العربيَّة والعجمية، السرياليون.

ويبقى مشروعي الأضخم، ترجمة وتأليف منتخبات من الشعر العرفاني العالمي، بشقَّيه العربي والعجمي (فارسي، خراساني، تركي، لغات شبه القارة الهندية)، ومن ضمنه عرفان باقي الأديان السماوية والوضعية (يهودي، مسيحي، هندوسي، بوذي، كونفوشيوسي، طاوي، زن، لاديني..).

5.

وفي الأخير لا يسعني إلَّا العرفان بالجميل لِبِنْتَيَّ، وزوجتي ثَالِثَهُنَّ. فلولا حنوُّهنَّ عليَّ كابنٍ لهنَّ، وتضحياتهنَّ البالغة لتوفير الوقت والجهد والمال، على حساب حاجياتهنَّ ومستلزماتهنَّ الأسريَّة، لما كان لي أن أنجز شيئا ممَّا رأى النُّور لحد الساعة.

6.

شكرا لكل هذا النُّور الذي أضأتم به بعض ظُلُماتي...


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق