يجب تصعيد الوعي الجماهيري تجاه الخداع الأيديولوجي، لا
سيما ما كان منه جزء من الصناعة الميديولوجية.. علم الوسائط الذي بات أفيونا
للشعوب..
يستطيع الإعلام حينما يتحوّل إلى خداع أو صناعة سوبر- مفيوزية أن يخدع
جمهورا عريضا في زمن معيّن، ولكنه لا يستطيع أن يحرّف تاريخ الحقيقة.. أمامه مهلة هي
نفسها الفترة التي يقتضيها فعل استعادة الوعي الجماهيري بالحدث.. وهي أيضا الذهول
الموضوعي التموضع في الزاوية الخطأ بناء على أغلاط بارالاكس.. والوعي الجماهيري بطيء،
لكنه عارم حينما يستعيد وعيه.. صحيح أن الإعلام دخل دورة الاستهلاك العمومي لكنّه
كمضمون ورسالة هو لعبة تتحكّم بها المافيا وطبعا لا حديث عن مجنّدي المافيا وكذلك
عن الطابور الخامس لصناعة الخداع.. المشكل هو أنّ الصحافة تصنع أوهامها ثم تعود
إليها كحقيقة في سياق تدوير المعلومة/ زبالة(information poubelle).. وليس هناك من شيء يمكن فعله حيال هذه المأساة الميديولوجية..
أمام السموم التي تقدّم للجمهور بعيدا عن أي رقابة.. هذا القطاع وحده يحتاج إلى
الرقابة على الجودة: جودة المعلومة وطريقة استعمالها وذلك حماية للمستهلك.. وهذه
الرقابة لا يمكن أن تقوم بها إلاّ الصحافة نفسها.. هي إذن مجال لنضال مرير ضدّ
الفوضى.. وحينما يتحول المجاز إلى حقيقة يعتقد بهاليل التضليل الإعلامي أنها سلطة
رابعة.. وتلك هي أقدم أكذوبة في تاريخ الصحافة.. فالصحافة شأنها شأن كل الصناعات
هي لما جعلت له.. قد تكون صحافة مناضلة وقد تصبح صحافة العبيد.. يُصنع الخبر بلهو
ولعب بسبب سذاجة المحلل اليومي أو كما أسميه المغالط اليومي أو بسبب الكسل وقلّة
الخبرة أو بسبب الحقد باعتبار أنّ الكائن الإعلامي هو سليل بيئة ومزاج ثقافي
وتربوي مختلف، ستكون له آثار على مهنته إذا لم يعالج ذاتياته بموقف ثوري جذري وليس
عن طريق الكاموفلاج.. هنا يصبح الإعلام أداة ثأر وتسلط برسم أكذوبة: السلطة
الرابعة.. تعود الصحافة إلى معلوماتها غير المحقق فيها فتتحول بفعل التكرار
والتدوير إلى حقيقة.. بينما يصبح أوّل مفرخة للخبر بعد ان يكون محطّ مساءلة إلى
مرجعية مطلقة لا تُساءل.. وتضيع الحقيقة بين أقدام الصحافة والهوس الساذج بالخبر
والاستهلاك لصحافة تبدو في وضعية المهرول وبفعل الإدمان على الوجبة السريعة للخبر(fast food) .. وهكذا لم
يكن أمبرتو إيكو مبالغا حين أثار قصة الصحافة كمصدر للصحافة.. وأعتقد أنّ تطور
تقنية التواصل أثّر على فلسفة التواصل.. بل إنّ الصحافة في نظري هي اليوم تنفصل
بشكل منهجي عن الواقع.. وهي تنشئ لها واقعها الخاص.. لنتحدث عن موت الواقع.. والصراع
اليوم هو حول تدبير شأن الحقيقة لأنّ هذه الأخيرة مرتبطة بمصالح متناقضة.. فلا شكّ
أنّ أزمة الإعلام عندنا هي جزء من تخلف بينة برمتها.. فالتخلف والهشاشة التي
يعانيها قطاع الإعلام هي منسجمة مع ما يحصل في سائر القطاعات.. إنّ الإعلام حتى في
البيئات المتطورة لا يقدّم الحقيقة كلّها، فما بالك في بنية التخلف.. ضحايا
الإعلام كثيرون.. لأنّ الجريمة تخترق كل القطاعات..
مارست الصحافة ردحا من الزمان.. على الأقل منذ الثمانينيات وأنا أعاقرها من زاوية الكتابة والتحليل والرأي.. ثم انسحبت رويدا رويدا إلى الصحافة الثقافية.. كان سوق الصحافة حينئذ مختلف تماما.. وحينما انبثق من المجهول من أراد أن يعاقرني إعلاميا كنت أتأمّل طرائق النّط الخبري والهشاشة.. كيف تريد أن تصيغني إعلاميا وأنا مارست المهنة قبل أن تحبَل بِك أمّك.. وكيف تسعى إلى لعبة الحروف وقد عاقرت كلّ الكلمات.. حتى الصحافة الثورية مارستها.. إنّ الصحفي وحده من يفهم الصحفي.. وحدَه من يفهم متى تحضر المهنية ومتى يحضر الزّيف.. هي دعوة للإعلامي المناضل أن يحمي شرف المهنة من الابتذال.. والابتذال يتهدد المهنة حتى أنها تحتاج إلى مناعة.. الضمير المهني ليس صكّ عبور للمهنة يتحقق بتصريح، كيف يكون هناك ضمير مهني لمن لا ضمير له في منابت التربية ومسار الاجتماع؟ هناك مهام تفرضها المهنة على صاحبها: كيف يكون صحافيا صالحا.. كالمواطن الصالح.. كالسياسي الصالح.. وأيضا وجب القول: كيف نطلب من الإعلامي أن يكون هو عنترة بن شدّاد في بيئة بلهاء، جبانة، ملتبِسة..
طلب منّي بداية التسعينيات الالتحاق بواحدة من الصحف التي كانت تصدر بلندن.. فكّرت كثيرا ثم اتخذت قرار ثوريا: أنا أريد أن أبقى في الشّرق لأنّني أخشى من أن أتَـلَنْـدَنَ.. كانت تلك أوّل مؤامرة /بريئة ضدّي لأشدّ الرحال إلى مدينة الضباب.. أحبطت المؤامرة.. لستُ نادما.
مارست الصحافة ردحا من الزمان.. على الأقل منذ الثمانينيات وأنا أعاقرها من زاوية الكتابة والتحليل والرأي.. ثم انسحبت رويدا رويدا إلى الصحافة الثقافية.. كان سوق الصحافة حينئذ مختلف تماما.. وحينما انبثق من المجهول من أراد أن يعاقرني إعلاميا كنت أتأمّل طرائق النّط الخبري والهشاشة.. كيف تريد أن تصيغني إعلاميا وأنا مارست المهنة قبل أن تحبَل بِك أمّك.. وكيف تسعى إلى لعبة الحروف وقد عاقرت كلّ الكلمات.. حتى الصحافة الثورية مارستها.. إنّ الصحفي وحده من يفهم الصحفي.. وحدَه من يفهم متى تحضر المهنية ومتى يحضر الزّيف.. هي دعوة للإعلامي المناضل أن يحمي شرف المهنة من الابتذال.. والابتذال يتهدد المهنة حتى أنها تحتاج إلى مناعة.. الضمير المهني ليس صكّ عبور للمهنة يتحقق بتصريح، كيف يكون هناك ضمير مهني لمن لا ضمير له في منابت التربية ومسار الاجتماع؟ هناك مهام تفرضها المهنة على صاحبها: كيف يكون صحافيا صالحا.. كالمواطن الصالح.. كالسياسي الصالح.. وأيضا وجب القول: كيف نطلب من الإعلامي أن يكون هو عنترة بن شدّاد في بيئة بلهاء، جبانة، ملتبِسة..
طلب منّي بداية التسعينيات الالتحاق بواحدة من الصحف التي كانت تصدر بلندن.. فكّرت كثيرا ثم اتخذت قرار ثوريا: أنا أريد أن أبقى في الشّرق لأنّني أخشى من أن أتَـلَنْـدَنَ.. كانت تلك أوّل مؤامرة /بريئة ضدّي لأشدّ الرحال إلى مدينة الضباب.. أحبطت المؤامرة.. لستُ نادما.
* مفكر وباحث مغربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق