[أو حكاية مَصْيدة بلفيل، ثورة الصراصير ومهرجان الـمْرَايْشَة]
"السياسة من ذَهبٍ إن صَوَّبتَ البوصلة،
وأسرجتَ للغد طعامه،
والسياسة من حطَب، إن خانتْكَ النباهةُ، واستقرَّ
فيك شيءٌ من العُجُب..."
عبد الإله بلقزيز
دعك للحظات من المناوشات الجارية بشأن المهرجان الإقليمي الثاني
المزمع تنظيمه. تلك قصة أخرى. إنها مجرد شجرة تخفي وراءها غابة من ثلاث سنوات من
الشراكة السلبية والتردد والتخبط والفشل والهزيمة السياسية. فالمجتمع المدني لا بد
أن تكون له وقفة خاصة به بعيدا عن حسابات الساسة ومصالحهم الصغيرة التي تتدَثَّر
بألف دِثار ودثار.
إننا على مشارف نهاية مرحلة من تاريخ تدبير المدينة في ظل دستور
2011 ودخول مرحلة أخرى، مفصلها الأساس، انتخابات تجديد المكتب المسير للجماعة، والسؤال الأساس: ما هو مصير بلفيل والأغلبية
المسيرة؟ ولأننا نبتعد قدر ما نستطيع عن لعبة «قراءة الفنجان»، نطرح السؤال
الموازي، لنقرأ المشهد بالخُلف: كيف جرى تفعيل الشراكة السياسية بين بلفيل
والكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر المجلس
الجماعي لبلدية الخميسات؟
* *
* *
أولئك الذين ينتظرون لاشيء!
حينما صوَّت أنصار حزب العدالة والتنمية والمتعاطفين معه لصالح مستشاريه
في الانتخابات الجماعية الأخيرة لـ4 سبتمبر 2015 بمدينة الخميسات، كانوا واعين
بالمضمون السياسي لهذا التصويت وبِــرِهاناته. بوَّؤوا الحزب محليا المرتبة الأولى،
بالرغم من كل محاولات التأثير على النتائج من هنا وهناك؛ وذلك حتى يُشكل أغلبية
تقود تجربة تدبير المدينة للست سنوات القادمة. أدت هنا شخصيةُ الذي ترأس اللائحة
المحلية (عبد الله بنحمو) دورا بارزا؛ بعد أن رأى فيه الناخبون شخصا متواضعا وصاحب
يد نظيفة ورجل إنصات وتفهم – هذا إلى جانب، طبعا، مجهود ماكينة الحزب ومؤسساته
الرديفة (الجمعيات الاجتماعية والتثقيفية)، التي لعبت دورها في التعبئة والإقناع. ولا
ننسى التأثير العميق لكاريزما بنكيران ذاته على كل مجريات العملية الانتخابية
حينها من شمال المغرب إلى جنوبه. لكن مع مرور الأيام، وانطلاقا من قبول الحزب
التحالف مع بلفيل، بدأ الشك يتسرب إلى نفوس الناخبين والأنصار والملاحظين على
السواء. وثلاث سنوات كانت كافية لتأكيد صوابية هذا التشكيك؛ حيث خرجت المدينة،
جراء هذه الشراكة السياسية، بخُفَّـيْ حُنين – عَدا بعض الترقيعات هنا وهناك!
وانظروا معي إلى تشابه قصة هذه الكتابة المحلية لهذا الحزب مع
قصة زعيم الحزب، عبد الإله بنكيران. ففي عز
انتصارهما توارَيا إلى الخلف، مع فرق بسيط لكن كبير في نفس الوقت؛ وهو أن بنكيران توارى إلى خلف
المشهد السياسي برأس مرفوع وسمعة تحسده عليها كل القيادات السياسية في البلد وخارج
البلد، بينما تتوارى – أو تنزل إلى القاع – الكتابة المحلية للحزب بصورة
دراميتيكية. فمن التحالف مع كبير اللصوص، إلى البحث عن المواقع، إلى الحيرة والإحساس
بالشلل، وصولا إلى الاستئناس بالوضع القائم – مع بعض المناوشات النضالية بين
الفينة والأخرى التي لا تُغني ولا تسمن من جوع بالنظر إلى أن محرك اللعب ومهندس
قواعده يبقى هو الرئيس بلفيل ولا أحد غيره (والاستثناء قليل: ملف توزيع أموال
الدعم على الجمعيات في دورة أكتوبر 2017 على سبيل المثال)!
قبل حوالي 3 سنوات، لم يسمعوا نصيحة من نصحهم من الأنصار
والصحفيين والمثقفين والناس العاديين بأنهم على وشك ارتكاب جريمة في حق أنفسهم
والمدينة. سفَّهوا كل ما قيل، وركبوا رؤوسهم وتقييماتهم الضيقة، من دون تقديم
مبررات مقنعة كافية. كل الناس سَجلوا ولاحظوا أن قرارهم ذاك يخالف منطقهم
وشعاراتهم هم أولا قبل غيرهم. وها هم الآن حيث الحال يُغْني عن المقال! كأني بهم
أضعف مما كانوا عليه في الولاية السابقة مع البويرماني (رئيس المجلس السابق) وحسن
فاتح (عامل الإقليم السابق) الذي لم يَأْلُ جهدا لعرقلتهم وإرباكهم!
فبعدما أنهوا الانتخابات فائزين وأصبحوا العمود الفقري للأغلبية
المدبرة واقتسموا المسؤوليات مع باقي الحلفاء من خلال التفاهم مع بلفيل، وبعدما نُقِل
عامل الإقليم المذكور آنفا، اعتقد مستشارو الحزب أن مرحلة جديدة من العمل السياسي
والتدبير الجماعي قد مَدَّتْ أمامهم الزرابي الحُمر. والآن هاهم "يصرِطون
البيض" والقليل منهم فقط (الله
يشافيه ويداويه) يمكنه المجادلة دفاعا عن إنجازات قد يراها ولا نراها! أما
"معركة المهرجان" فتلك ملهاة أخرى لن تُـغني ولن تُسمن من جوع. فالقضية
الأساس هي هنا، في قلب نمط التسيير الجماعي وحصيلة هذا التسيير خلال الثلاث سنوات
الأخيرة.
قد يردد أحدهم من الحزب ذلك الشريط المكرور: «لم يكن لدينا
خيار غير
التحالف مع الرئيس الحالي»! نقول، هذه ملهاة أخرى! ثم، هَبْ أننا صدقناك،
فهاتِ الحصيلة!
المناضل الحزبي: بين المصلحة الشخصية المشروعة والمصلحة الشخصية غير المشروعة
لقد بلغَت معايني ومتابعتي خلال الثلاث سنوات الأخيرة لانحراف
مسار هذا الحزب على الصعيد المحلي إلى
درجة ما عدتُ أميز بينه وبين باقي الأحزاب في المدينة: شلل في الفعل السياسي، شبهُ
غياب للإنجاز، فشل في التدبير المؤسسي الداخلي، تفكيك للشبيبة، استثمار في الحزب
بهدف تسلق السلم الاجتماعي، الافتقار إلى اللمسة السياسية الخاصة، إلخ.
وهنا أتساءل:
كيف أمسى هذا الحزب مجرد رقم عادي في معادلة الشأن الحزبي
بالمدينة؟
كيف أمست الانتهازية والوصولية تسمو على هم العمل التنظيمي
الدؤوب والمصلحة المحلية بالنسبة لبعض أعضاءه (لا أعمم)؟
كيف أمسى القرب من عناوين الفساد مصلحة لبعضهم بدل النأي بالنفس
عن الشبهات؟
هل نحن أمام منعرج خطير من شأنه أن يدفع إلى شَلِّ قدرة التنظيم
– كمؤسسة راعِية للأخلاق السياسية والفعالية التدبيرية - على التمييز بين انتهازية
الأعضاء كفاعلين منحرفين وطموحاتهم الشخصية المشروعة كفاعلين راشدين؟
تحيلنا هذه الأسئلة إلى خيط رفيع في الممارسة السياسية، يفصل
بين السياسة كفعل بِنَاء لمصلحة العموم والسياسة كفعل تخريب وتزييف واستثمار شخصي،
بين المناضل الخدوم والمناضل الباحث عن فرص، بين المؤسسة الحزبية المؤطِّرة لفعل
سياسي واع وأخلاقي وفعال والمؤسسة الحزبية كعلبة تتقاطع فيها المصالح الصغيرة بشكل
فوضوي مع الدعاية السياسية والأعمال الاجتماعية التي تُغَطي الهفوات والزلات الكبيرة
وتضمن تماسك الكتلة الناخبة.
هذا ما لم تستطع حتى الآن الكتابة المحلية مناقشته بصراحة وشجاعة
كافيتين بعد أن اخترقت جدران من الاسفلت البارد بنية العلاقات النفسية بين أعضاءه،
إلى درجة أمسى بعضهم يتعامل بلغة الإشارات والرموز والقيل والقال ولغة الكواليس مع
البعض الآخر.
إفلاس الحزب والشبيبة؟ !
ما يحاول أعضاء الحزب إخفاءه على الجمهور (ولهم الحق في ذلك) هو
أن الكتابة المحلية وعلى امتداد 3 سنوات أمست، تقريبا، شبه مشلولة! ولم ينتبه
أعضاء الحزب – أو ربما صعُب عليهم الاقرار - أن الكتابة المحلية تسير تدريجيا إلى
الإفلاس. فلا المكتب المحلي كان على ما يرام، ولا الشبيبة. والمصيبة أن بعضهم حاول
جهده أن يقمع حتى السؤال والتفكير النقدي داخل هذا الفرع المحلي بخصوص الأزمة. وقد
لاحظت بأم عيني كيف أن بعض أعضاء شبيبتهم ينهر بعضه الآخر ويقمع حقه في مراجعة
ومساءلة أداء المؤسسة الحزبية محليا.
وهكذا، عاينا كيف أمست الكتابة المحلية شَذَر مَذَر، كلٌّ فيها يغني
لـِـلَيْلاَه !!! حتى أن
بعضهم صار يؤدي دور المعارضة باستماتة تفوق المعارضين السياسيين خارج الحزب
أنفسهم، بعد أن يئس من إمكانية تحقيق إنجازات ذات شأن في ظل وتيرة الأداء الجارية
على مستوى المجلس الجماعي حيث يشكلون أكبر كتلة سياسية.
ومع الوقت، وجدوا أنفسهم في مأزق أمست معه حتى الصراصير تتجرأ على التطاول والمزايدة عليهم [الصرصور: هو
ناشط المجتمع المدني الذي يتحدث باسم الشعب ليسرق خيراته وأمواله!]. ولم تكتف
الصراصير بهذا، بل ها هي تستثمر في عناصر قوة الشارع وتُشَكِّل جبـهات الرفض وتتحدث
باسم القضايا العادلة وتَعْرِض مطالب الشارع وتحتل الفضاء العمومي وتحشد الأنصار
(المداويخ الحقيقيين)، بينما تتوارى الأحزاب والنقابات يوما بعد يوم إلى الخلف. وربما
أمسى بمقدرة صرصور واحد – وبإشارة من أصحاب الحال وتماشيا مع مصالحهم - أن يُعبِّأ
الرأي العام بشأن ملف ما أكثر مما تستطيعه الكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية
بِـرُمتها، مؤسسات ومناضلين وأنصارا ودعايةً. فلو كان أداء الكتابة المحلية مقنعا
وعملها الميداني قريبا أكثر من الساكنة المحلية لشكَّلت هذه الأخيرة حائط الصد
الأول لصالح الحزب ضد الوقاحة الزائدة لهؤلاء المتطاولين على مستويات الإعلام
والعمل الميداني على السواء.
«قضية المهرجان» كقناع فاقع:
في الواقع، لقد كُتب هذا المقال قبل انعقاد المؤتمر الإقليمي
الرابع للحزب بتاريخ 3 يونيو 2018 [إقليم الخميسات]، وقبل تجديد الكتابة بتاريخ 24
يونيو 2018، ولم يُـنشَر في حينه لأسباب موضوعية. وفضَّل كاتب السطور نشره كما هو،
لأنه لم يجد أي سبب لإعادة النظر فيه، خاصة وأن هدفه المساهمة مع غيره في تقييم
دور وأداء العدالة والتنمية في مرحلة من تاريخ المدينة. أو باختصار، لا مجال للالتفات
إلى هذه الفرقعات الإعلامية التي أطلقها الحزب وخصومه والتي تمحورت حول المهرجان
المرتقب. المشكل ليس هنا. بل أكثر من هذا، أعتبر أن رد فعل المستشار ممثل الحزب في
المجلس الإقليمي، مشعر، في هذه القضية لا
يعدو أن يكون رد فعل ينطوي على حيثيات لا تنضبط لأصول النضال السياسي، بالرغم من
أن موقفه يسير في خط مواقف الحزب الصحيحة محليا ووطنيا في هذا النوع من القضايا.
وشخصيا أنحاز للتأويل الشخصي في هذه النازلة، لأنني لم أر مثيلا لهذا "الموقف
المناضل" سابقا في قضايا أهم وأكثر فداحة. فمثلا، لماذا لم نر نفس رد الفعل
حُيال صفقة 7 مليار سنتيم التي أسالت مداد المنتقدين وشغلت عقول الناس؟ لماذا لم
نر نفس رد الفعل حيال تأخر تنزيل هذه الصفقة التي تحولت إلى نقمة على المدينة أكثر
منها نعمة؟ لماذا لم نر نفس رد الفعل حيال الفوضى العارمة التي ترزح تحت وطأتها
المدينة؟ لماذا لم نر نفس المواقف حيال هذا البطء والالتوائية في التعاطي مع ملفات
المدينة داخل مداولات المجلس الجماعي تحت رئاسة بلفيل؟ ما موقف هذا المستشار من
أداء بلفيل خلال 3 سنوات؟ ألا يستدعي أداء المجلس الجماعي استقالة كريمة هو الآخر؟
كل هذا يفيد عندي وعند كثيرين غيري أن الأمر لا يعدو انتصارا للذات في بعدها
الشخصي وتصفية حسابات بينية بين لحموش ومشعر لا أقل ولا أكثر. وكل ما أستفيده حقيقة
كملاحظ من هذه القضية، هو أنها عبَّرت لي بالملموس، مجددا، أن مشعر ما يزال رقما
صعبا داخل الحزب. إذ مايزال بمقدرته توجيه الحزب في الكثير من الملفات التي يكون
طرفا فيها أو يهتم بها هو كشخص معني بالدرجة الأولى. ولا شك أن الرجل بهذا السلوك،
يُصَعِّب ويُفَوِّت على الحزب الكثير من المهام والقرارات ذات الأولية (وهذا موضوع
آخر قد نعود إليه إذا لزم الأمر]. وإذا كانت هذه المعارك تبدو في الظاهر أنها توحد الحزب خلف معركة واحدة، فإنها في
العمق ومن الناحية الاستراتيجية تُعمق الهوة بين أعضائه حينما تتحول إلى معارك
سياسية خاسرة وتنكشف عدم جديتها ولا أهميتها مقارنة بباقي الملفات التي تنتظر المعالجة والحل.
وهكذا، ومن خلال معلومات أكيدة جرى التأكُّد منها في أكثر من
واقعة، أستطيع أن أؤكد أنه خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وبسبب التأخر في التعاطي مع
الملفات الجدية بشجاعة وحكمة، أصبح بين قيادات الكتابة المحلية حواجز نفسية بالجملة.
حتى أنني أستطيع الحديث عن بروز 3 جبهات سياسية على الأقل داخل الحزب: جبهة
الموالاة شبه المطلقة لخيار السير في خط بلفيل مهما كلف هذا الاختيار (جبهة مشعر)،
جبهة التمكين التدريجي، أي التدرج في ضبط دواليب التسيير من خلال المجهود والمثابرة
والحضور المستمر (جبهة بوجة / وهذه الجبهة
تضم أغلب عناصر الحزب ليس بالمعنى العضوي ولكن الموضوعي، كنوع من الالتقائية في
المواقف. وقد عكست هذا التوازن الانتخابات الداخلية الأخيرة، إقليميا ومحليا)، جبهة
المعارضة والنضال السياسي من داخل الأغلبية (جبهة يوسف بنهيبة / ونجد فيها أصوات
بعض أعضاء الشبيبة أيضا من الذين أمست لهم مجسات يلتقطون من خلالها نبض الشارع
بكفاءة تزيد على كبار القوم داخل الحزب).
ما هو القاسم المشترك بين جميع هذه الجبـهات؟ غياب رؤيا وبرنامج
سياسي واضح وجامع.
مغارة علي بابا ومستقبل الحزب!
إذا استمر الوضع في هذا المنحى، ما عساه يكون مصير الحزب ومناضليه؟
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، أعتقد أن الحزب سينتهي إلى بروز
3 توجهات رئيسة لا يخدم بعضها البعض: التوجه1: سيخرج دراويش الحزب والمناضلين
الشرسين من حلبة التدافع، بحيث إما سيعودون إلى بيوتهم مبتعدين عن هذه الجعجعة بلا
طحين أو في أحسن الأحوال سيلزمون مجالس حركة التوحيد والإصلاح (اللجوء إلى/في
التربية لعدم تجدد الاقتناع بالمشروع السياسي للحزب). التوجه2: ستستمر فئة أخرى من
المناضلين في الدفاع عن مشروع الحزب ومرجعيته السياسية-القيمية بالرغم من كل مظاهر
التيه ورسائل اللاَّجدوى التي يبعث بها حاليا الداخل (دينامية الحزب، محليا ووطنيا)
والخارج (دينامية القوى السياسية والمجتمع المدني المحلي). التوجه3: "هادا
غادي يخرج ليها نيشان"؛ فهذا هو خيار أولئك الذين سيُطبِّعون مع الفساد
والمفسدين وسيختلطون بأصحاب النفوذ والسلطة في المدينة (البحث عن المصالح الشخصية).
كيف يمكن للحزب الابتعاد عن هذا السيناريو الأسود ثلاثي الأوجه؟
بالتأكيد، لن يكون له ذلك إلا بالرهان على قوة الضبط الأخلاقي والقيمي داخل ماكينة
الحزب والبحث عن أفكار سياسية جديدة تُـغني الممارسة. هل يستطيع ذلك؟! في ظل الوضع
الحالي، أشك! لكن مع ذلك، ما يزال للمعجزات الصغيرة مكانٌ بين البشر.
مع كل هذه الحيثيات الواضحة إلى حد بعيد، قد يقول قائل، لماذا
توجيه النقد حصرا للكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية؟ الجواب بسيط وواضح وبلا
مبالغة: في الظرف الحالي، لا نرى أي حزب غيره أهلٌ لأن توجَّه له سهام النقد في
هذه المدينة. معظم الأحزاب الأخرى إما ضعيفة أو مشلولة أو مجرد خلايا سياسية نائمة
في انتظار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. فهي تفتقر للرؤيا السياسية والبرنامج
السياسي والقدرة التنظيمية الضرورية لخلق دينامية سياسية سواء في المعارضة أو
الأغلبية الموالية. حتى الأحزاب المحسوبة على القوى الوطنية والتقدمية لم تقدِّم
أي عرض يستحق التنويه أو يغري بالمتابعة خلال الثلاث سنوات من عمر هذه الولاية
الجماعية والإقليمية، ولايتي بلفيل ولحموش. فباستثناء بعض المواقف الشاردة هنا
وهناك، الممزوجة بالكثير من الشعبوية والصراخ العبثي، أثناء دورات المجلس الجماعي
المتتالية مثلا، لا تبدو هذه القوى قادرة على ملء الفراغ أو استيعاب الفرص أو قيادة الشارع أو تنظيم البيت الداخلي بصورة
مؤسسية أو خلق معارك سياسية فعالة أو تحريك الملفات المستعجلة (البطالة، الركود
الاقتصادي، الأمن، تدبير الصفقات، تعطل التنمية، عدم استفادة المدينة من برامج هيكلية،
احتلال الملك العمومي، ترييف المدينة [أو ما بات يُعرف تندُّرا بـ «تحويل الخميسات
إلى قرية نموذجية»]،...).
وللتاريخ، فإني برغم كوني مقتنع بما أقول بخصوص هذا حزب العدالة
والتنمية محليا، فإني أيضا أعلم، علما يقينيا، أنه، مع كل ذلك، الحزب الأكثر
تنظيما وديمقراطية ونظافة وشعبية وأطرا واحتكاكا بالناس مقارنة بباقي القوى
السياسية النوعية والحوانيت الانتخابية المناسباتية في المدينة. لقد استند هذا
المقال على سؤال الفعالية من منظور التنمية ومصالح الناس والتحليل السياسي، فانتهى
إلى ما انتهى إليه. بالتأكيد، سيقول بعض أعضاء الحزب إن هذا المقال، من خلال نشره في
هذا الظرف السياسي، ينتصر لخط لحموش. سيكون هذا الرأي بالتأكيد أكثر الآراء صبيانية؛
لسبب بسيط، هو أني على يقين أن أسوء عضو في هذا الحزب يكون أفضل من لحموش ومن على
مقاسه ومن تبعه في غير إحسان من صحافة الأظرفة الزرقاء (أو ما أطلقت عليها اسم «صحافة
بنات آوى») وصراصير المجتمع المدني. لذا فتهمة التحامل هنا مردودة على أهلها.
فإذا أخفق الحزب في موعد تجديد المكتب المسير للمجلس الجماعي
أواخر السنة الجارية، وإذا أخفق في محاولة خلق دينامية سياسية جديدة تعطيه السبق
على منافِسِيه على مستويي طبيعة ونوعية العرض السياسي والخدماتي، فالموعد
الانتخابات الجماعية المقبلة! وقـتـئذ، سيعُض الحزب على أصابه ندما!
وفي انتظار أن يقول الحزب كلمته بحق نفسه أولا قبل أن "يَفوتَه
القطار"، وفي انتظار أن يمر المهرجان
بسلام وبأقل الخسائر، ماذا عسانا أن نفعل- كسكان ومتابِعين لمسيرة هذه المدينة؟
أعتقد، من وجهة نظري، أنه يتعين أن نقفز بسرعة فوق هذا النقاش
الهامشي والعابر بشأن المهرجان. نعم الموضوع جاد في حد ذاته، لكن قالبه مخادِع
وخطابه المرافق مزيَّف ومُزيِّف. بلا شك، من مصلحة المدينة أن تضم مهرجانا ثقافيا
يليق بالمقام وبكرامة الناس واحتياجاتهم ومصالحهم وأولوياتهم، ولكن ليس من مصلحة
المدينة أن تنخرط في نقاش غير جاد متمحورٍ حول مهرجان أمسى «مكسر عظم» في لعبة تتحكم
العفاريت والصراصير وصحافة الارتزاق في مداخلها ومخارجها.
أرى أن الصواب هو أن تبقى عيون الناس مُصَوَّبة بالأولوية تجاه
مصادر الداء الحقيقيى والقريبة والواضحة، وهي: 1. أغلبية المجلس الجماعي التي تقود
تجربة فاشلة منذ أزيد من ثلاث سنوات تحت رئاسة ومسؤولية بلفيل، 2. أداء المجلس
الإقليمي تحت قيادة لحموش خاصة على مستوى طريقة تدبير صفقة 7 مليار سنتيم وغيرها
من الملفات التي تدبر بصورة سيئة، 3. الهيئات والجمعيات المدنية التي عشَّش فيها
الفساد على يد الصراصير.
من هنا تبدأ خطة المتابعة والمساءلة بالنسبة لنا كمجتمع مدني
(مواطنون، حقوقيون، مثقفون، كتاب، إعلاميون، ناشطون مدنيون،...). هنا تكمن قضايانا
الجوهرية.
هذه
قناعتي... والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق