فؤاد بلحسن - مستشارو الخميسات وقرار العامل بشأن الاغلاق الجزئي للمدينة - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الأحد، 25 أكتوبر 2020

فؤاد بلحسن - مستشارو الخميسات وقرار العامل بشأن الاغلاق الجزئي للمدينة



حينما تجد نفسك أمام وضع يضعك على مفترق طرق: إما أن تقول الحقيقة المطابقة لمعطيات الواقع وسياقه أو تدغدغ مشاعر الناس وتثير عواطفهم، فما عليك حينها إلا أن تُشغِّل ضميرك العميق؛ لأنه كفيل بأن ينبهك إلى أن التاريخ ينتصر للحقيقة ويرمي بالزيف إلى مدارك النسيان. فالخيط الفاصل بين أن تكون في هذه الجهة أو تلك، هو نفسه الفاصل بين الشجاعة والجبن، بين التقدير الصحيح للمواقف والشعبوية، بين السياسي النبيل والسياسي الوصولي.

بعض المستشارين الجماعيين من الأغلبية والمعارضة، ومعهم ساسة آخرين، ينتقدون، بصيغ غير مباشرة، قرار العامل بتاريخ 16 أكتوبر الجاري؛ الذي أقر إغلاقا جزئيا للمدينة؛ وهو ما يُظهرهم كأشخاص يقفون في صف الناس والفئات المتضررة من هذا القرار. بل منهم من ذهب إلى أبعد من هذا، ليعلن أنه قرار غير مفهوم أو غير منطقي أو يفتقر لمبررات كافية. وهم، في توجههم هذا، إما يمارسون الشعبوية أو العاطفة غير المعقلنة أو السياسة السياسوية أو النية الحسنة-الساذجة!

والملاحظة التي يمكن إثارتها، في البدء، بهذا الشأن، هي أن هؤلاء باتوا يغردون بصورة فردية مستقلة في موضوع حساس كهذا، في وقت تغيب مكاتب أحزابهم عن مدارسة الأوضاع وتقييمها والحكم عليها جماعيا وبصورة عقلانية أكثر، والتواصل مع الساكنة بناء على ذلك. وهذا مؤشر إضافي على التدهور الخطير الذي لحق بالمكون الحزبي المحلي. ولَكُم أن تتذكروا تاريخ آخر بيان أصدره هذا الفرع الحزبي المحلي أو ذاك، على امتداد هذه الفترة العصيبة التي مرت منها الساكنة وما تزال.

ويا ليت هؤلاء المستشارين التفتوا إلى شيء واحد، وهو أن قرار العامل -بغض النظر عن الموقف من أدائه في ولايته الجارية- لا يمثل العامل نفسه، وإنما هو قرار يطمح إلى حماية الصحة العامة في المدينة ومصلحة البلاد ككل. ولا يوجد دليل على أن هذا القرار يخدم مصالحه الشخصية أو مصالح فئة تقف وراءه (وعلى من يقول العكس أن يعرض لنا أدلته!).

هكذا جرى تأويل القرار العاملي بصورة متعسفة، من خلال عزله عن سياقه، ليس المحلي فحسب، بل الوطني والدولي أيضا. وتم التنكر أيضا لآراء الخبراء في المجال الصحي-الوبائي. وكأن الموجة الثانية، الأكثر انتشارا، لا تعني شيئا في القاموس الخطابي للمستشارين، ولا تستحث منهم أي حيطة اتجاه المخاطر المحتملة.

إن ما يتعين التأكيد عليه هنا، هو أن القرار العاملي المعني ليس بقرار فردي جرى اتخاذه بناء على مزاجه الخاص، وإنما هو قرار خضع لمسلسل قراري يتداخل فيه الصحي بالاجتماعي بالاقتصادي بالإداري، وتتداخل فيه الصلاحيات والهيئات والتراتبيات الإدارية، مركزيا وترابيا. وأن هذا القرار إذا لم تُر فوائده الآن (وهي موجودة لمن يفتح عينيه بما يكفي)، جاء مراعاة للضبابية الذي يحملها المستقبل، بناء على توقع جيد للمخاطر (بالضبط، كما كان قرار إغلاق الحدود جيدا في بداية الأزمة. لا تنسوا!). ومن شأن هذا التوقع والتدخل الاستباقي أن يضمن لنا مسافة معقولة عن الخطر المحتمل (والذي سيصير حتميا لو تم تجاهل احتماليته)، ويحمي الجميع من تهور القفز إلى المجهول (خاصة، في حالة استمرار  غض الطرف عن رؤية المخاطر والعيش كما لو أن شيئا لم يكن). ففي زمن الأزمات الكبرى، لا نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام من دون أن نشيد خطوط دفاع أولية ضد المهددات والانزلاقات الكبرى حتى ولو لم تكن مرئية الآن.

ولذا، فإن الديماغوجية التي يمارسها بعض المستشارين لن تنفعنا في هذا الظرف الحساس والاستثنائي الذي ترتبط به حيوات وصحة ومعيش عديد من الناس. فالعقل الذي لا يستطيع أن ينظر أبعد قليلا، ليكشف ما في القرار من تطلع لتدبير المخاطر الآنية والمستقبلية في آن، لهو عقل ديماغوجي بحق، سيقودنا إلى مزيد من المصائب ومعاناة أكبر، حتى ولو تذرع  بالدفاع عن الضرر الجزئي الذي لحق للبعض فئات الناس. كما أن العقل الحسابي الصغير الذي لا يتجاوز أفق الغد أو الأسبوع، ولا يلتفت لما هو غير مرئي ولما يخرج عن معادلات الحساب، قد يمهد لإلحاق ضرر استراتيجي كبير للمدينة والاقليم والبلاد بعد شهر أو سنة.

هنا، يبدو أن الذين سخروا من البند المتعلق بغلق المساحات الخضراء في وجه الساكنة، هم أكثر جدية في ذلك من كل العروض السياسية التي يقدمها بعض المستشارين الجماعيين وإلى جانبهم بعض الشخصيات السياسية والمدنية. فعلى الأقل اتجهت السخرية لمحل موضوعي، بينما ظلت آراء هؤلاء معلقة في الهواء بلا سند أو حجج. ويا ليت المستشارين يهتمون بما انتدبهم الناس من أجله. عوض أن يعتبروا تغريداتهم المستمرة على الشبكات الاجتماعية إنجازا في ذاته، يستحقون التتويج عليه. وهذا من أعاجيب الزمان!

وهنا، أمسى من حقنا أن نتساءل: هل أمست أصوات الناس في الانتخابات المقبلة ونقرهم لزر الإعجاب على الشبكات الاجتماعية أهم من الحرص على حياتهم وحياة المسنين منهم بخاصة؟ من سيلتفت لهذا التدهور الذي لحق بالشأن الحزبي بالمدينة، بصورة فتحت علينا باب المواقف الأهوائية بعيدا عن أي عقلنة سوسيوسياسية لسلوكيات وخطاب الفاعل؟ هل أمسى الأداء الحزبي والعمل السياسي مرادفا لـ "قل وافعل ما يحلو لك!"؟ ألا يستحق الأداء السياسي في زمن الجائحة شيء من العمل المؤسساتي المعقلن والموقف الجماعي المسؤول؟ ماذا لو أدى النقد لقرار الإغلاق الجزئي والتراخي في تطبيق مقتضياته الاحترازية إلى وضع يفرض اتخاذ قرار بالإغلاق الكلي قريبا؟ وما الأفضل، بالنسبة للمدينة والساكنة والمرافق العمومية والطبقة الشغيلة وأرباب العمل، الاغلاق الجزئي حاليا ولو على مضض مع حظ لابأس من الأمان السوسيواقتصادي، أم الاغلاق التام لاحقا كنتيجة لسوء تقدير المخاطر مع العض على الأصابع ندما؟

ونختم بسؤال أخير: ماذا لو أدى إنهاء الاغلاق الجزئي أو التخفيف منه إلى أزمة صحية تفوق قدرات المرفق الصحي بالمدينة والبلاد عموما؟ هل سينقلب أصدقاؤنا المستشارين حينها إلى معارضين للسلطات العامة بدعوى الإهمال والتأخر في اتخاذ القرارات أم ماذا؟!!

أيا مستشارين.. لا تجعلوا من الحقيقة ضحية أولى ومن الساكنة ضحية ثانية ولو بعد حين.. تعقلوا، يرحمكم الله... فقد أتعبتمونا!!!


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق