ليس ببعيد عنا حادث سجن المناضلة عفاف بنزكري. حُكِم عليها بغرام قدرها 3675 درهما وحبسا بسنة نافذة قضتها خلف القضبان بعيدا عن طِفْلَـيْــها[1]. تمت متابعتها استنادا على تهمة ضرب والاعتداء على 13 شرطيا. وأُسْنِد صك الاتهام بشواهد طبية لهؤلاء الشرطيين (تكــفَّل طبيب غير محترم بإعدادها) تُـثْبِت أنه تم إيذاء بعضهم على مستوى الشبكية والقرنية وإصابة بعضهم بالعمى كذا قَطع أصبع أحدهم![2] واستنادا إلى هكذا دفوعات وشواهد تمم الحكم عليها.
(لوحة: الصرخة، لـ :إدفارت مونك)
سؤال بسيط: كيف لسيدة لا تحمل معها
أي سلاح ولا تلَـقَّت تدريبا في القتال بالسيف في جبال «معبد الشَّاوْلِــينْ
للكونغفو» أن تُؤْذِي هذا العدد من رجال الأمن دفعة واحدة[3]؟!
المتابعون بَـلَـغتهم الرسالة:
كانت عفاف، كمناضلة متعاطفة مع حركة 20 فبراير وقيادية في لجنة نقابية طلابية تطالب
بحقها في الشغل. وبالنظر لحسها النضالي العالي وجرأتها الكبيرة، أمْسَت تُشكل مصدر
قلق جدي لأكثر من جهة، خاصة بالنسبة للسلطة المحلية وجهاز الأمن. فكان لابد من
"طَحْـنِـها" قضائيا.
فـ "طْحَنْ مُّو"
ليست وليدة اليوم! إذ باستمرار، كان لابد من من "طحن" شخص ما لينعم
المستفيدون من استمرار الوضع القائم في المدينة والبلاد. فإزعاجهم له حدود. وهم
يعتبرون أن للفقراء والمعذبون في الأرض والمضطهدون سقف محدد للصراح، وإذا تجاوزوه
قُـطعت ألسنتهم!
على هذا الأساس – للتذكير – تم طحن،
ابتداء من سنة 2011، الشهيد العماري، الشهيد الحسيني، الشهيد بودروة (الذي رماه
رجل شرطة من سطح مبنى بآسفي بحسب إفادات الشهود)، الصحفيون رشيد نيني وعلي أنوزلا
وتوفيق بوعشرين، الباحث المعطي منجب،... إلى أن جاء دور مُحسن فكري. حيث معه أخذت
هذه العملية التعسفية المستمرة في الزمن عنوانها الأبرز "طحن مو"!
جاء دور يوسف المتمرد (بنغالم).
يقول بعضهم: «إن يوسف كان يطلق رشَّاشه في كل مكان وبالتالي من الطبيعي أن يتلقى
رد الفعل». بعضهم الآخر لم يكتف بهذا التبرير المُـقنَّع أو الإدانة المبطنة، بل
بادر إلى لعب دور المـُــغَـرق من وراء حجاب مع محاولة إظهار العكس أمام الملأ،
غير أنهم فُضحوا. بعضهم الآخر فضل الصمت وأخفى سعادته بعملية الاعتقال؛ لأنه يرى
في المتمرد منافسا نشِطا يأكل من رصيده الخاص. لكن أين هؤلاء من الأغلبية التي
تعرف المتمرد وأعلنت تضامنها معه في محنة "الطحن" التي أُدْخِلَ فيها.
وهذا يكفيه فَــخرا.
إن أسوء ما يمكن أن يصِف به أحدهم «المتمرد»
هو أفضل بكثير من كل مناقب أولئك "الشْنَّاقَـة المدنيين" و "سَاسَة
القِـوَادة" الذين سوَّد وجودهم وجه مدينتنا وجعل سافلها عاليها. لأن المتمرد
غالبا ما كان في الموقع الصحيح مع الفقراء والمظلومين والمدينة.
الجميع يعلم أن المتمرد وضع رجله
في مصيدة أريد لها أن تكون كذلك. ثم ماذا؟ ثم جرى قراءة صك الاتهام: أولا، ثانيا،
ثالثا، رابعا. ماذا بعد؟ انتظروا الحكم القضائي العادل في قضية مليئة بِـتُــهم
وجيهةٍ!!!
نعم، إننا نتطلع إلى حكم عادل في
القضية. لكن، هل كان من موجِب لمتابعة جميع المعتقلين في قضية المتمرد، وعلى رأسهم
يوسف نفسه، في حالة اعتقال؟
دعونا نناقش أهم التهم التي يتردد
أنهم اتهموا بها[4].
1.
تحقير مقرر قضائي: بالله عليكم، من في هذا البلاد يحترم
جميع مقررات القضاء. إن نُبل المهنة لا يلغي سقوط عديد من القضاة في الفساد. فحتى
الملك انخرط، إلى جانب وزارة العدل، في البرنامج الحكومي لإصلاح العدالة على صعيد
جميع مكوناتها (قضاء، محاماة، إدارة، خدمات،...). فالجميع (المواطنون، المستثمرون،
السلطات، المؤسسات الدستورية الأساسية) متفق على الاختلالات الكبيرة التي تطال هذه
المؤسسة الحيوية. ثم إن المحتجين لم يُعرقوا لا سير العدالة ولا احتجوا أمام
المحكمة. لا بل حتى الذين يحتجون أمام المحاكم في أكثر من مدينة مغربية لا يجر اعتقالهم.
السؤال: هل يتعلق الأمر بتحقير مقرر قضائي أم يتعلق بـ «حَݣرة» مواطنين في هذه المدينة؟
2.
إهانة هيئة عمومية (جهاز الأمن): لماذا لا تكون مصلحة أو
هيئة أمنية موضوعا للاحتجاج وحتى الإدانة؟ هل هناك جهات تريد العودة بنا إلى عهد
البصري أم تريد تحويلنا إلى دولة مصر- كما قالت لي سيدة ستينية- حيث تصير مؤسسة
الأمن فوق القانون، أم أن هناك توجه ما لجعل مؤسسة الأمن مؤسسة مقدسة هي الأخرى؟ في
الأصل، على حد علمي، لم يحتج المحتجون على مؤسسة الأمن ككل، بل ضد أشخاص بعينهم وحول
سلوكيات معينة وبشأن قضية محددة. متى كان هذا الأمر غير مشروع. مؤسسة الأمن مؤسسة
كغيرها من المؤسسات. ونحن كمواطنين نريدها كذلك. نريدها مؤسسة تحت القانون وفي
خدمة الأمن والعدالة. غير هذا، لا. وصوت «لا» ضد تجاوزات قوى الأمن كان وما زال
ويجب أن يستمر كلما تجاوز هذه المؤسسة حدود الشرعية.
3.
الاعتداء على رجل أمن: إذا افترضنا جدلا أن هذا وقع
بالفعل، فهل جرى الاعتداء عليه من قبل 4 أشخاص دفعة واحدة حتى يتم محاكمتهم جميعا
على هذا الأساس ومن ثَم إعداد – بحسب إفادة أخ المتمرد- نفس المحضر لهم جميعا لدى
الشرطة؟ ثم أين الشريط المصور لهذه التظاهرة التي جرى فيها الاعتداء، باعتبار أن
جهاز المخابرات يصور باستمرار الوقفات والتظاهرات؟ لماذا لا
يتم عرض الشريط على القاضي ومحاميي المتهمين والرأي العام ليحكموا بأنفسهم؟
4.
تنظيم وقفة بدون الحصول على ترخيص. هذه التهمة لا تستوجب
المتابعة في إطار اعتقال ولا تستدعي تشديد العقوبات ما دامت المظاهرة موضوع النزاع
لم تُخل لا بالأمن العام ولا بأمن الدولة.
لهذا يميل أغلب المتتبعين، بحسب ما
لاحظت وقرأت على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى اعتبار هذا الملف مجرد هُراء. فلا
مصلحة لمؤسسة القضاء ولا لمؤسسة الأمن ولا للساكنة في محاكمة هؤلاء. والأهم،
بالنسبة للمدينة، هو إخلاء سبيلهم لأن ورائهم أسر يُنفقون عليها ومستقبلا ينتظرهم.
كما أن من بينهم أبطال رياضيين طالما رفعوا راية الوطن. وإذا كان لابد من اعتقال
ومحاكمة المجرمين، فلِتَلْتَـف السلطات العمومية وهيئات الأمن إلى أولئك الذين
يبيعون الأقراص المـُـهلوسة وقضبان الحشيش ويسرقون الناس في واضحة النهار في أكثر
من زقاق وشارع ومدرسة.
اتركوا هذا الشعب وشأنه .. اتركوا
هذه المدينة تُدير نفسها بعيدا عن الحِجر والمكائد والحسابات الضيقة!
فالأوْلى، وبالنسبة للجميع في هذه
المدينة، أن يقوم بالمهام التي هو مكلف أو مهيأ للقيام بها. من حق الصحفي إخبار
الناس. من حق الكاريكاتيريست أن يسخر من
الأوضاع. من حق المحتج أن يحتج على الظلم.
وفي نفس الوقت، على القاضي أن يلتزم باحترام القانون بعيدا عن التعليمات، وعلى
الشرطي أن يُمسك بالمجرمين الحقيقيين.
وعلى الذين يريدون الرد على صحفي
أو كاريكاتيريست فما عليهم سوى اقتناء قلم بـ درهم ونصف لا أكثر ويُطلق مخيلته
الابداعية. هل فهمتم أيها الجبناء؟!
دخل المتمرد الزنزانة ليخرج منها
أكبر بكثير مما دخلها؛ لأنه يتنفس الحرية! وهذا ما لا يفهمه أولئك الذين اعتادوا
على العيش عبر تلقي الأوامر والانحناء لنيل دُرَيهمات معدودات مع تقبيل الأيدي.
...
الحرية ليوسف المتمرد!
...
باراكا !
belahcenfouad@gmail.com
[1] - لولا لطف الله وتراجع
بعض رجال الشرطة عن بعض أقوالهم خلال الجلسة الثانية للمحاكمة لكَان الحكم أقسى
بكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق