فؤاد بلحسن
belahcenfouad@gmail.com
لفترة من الزمن، كانت قضيتها القضية الأولى في مدينة الخميسات -
الكغرب - لدى الرأي العام والمجتمع المدني- الحقوقي بالتحديد. فبعد شهور من النضال
من أجل الحصول على الحق في الشغل، كان القرار أن تـُودع السجن. اعتُـقلت، فخلَّفت
ورائها سيل من الروايات والتأويلات. أُدخلت السجن، فانخرطت في معارك جديدة. خرجت
منه، فتم تجاهل قضيتها كما لو أنها نظير لباقي القضايا الجنحية والجنائية التي تعج
بها ساحات المحاكم وردهات السجون. من أجل أن نسمع مواقفها وروايتها هي، كان هذا
الحوار:
1. في البدء، حمدا لله على سلامتك! لنبدأ بهذا السؤال الفلسفي شيئا ما، وهو: هل يمكن للإنسان أن يكون حرا وهو داخل الزنزانة ؟!
الإجابة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أولا، أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساندني خلال تلك الفترة العصيبة وأقصد بذلك جميع الفبرايريين الذين تعاطفوا معي وساندوني وكذلك المناضلين في تنسيقيات المجازين المعطلين بالرباط والإتحاد الوطني ومحامو الجمعيات الحقوقية والإخوان في جماعة العدل والإحسان. ولا أنسى الجيران كذلك. وأقدم شكرا خاصا للأخ الجيلالي من الجماعة والأخ أمحزون عبد الله الذي كان يواكب كل المستجدات ...
أرجع لسؤالك. أجل، داخل زنزانة الاعتقال تصبح حرا أكثر. الحرية التي أقصدها ليست حرية الحركة وإنما حرية التفكير وحرية التعبير؛ فأنت الآن يمكن أن تقول ما شئت. ماذا عساه يحدث أكثر من الاعتقال التعسفي والتنكيل الهمجي؟! لاشيء سوى الموت! وأنا كنت في شبه قبر، ولا أخاف الموت. لم أعد أخاف العصا ولا حتى الموت.
2. هناك العديد من التأويلات لحيثيات قضيتك (الاعتقال، المحاكمة والسجن). فبخصوص الاعتقال، تتراوح الأقوال بين مستنكرة لعملية الاعتقال جملة، وبين تلك التي تبررها من جانب دون أن تُنكر بعدها السياسي باعتبارك مناضلة مزعجة للسلطة من جانب آخر. وبخصوص المحاكمة جرى الكثير من القيل والقال حول مهمة هيئة الدفاع عنك أمام المحكمة، فالبعض يقول أنه تم تهميش محامو المجتمع المدني بضغط من جهات ترفض تحويل قضيتك إلى قضية سياسية والبعض الآخر يقول إن أولئك، وبمحض إرادتهم، اختاروا أخذ مسافة من قضيتك لكونها شائكة بعض الشيء من الناحيتين القانونية والسياسية، وربما قال آخرون غير هذا. ما هي روايتك أنت لما جرى وأدى في النهاية إلى سجنك لمدة سنة كاملة؟
الإجابة: في الحقيقة، بالنسبة للسجن لمدة سنة كاملة، أنا أقول هل يمكن لأحد أن يغير ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ؟! بالطبع، لا. أرجع لحيثيات الاعتقال: بصراحة، سمعت، بنفسي، المحامين خلال المحاكمة وهم يرددون على مسامع رئيس المحكمة أن لديهم أكثر من دافع لتحويل القضية الى قضية سياسية ولكنهم لا يريدون. وقد استفسرت حينها عن الأبعاد التي يمكن أن تأخذها القضية لو أنها تحولت إلى قضية سياسية محضة وكيف أن من شأن ذلك تأجيج الشارع. لكن، بمقابل ذلك، كان من الممكن أن تصبح السنة الواحدة التي حكم علي بها ستة سنوات أو أكثر. ومع كل ذلك، كنت متأكدة أن ما شاء الله سيكون رغم كثرة الأقاويل، ثم إن الكل يعلم أنه عندما يريد المخزن التخلص من شخص ما فالمحاضر الخرافية المفبركة من طرف الشرطة تحت تأثير السلطات المحلية أكيد أن من شأنها أن تذهب بعيدا. وكذلك، يتم التأثير على الفعاليات المدنية بالترهيب من أجل كبح مقاومتها لاغتصاب حقوق الإنسان ومن أهم هذه الحقوق بطبيعة الحال الحرية، وحق التظاهر الذي هو حق مشروع. وكنت أنتظر مساندة قانونية ربما أكبر، لكن الواقع يُكذب الشعارات.
وأريد الاشارة الى شيء مهم. هل تعتقدون أنه تم استهدافي لمجرد كوني من المجازين المعطلين؟! بطبيعة الحال، لا! فخروجي في مسيرات حركة 20 فبراير كان سببا مهما لأن الهدف كان إسكات الشارع الخميسي كله، وأولهم المجازين المعطلين الذين أتأسف كثيرا كون بعضهم رغم ما تعرض له بنفسه من تهديد بالقتل من طرف عميد الشرطة وما تعرض له من تنكيل وضرب مبرح اختار السكوت والخنوع!
3. كيف كنتِ تقضين أيام السجن؟ وماذا يعني قضاء سنة كاملة وراء القضبان؟
الإجابة: الأيام هناك تمر ببطء. فالسجن أخو القبر من الرضاعة، ولا جديد فيه إلا الأحلام و كوابيس المخزن الذي يسلط عليك من يريد للنيل منك. والمهم عندها هو أن تعرف كيف تهزم الوقت بطبيعة الحال. ونظرا لأني أحب الحركة كثيرا فقد انخرطت في التكوين المهني داخله إلى أن أتممت الموسم، ولا أزال أنتظر الشهادة في إعادة الادماج التي تُـقدم على هذا الأساس. وأي ادماج؟! ثم إنني سأقوم في الأيام المقبلة بنشر يومياتي في السجن. نعم، يوميات تحمل في طياتها شهادة واقعية عن الحكَرة اتجاه البسطاء هناك و عن ضربهم وإشباعهم بوابل من الشتائم، وعنْ إلى أي مدى يمكن للرشوة أن تجعل أباطرة المخدرات والكوكايين يُـسَيرون السجون بموظفيها وعن إطلاق العنان لبارونات الدعارة والشذوذ الجنسي - الذين يَعتبرون أنفسهم مالكي السجون - وتغطية سلوكاتهم والتستر على إدخالهم الممنوعات المجرمة قانونا وإفلاتهم من أية مساءلة حتى وإن تجرؤوا على الاعتداء على موظفة وتمزيق ملابسها أو تهديدها بالقتل. مثل هذه الأمور أصبحت تعم سجن سلا المحلي ومجموعة أخرى من الاختلالات التي من شأنها أن تُـودي بحياة السجين. أتمنى من الحقوقيين أن يهتموا أكثر بما يجري داخل السجون، خاصة أنها باتت تفتقر لأي علاقة بالتأديب وإعادة الادماج، وأصبحت سجونا للتعذيب وإعادة الإخماج!
4. يُروَى أنكِ خُضت أشكالا نضالية داخل السجن، ماذا كانت طبيعة هذه الأشكال وما هي الأسباب التي كانت وراء القيام بها؟
الإجابة: في الحقيقة، كنت مكسورة النفس عندما تم اعتقالي؛ ربما لأني لم أصدق ما جرى ومدى خطورة المحاضر المطبوخة؛ لذا حاولت الابتعاد خلال الأشهر الأولى عن الاحتكاك بالموظفين والإدارة. لكن في بعض الحالات تثور حفيظتي، من كثرة المحسوبية والتمييز، فأقوم بمراسلةِ الادارة لتصحيح الوضع. وعندما ترى الإدارة بأنني مصممة على شيء – وقد كانت على علم بأنني لم أعد أحتمل وسبق أن قلت لهم، مثلا، أنني أفضل الموت على المكوث في غرفة مدخنين وإني إذا ما أعلنت الدخول في إضراب فلن يكون عن الطعام فقط، بل يمكن أن تتفاجؤوا بأسلوب جديد لم يعرفه المغرب من قبل - تضطر الى التعامل بجدية مع طلبي. نعم، كنت قليلة المطالب، ولكن لم أحب أن يُـذلني أحد أو أن أُحرَم من التمتع بالامتيازات التي يتمتع بها من يدفعون هناك الرشاوى. كنت أمتلك القوة، وفي غير ما مرة قررت الدخول فعلا في إضراب بشكل ما، لكن استجابة الإدارة لطلبي تعيد الأمور إلى نصابها. أهم الأمور التي كانت تزعجني وأحاول تصحيحها هي المكوث في زنزانة بها دخان، تصرفات الموظفات وكلامهم، مدة المكالمات الهاتفية وقَطع الاتصال الهاتفي خلال بعض الأيام، تفتيش متاعي بالزنزانة ورميه أرضا الأمر الذي لا يحصل مع الآخرين، منعي من إدخال الخضر وحجزها وعدم إرجاعها لعائلتي بل وأخذها من طرف الموظفات، سرقة كتبي وكل ما أكتبه بتوجيه من الإدارة.
5. كيف تُـقَـيـمين أداء المجتمع المدني المحلي والوطني اتجاه قضيتك؟
الإجابة: القضية ليست قضيتي لوحدي، بل هي قضية وطنية، قضية المعطلين وقضية من يرفع صوته لطلب حقه المنتهَك ومن يرغب في العدالة الاجتماعية وتحقيق الكرامة وفي العيش الكريم. اليوم أصبحنا نعيش في انتهاك خطير لحقوقنا كمواطنين. لقد طالبت بالتوظيف، وهذا حقي. وحتى لو رجعنا للدستور و لمعيار الكفاءة فأنا لي ثقة في كفائتي ولا أظنها أقل ممن تم توظيفهم. إذن فقد كنت على صواب ومطالبي مشروعة. ولكن كيف يسكت المجتمع المدني على التنكيل بي وعلى الرفس على جسدي؟ لقد تم انتهاك حرمته بالتعذيب، وفي الأخير تم اعتقالي. أتذكر جيدا أن عميد الشرطة عاملنا معاملة حاطة بالكرامة؛ من قبيل السحل على الأرض والضرب ثم التهديد بإرسال رصاصة الى أدمغتنا، ناهيك عن وابل الشتائم وأخيرا الرمي في زنزانة الجلادين. نعم أضحينا جرذانا لا حق لهم في هذا البلد؛ لأن من اعتدى وأهان وضرب يتمتع بالحرية الكاملة ويتمادى في ممارسة شططه ومبالغته في استخدام نفوذه من أجل إسكات صوتنا. وهكذا، نُرمى نحن، أكباش الفداء، في السجون في ظل سكوت المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية. أين هي العدالة؟ أين هي المساواة؟ أين هي الديمقراطية؟ ديمقراطية الإذلال، ديمقراطية الحرمان من حق الشغل، ديمقراطية محاكمة الضحية لا الجاني الحقيقي الذي لا رغبة له في العدل ولا في الإنصاف. هذه رسالة الى كل الحقوقيين. هكذا تُصفقوا للظالم، وهكذا تقولون له استمر في قمعنا، استمر في قهرنا، لا مجال للعدالة ولا مجال لقضاء نزيه، فـقد فُـزت. البارحة نيني والحاقد واليوم بنزكري وغدا كل أصحاب الضمائر الحية وكل الشرفاء الذين يدافعون عن الحق. هكذا تدافعون عن حقوقنا بالصمت أمام الإستهتار بحقوقنا. ننتظر منكم الكثير...
6. ألا ترين أن التجاهل الذي طال، ومازال حتى الآن، قضيتك بعد خروجِــك من السجن من شأنه أن يجعل قضيتك "قضية جُـنحية" عادية، وليست قضية امرأة مناضلة من أجل الحق في العمل والكرامة، اعتُـقلت في ساحة النضال؟
الإجابة: القضية لم تنتهي بعد! فالنضال من أجل الحق في الشغل والكرامة مستمر الى أن تتحقق المكاسب، وربما إلى اللحد. حُوكمتُ بتهمة العصيان المدني والتجمهر بدون رخصة والاعتداء على أفراد الشرطة وإهانتهم- بعد سقوط التهم الجنائية طبعا. يعني أننا اليوم أمام حالة تراجع في المكتسبات، كحق التظاهر مثلا. والنضال أصبح مآله السجن وبعده الصمت. وهذا أمر خطير جدا، خاصة أمام سكوت الكل أو تجاهله. أنسكت عن اغتصاب حق؟! أنسكت عن التعذيب؟! هناك أطراف تحب هذا التجاهل وتعمل من أجله قصد طمر القضية ومعها الحركة الاحتجاجية المشروعة.
7. ماذا تقولين للذين ساهموا في اعتقالك وتعنيفك وتسممك غذائيا وحرمانك من أسرتك لمدة سنة كاملة؟!
الإجابة: أشكرهم جزيلا! لأنهم، بصراحة، قدموا لي خدمة مجانية لتقوية إيماني أولا، وتمسكي أكثر بقدرة الله ومشيئته ثانيا. جعلوني أتغلب على الباقي من الخوف الذي كان مختبئا بداخلي، وأن أُصبح قوية أكثر لمواجهة الصعوبات التي تنتظرني في مسيرتي الدنيوية، وأن أفهم الناس أكثر، وأن آخذ وقتا كافيا للتفكير في تسيير مستقبلي، و أن أتقرب من 166 سجينة وأسمع قصصهن. وما حدث لهن، في الواقع، يجب أن يدفعنا جميعا للمطالبة بتصحيح الأوضاع الاجتماعية الخطيرة التي تدفع الآلاف ليصبحوا سجناء بسبب السرقة والإجرام والدعارة، وإلى وضع منظومة شمولية تهدف للقضاء على الفقر بشكل حقيقي لا بالشعارات الممسرحة. وكذلك أشكرهم لأنهم استطاعوا أن يُـظهروا للكل مَن الانتهازي ومن المناضل. وأقول لهم الآن: حقي عندكم وأنا قادمة لانتزاعه حتى وإن بقيت ثانية واحدة في حياتي!
8. بعد أسابيع، ستكون الذكرى السنوية الثانية لانطلاق حركة 20 فبراير، هل ستشاركين في الفعاليات الاحتجاجية التي قد تقام بهذه المناسبة؟
الإجابة: الحقيقة أتمنى أن تصل الفعاليات الى المستوى المرغوب فيه. ما أتمناه بصراحة أن أجد نفسي بين مئات البيضاويين في سباتة؛ حتى أشعر أنني لست الوحيدة التي تطالب بالتغيير والإصلاح الحقيقي وأنه إذا ما تم اعتقالي فالآلاف ستناضل من بعدي ولأجلي الى أن يُفرج عني. أتمنى أن تستعيد حركة 20 فبراير في الخميسات صيتها وتستطيع المطالبة بإصلاحات محلية ووطنية كما كانت في البداية. كما أتمنى أن أقف هنا في الخميسات لأقول أنه لا التهديد بالقتل ولا بالترهيب ولا بالاعتقال تستطيعون إسكات صوت الحق وصوت الكرامة، والخيار المتاح أمامكم هو تنفيذ تعهداتكم وإصلاح الأوضاع والاستماع الى صوت الشعب والى صوت الجوعى والمحرومين وبالخروج الى الناس ومحاورتهم والسؤال عن مطالبهم. هكذا فقط يمكنكم أن تتجنبوا وقوف الآلاف القادمة للمطالبة بالإنصاف...
9. سؤال أخير، ما الدور الذي ترينه لمستقبلك النضالي؟
الاستمرار في النضال واجب أكثر من البداية. والاعتقال التعسفي المرفق بالتعسف والتنكيل والقهر لن أنساه مهما حييت وإذا لم أُناضل من أجلي سأناضل من أجل الخائفين والجوعى والمقهورين وسأناضل من أجل أبنائي غدا حتى لا يُعتقلوا هم كذلك في المظاهرات. سأناضل من أجل تثبيت حق التظاهر وحق العمل وحق الكرامة وضد الاستبداد والحكَرة وضد الرشوة التي لا زالت ترمي بخيوط شبكتها أكثر فأكثر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1. في البدء، حمدا لله على سلامتك! لنبدأ بهذا السؤال الفلسفي شيئا ما، وهو: هل يمكن للإنسان أن يكون حرا وهو داخل الزنزانة ؟!
الإجابة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أولا، أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساندني خلال تلك الفترة العصيبة وأقصد بذلك جميع الفبرايريين الذين تعاطفوا معي وساندوني وكذلك المناضلين في تنسيقيات المجازين المعطلين بالرباط والإتحاد الوطني ومحامو الجمعيات الحقوقية والإخوان في جماعة العدل والإحسان. ولا أنسى الجيران كذلك. وأقدم شكرا خاصا للأخ الجيلالي من الجماعة والأخ أمحزون عبد الله الذي كان يواكب كل المستجدات ...
أرجع لسؤالك. أجل، داخل زنزانة الاعتقال تصبح حرا أكثر. الحرية التي أقصدها ليست حرية الحركة وإنما حرية التفكير وحرية التعبير؛ فأنت الآن يمكن أن تقول ما شئت. ماذا عساه يحدث أكثر من الاعتقال التعسفي والتنكيل الهمجي؟! لاشيء سوى الموت! وأنا كنت في شبه قبر، ولا أخاف الموت. لم أعد أخاف العصا ولا حتى الموت.
2. هناك العديد من التأويلات لحيثيات قضيتك (الاعتقال، المحاكمة والسجن). فبخصوص الاعتقال، تتراوح الأقوال بين مستنكرة لعملية الاعتقال جملة، وبين تلك التي تبررها من جانب دون أن تُنكر بعدها السياسي باعتبارك مناضلة مزعجة للسلطة من جانب آخر. وبخصوص المحاكمة جرى الكثير من القيل والقال حول مهمة هيئة الدفاع عنك أمام المحكمة، فالبعض يقول أنه تم تهميش محامو المجتمع المدني بضغط من جهات ترفض تحويل قضيتك إلى قضية سياسية والبعض الآخر يقول إن أولئك، وبمحض إرادتهم، اختاروا أخذ مسافة من قضيتك لكونها شائكة بعض الشيء من الناحيتين القانونية والسياسية، وربما قال آخرون غير هذا. ما هي روايتك أنت لما جرى وأدى في النهاية إلى سجنك لمدة سنة كاملة؟
الإجابة: في الحقيقة، بالنسبة للسجن لمدة سنة كاملة، أنا أقول هل يمكن لأحد أن يغير ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ؟! بالطبع، لا. أرجع لحيثيات الاعتقال: بصراحة، سمعت، بنفسي، المحامين خلال المحاكمة وهم يرددون على مسامع رئيس المحكمة أن لديهم أكثر من دافع لتحويل القضية الى قضية سياسية ولكنهم لا يريدون. وقد استفسرت حينها عن الأبعاد التي يمكن أن تأخذها القضية لو أنها تحولت إلى قضية سياسية محضة وكيف أن من شأن ذلك تأجيج الشارع. لكن، بمقابل ذلك، كان من الممكن أن تصبح السنة الواحدة التي حكم علي بها ستة سنوات أو أكثر. ومع كل ذلك، كنت متأكدة أن ما شاء الله سيكون رغم كثرة الأقاويل، ثم إن الكل يعلم أنه عندما يريد المخزن التخلص من شخص ما فالمحاضر الخرافية المفبركة من طرف الشرطة تحت تأثير السلطات المحلية أكيد أن من شأنها أن تذهب بعيدا. وكذلك، يتم التأثير على الفعاليات المدنية بالترهيب من أجل كبح مقاومتها لاغتصاب حقوق الإنسان ومن أهم هذه الحقوق بطبيعة الحال الحرية، وحق التظاهر الذي هو حق مشروع. وكنت أنتظر مساندة قانونية ربما أكبر، لكن الواقع يُكذب الشعارات.
وأريد الاشارة الى شيء مهم. هل تعتقدون أنه تم استهدافي لمجرد كوني من المجازين المعطلين؟! بطبيعة الحال، لا! فخروجي في مسيرات حركة 20 فبراير كان سببا مهما لأن الهدف كان إسكات الشارع الخميسي كله، وأولهم المجازين المعطلين الذين أتأسف كثيرا كون بعضهم رغم ما تعرض له بنفسه من تهديد بالقتل من طرف عميد الشرطة وما تعرض له من تنكيل وضرب مبرح اختار السكوت والخنوع!
3. كيف كنتِ تقضين أيام السجن؟ وماذا يعني قضاء سنة كاملة وراء القضبان؟
الإجابة: الأيام هناك تمر ببطء. فالسجن أخو القبر من الرضاعة، ولا جديد فيه إلا الأحلام و كوابيس المخزن الذي يسلط عليك من يريد للنيل منك. والمهم عندها هو أن تعرف كيف تهزم الوقت بطبيعة الحال. ونظرا لأني أحب الحركة كثيرا فقد انخرطت في التكوين المهني داخله إلى أن أتممت الموسم، ولا أزال أنتظر الشهادة في إعادة الادماج التي تُـقدم على هذا الأساس. وأي ادماج؟! ثم إنني سأقوم في الأيام المقبلة بنشر يومياتي في السجن. نعم، يوميات تحمل في طياتها شهادة واقعية عن الحكَرة اتجاه البسطاء هناك و عن ضربهم وإشباعهم بوابل من الشتائم، وعنْ إلى أي مدى يمكن للرشوة أن تجعل أباطرة المخدرات والكوكايين يُـسَيرون السجون بموظفيها وعن إطلاق العنان لبارونات الدعارة والشذوذ الجنسي - الذين يَعتبرون أنفسهم مالكي السجون - وتغطية سلوكاتهم والتستر على إدخالهم الممنوعات المجرمة قانونا وإفلاتهم من أية مساءلة حتى وإن تجرؤوا على الاعتداء على موظفة وتمزيق ملابسها أو تهديدها بالقتل. مثل هذه الأمور أصبحت تعم سجن سلا المحلي ومجموعة أخرى من الاختلالات التي من شأنها أن تُـودي بحياة السجين. أتمنى من الحقوقيين أن يهتموا أكثر بما يجري داخل السجون، خاصة أنها باتت تفتقر لأي علاقة بالتأديب وإعادة الادماج، وأصبحت سجونا للتعذيب وإعادة الإخماج!
4. يُروَى أنكِ خُضت أشكالا نضالية داخل السجن، ماذا كانت طبيعة هذه الأشكال وما هي الأسباب التي كانت وراء القيام بها؟
الإجابة: في الحقيقة، كنت مكسورة النفس عندما تم اعتقالي؛ ربما لأني لم أصدق ما جرى ومدى خطورة المحاضر المطبوخة؛ لذا حاولت الابتعاد خلال الأشهر الأولى عن الاحتكاك بالموظفين والإدارة. لكن في بعض الحالات تثور حفيظتي، من كثرة المحسوبية والتمييز، فأقوم بمراسلةِ الادارة لتصحيح الوضع. وعندما ترى الإدارة بأنني مصممة على شيء – وقد كانت على علم بأنني لم أعد أحتمل وسبق أن قلت لهم، مثلا، أنني أفضل الموت على المكوث في غرفة مدخنين وإني إذا ما أعلنت الدخول في إضراب فلن يكون عن الطعام فقط، بل يمكن أن تتفاجؤوا بأسلوب جديد لم يعرفه المغرب من قبل - تضطر الى التعامل بجدية مع طلبي. نعم، كنت قليلة المطالب، ولكن لم أحب أن يُـذلني أحد أو أن أُحرَم من التمتع بالامتيازات التي يتمتع بها من يدفعون هناك الرشاوى. كنت أمتلك القوة، وفي غير ما مرة قررت الدخول فعلا في إضراب بشكل ما، لكن استجابة الإدارة لطلبي تعيد الأمور إلى نصابها. أهم الأمور التي كانت تزعجني وأحاول تصحيحها هي المكوث في زنزانة بها دخان، تصرفات الموظفات وكلامهم، مدة المكالمات الهاتفية وقَطع الاتصال الهاتفي خلال بعض الأيام، تفتيش متاعي بالزنزانة ورميه أرضا الأمر الذي لا يحصل مع الآخرين، منعي من إدخال الخضر وحجزها وعدم إرجاعها لعائلتي بل وأخذها من طرف الموظفات، سرقة كتبي وكل ما أكتبه بتوجيه من الإدارة.
5. كيف تُـقَـيـمين أداء المجتمع المدني المحلي والوطني اتجاه قضيتك؟
الإجابة: القضية ليست قضيتي لوحدي، بل هي قضية وطنية، قضية المعطلين وقضية من يرفع صوته لطلب حقه المنتهَك ومن يرغب في العدالة الاجتماعية وتحقيق الكرامة وفي العيش الكريم. اليوم أصبحنا نعيش في انتهاك خطير لحقوقنا كمواطنين. لقد طالبت بالتوظيف، وهذا حقي. وحتى لو رجعنا للدستور و لمعيار الكفاءة فأنا لي ثقة في كفائتي ولا أظنها أقل ممن تم توظيفهم. إذن فقد كنت على صواب ومطالبي مشروعة. ولكن كيف يسكت المجتمع المدني على التنكيل بي وعلى الرفس على جسدي؟ لقد تم انتهاك حرمته بالتعذيب، وفي الأخير تم اعتقالي. أتذكر جيدا أن عميد الشرطة عاملنا معاملة حاطة بالكرامة؛ من قبيل السحل على الأرض والضرب ثم التهديد بإرسال رصاصة الى أدمغتنا، ناهيك عن وابل الشتائم وأخيرا الرمي في زنزانة الجلادين. نعم أضحينا جرذانا لا حق لهم في هذا البلد؛ لأن من اعتدى وأهان وضرب يتمتع بالحرية الكاملة ويتمادى في ممارسة شططه ومبالغته في استخدام نفوذه من أجل إسكات صوتنا. وهكذا، نُرمى نحن، أكباش الفداء، في السجون في ظل سكوت المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية. أين هي العدالة؟ أين هي المساواة؟ أين هي الديمقراطية؟ ديمقراطية الإذلال، ديمقراطية الحرمان من حق الشغل، ديمقراطية محاكمة الضحية لا الجاني الحقيقي الذي لا رغبة له في العدل ولا في الإنصاف. هذه رسالة الى كل الحقوقيين. هكذا تُصفقوا للظالم، وهكذا تقولون له استمر في قمعنا، استمر في قهرنا، لا مجال للعدالة ولا مجال لقضاء نزيه، فـقد فُـزت. البارحة نيني والحاقد واليوم بنزكري وغدا كل أصحاب الضمائر الحية وكل الشرفاء الذين يدافعون عن الحق. هكذا تدافعون عن حقوقنا بالصمت أمام الإستهتار بحقوقنا. ننتظر منكم الكثير...
6. ألا ترين أن التجاهل الذي طال، ومازال حتى الآن، قضيتك بعد خروجِــك من السجن من شأنه أن يجعل قضيتك "قضية جُـنحية" عادية، وليست قضية امرأة مناضلة من أجل الحق في العمل والكرامة، اعتُـقلت في ساحة النضال؟
الإجابة: القضية لم تنتهي بعد! فالنضال من أجل الحق في الشغل والكرامة مستمر الى أن تتحقق المكاسب، وربما إلى اللحد. حُوكمتُ بتهمة العصيان المدني والتجمهر بدون رخصة والاعتداء على أفراد الشرطة وإهانتهم- بعد سقوط التهم الجنائية طبعا. يعني أننا اليوم أمام حالة تراجع في المكتسبات، كحق التظاهر مثلا. والنضال أصبح مآله السجن وبعده الصمت. وهذا أمر خطير جدا، خاصة أمام سكوت الكل أو تجاهله. أنسكت عن اغتصاب حق؟! أنسكت عن التعذيب؟! هناك أطراف تحب هذا التجاهل وتعمل من أجله قصد طمر القضية ومعها الحركة الاحتجاجية المشروعة.
7. ماذا تقولين للذين ساهموا في اعتقالك وتعنيفك وتسممك غذائيا وحرمانك من أسرتك لمدة سنة كاملة؟!
الإجابة: أشكرهم جزيلا! لأنهم، بصراحة، قدموا لي خدمة مجانية لتقوية إيماني أولا، وتمسكي أكثر بقدرة الله ومشيئته ثانيا. جعلوني أتغلب على الباقي من الخوف الذي كان مختبئا بداخلي، وأن أُصبح قوية أكثر لمواجهة الصعوبات التي تنتظرني في مسيرتي الدنيوية، وأن أفهم الناس أكثر، وأن آخذ وقتا كافيا للتفكير في تسيير مستقبلي، و أن أتقرب من 166 سجينة وأسمع قصصهن. وما حدث لهن، في الواقع، يجب أن يدفعنا جميعا للمطالبة بتصحيح الأوضاع الاجتماعية الخطيرة التي تدفع الآلاف ليصبحوا سجناء بسبب السرقة والإجرام والدعارة، وإلى وضع منظومة شمولية تهدف للقضاء على الفقر بشكل حقيقي لا بالشعارات الممسرحة. وكذلك أشكرهم لأنهم استطاعوا أن يُـظهروا للكل مَن الانتهازي ومن المناضل. وأقول لهم الآن: حقي عندكم وأنا قادمة لانتزاعه حتى وإن بقيت ثانية واحدة في حياتي!
8. بعد أسابيع، ستكون الذكرى السنوية الثانية لانطلاق حركة 20 فبراير، هل ستشاركين في الفعاليات الاحتجاجية التي قد تقام بهذه المناسبة؟
الإجابة: الحقيقة أتمنى أن تصل الفعاليات الى المستوى المرغوب فيه. ما أتمناه بصراحة أن أجد نفسي بين مئات البيضاويين في سباتة؛ حتى أشعر أنني لست الوحيدة التي تطالب بالتغيير والإصلاح الحقيقي وأنه إذا ما تم اعتقالي فالآلاف ستناضل من بعدي ولأجلي الى أن يُفرج عني. أتمنى أن تستعيد حركة 20 فبراير في الخميسات صيتها وتستطيع المطالبة بإصلاحات محلية ووطنية كما كانت في البداية. كما أتمنى أن أقف هنا في الخميسات لأقول أنه لا التهديد بالقتل ولا بالترهيب ولا بالاعتقال تستطيعون إسكات صوت الحق وصوت الكرامة، والخيار المتاح أمامكم هو تنفيذ تعهداتكم وإصلاح الأوضاع والاستماع الى صوت الشعب والى صوت الجوعى والمحرومين وبالخروج الى الناس ومحاورتهم والسؤال عن مطالبهم. هكذا فقط يمكنكم أن تتجنبوا وقوف الآلاف القادمة للمطالبة بالإنصاف...
9. سؤال أخير، ما الدور الذي ترينه لمستقبلك النضالي؟
الاستمرار في النضال واجب أكثر من البداية. والاعتقال التعسفي المرفق بالتعسف والتنكيل والقهر لن أنساه مهما حييت وإذا لم أُناضل من أجلي سأناضل من أجل الخائفين والجوعى والمقهورين وسأناضل من أجل أبنائي غدا حتى لا يُعتقلوا هم كذلك في المظاهرات. سأناضل من أجل تثبيت حق التظاهر وحق العمل وحق الكرامة وضد الاستبداد والحكَرة وضد الرشوة التي لا زالت ترمي بخيوط شبكتها أكثر فأكثر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق