إدريس هاني - رحيل شاعر ليس كالشعراء: مظفر النواب (رثائية) - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

السبت، 21 مايو 2022

إدريس هاني - رحيل شاعر ليس كالشعراء: مظفر النواب (رثائية)



 

في هذا اليوم المشهود ترجّل شاعر ليس كالشعراء، أصدق لهجة، وهو في نظمه يستئنّ ناي القصيد، اليوم وتحديدا عند الساعة الثانية والنصف(الجمعة، ماي، 2022)، رحل الشاعر العربي العراقي ابن الهور، مظفر النواب، بمشفى الجامعة بالشارقة بعد مصارعة طويلة مع المرض.

تغنّى مظفر بكل مآسي العرب، مشى بشعره صادحا يحمل رسالة تظلّم لا تبرد أبدا. مظفّر معلمة من معالم العراق، ما أكثرها، حملت قصائده معالم المجد والمروءة، وبها فقط حاكم الانحطاط. إنّه ترجل حين استيقظت القدس التي زفّها يوما عروسا للعرب: القدس عروس عروبتكم.

طاف مظفر بشعره بين عواصم شتّى، انتقل من ليبيا ولم يجد له عاصمة تأويل يومها ماعدا الشّام حيث ضاقت به الدنيا ضرعا. كان قد استعاد بعضا من حيويته بالشام، سألته ذات مرة عن شعوره هناك، فأبدى بعضا من الانشراح، على الأقل لم يشارطوه على وجوده، ككائن لا يفتر عن الأنين. وهناك كتب مزيدا من الشعر، فعل ذلك في طقس وسعي يومي بين مقهى الهافانا والروضة. مظفر من الشعراء الذين يصعب تعويضهم، فوفاته ثلمة في مبنى القصيد وروح الشعر وصدق لهجته. رحل مظفر وقد كان في حالة انتظار، حين كتب مغاضبا:

 

"فوالله لولا المجاذيفُ مكسورةٌ

ما تَرَكتُ عَلى الأَرضِ هذي السَفينة

إلهي أَعِنِّي لِأَهزِمَ هذي المجاذيفَ

من قَبلِ أَن يَهِنَ العَظمُ منّي ويَكسِرني الحِملُ

إنِّي أُعاهِدُ وجهَكَ ألّا أَعودَ ليابِسَةٍ يُمتَطىٰ النّاسُ فيها حَميراً .."

 

في حالة مظفر ليس أصدق الشعر أكذبه، فهناك فائض من مجازاتنا التي بها نتجاذب المعنى، بل أصدق الشعر في قصيد مظفر هو أصدقه وكفى. كلمة واحدة من مظفر تؤرّخ لأنين النكبة، تغسل دموع يتامى الخراب العربي. كيف تكون الحروف مثقلة بالمعنى الخالد، حين يتوارى كل الزّيف. سيرحل مظفر لتكتسب قصيدته رونقا آخر، سيمنحها رحيله لا محالة ولادة جديدة في هذا المنعطف الكبير. قصيدة مظفر بوصلة تحدد وجهة المشاعر الصادقة، وتخرق البحور والمقولات، لتعانق الحقيقة في المنحدر الوعر، في المتاهة اللانهائية للعناد العظيم الذي تمنحه إرادة الكلمة الحرّة. جفّ الهور ولم يجفّ ابنه البارّ الوفيّ للمعنى والقضية. ترحل عنّا روعة الكلمة الحرّة وبقاياها، كم هو مرعب هذا الآتي الذي يتهدد المعنى ويقوّض روح الشّعر، لما كان هذا الأخير في نشأته العربية نهرا يجري في صحراء توحي بالظّما. لقد ارتوى العربي الأوّل شعرا، فإذا ما انقرض الشعر فهل سيبقى العرب؟

رحم الله مظفر، والعزاء لمحبيه، وللعراق والأهوار والقدس وكل من وجد في شعره بعضا من العزاء...

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق