فؤاد بلحسن - من مصلحتنا جميعا تأجيل زيارة الملك! - القلم 3000

اَخر المشاركات

القلم 3000

مدونة القلم 3000، متخصصة في قضايا الفكر والشأن العام وفن العيش.

الأحد، 10 أبريل 2016

فؤاد بلحسن - من مصلحتنا جميعا تأجيل زيارة الملك!


belahcenfouad@gmail.com




هل تلعب الملكيات الكاميرا الخفية؟ طبعا، لا! ولا هي بصدد المزاح على منوال "كذبة أبريل" حتى وإن كنا في شهر أبريل. الملكيات تخطط استراتيجيا وتناور تاكتيكيا، تنكمش في المد وتتمدد في الجزر. وأهم ما تسعى إلى تجنبه، هو الخطأ. لذا تعمل جميع الملكيات تحرص على تقليص هامش الخطأ إلى الصفر. صفر خطأ هو – وهو فقط - ما يضمن للملكيات هيبتها واستقرارها البعيد الأمد. ومن هنا يمكن فهم سبب انغماس الملكيات في الطقوس؛ باعتبار أن الطقوس نظام، والنظام استقرار. ينطبق هذا على الملكية البريطانية والإسبانية كما الملكية المغربية.
لعلى ضوء هذا الثابت في سلوك الملكيات، لنتساءل سوية: لماذا تم تأجيل الزيارة الملكية المبرمجة للخميسات؟
في الإجابة عن هذا السؤال، ذهب المعلقون والهامسون مذاهب شتى. لنختزل المشهد اختزالا لا يُخل بتعقيداته.
الرأي الأول: «تأجلت الزيارة بسبب حدث طارئ اضطر الملك معه إلى السفر للخارج». ثبت أن هذا الرأي كان خاطئا. فلم يخرج الملك من حدود البلاد يومها.
الرأي الثاني: «تأجلت الزيارة لأن أجندة الملك كانت مليئة بالأنشطة في تلك الفترة». الرد البسيط والأساسي عن هذا الرأي، هو أن الزيارة كانت هي الأخرى جزء من أجندة الملك ولم تكن شيئا تقرر ارتجاليا. الملكيات غالبا لا ترتجل.
الرأي الثالث: «تأجلت الزيارة بسبب غضبة ملكية عن مسؤولي المدينة». هذا رأي يختلف عن الرأيين السابقين. هذا رأي سياسي. وهنا تكون البينة على المدعي. لم يقدموا تبريرات كافية عن ادعائهم. خاصة وأن هذا الرأي تردد محليا فقط ولم تتداوله أي جريدة وطنية. فـ "الغضبة الملكية" غالبا ما تستقطب تغطية إعلامية واسعة لأن البلاط يريدها أن تأخذ هكذا أبعاد، وذلك لإعطاء ردود فعل الملك بعدا بطوليا يتحول إلى قناعة شعبية مفادها «الملك لا يتهاون مع البانضية». وعلى أي، ثمت شكوك كبيرة تحوم حول هذا الرأي الثالث. والملاحظ أنه جرى تغذيته بالعديد من الشائعات، كان أهمها: "لقد جرى اعتقال بلفيل والبويرماني. ووضعوا تحت التحقيق بشأن مصادر ثروتهما". في الضباب يسبح الخيال كثيرا.
هل من إمكانية لطرح تفسير آخر. سأحاول في ما يلي ذلك. على أن هذا الرأي يبقى هو الآخر قابلا للتفنيد أو معرضا للنقص.
قبل أسبوع من الزيارة، كانت الأمور تظهر عادية على السطح غير عادية في الجوهر. شرعت السلطات العامة والمجلس الجماعي في التحضير للاستقبال. ثم سرعان ما بدى أنهم ينطلقون للسرعة القصوى في محاولة لترقيع ما يمكن ترقيعه. من حي إلى حي، من ترقيع إلى آخر. وفي لحظة، اتسع الخرق على الراقع: لم تقل الرقعات وإنما على العكس من ذلك زادت وبرزت أكثر. وبين هذه اللحظة وتلك، بدؤوا يدركون معنى حدث اسمه «تنظيم زيارة ملكية» بالنسبة للبلاط وللدولة. في هذه اللحظة التي تحقق هذا الوعي المربك، دخلت الأحزاب السياسية والمجتمع المدني على الخط، في الميدان وفي العالم الرقمي. وهكذا، فجأة، تكونت، على هامش الفرح والموسيقى والرقص ترحيبا بالزيارة الملكية، معركة سياسية مفتوحة انتقاما من السلطات العمومية والمجلس الجماعي، بعد أن أظهروا تحفزا غير مسبوق لخدمة المدينة بعد سنوات من الغياب واللامبالات. الذاكرة الشعبية لا تنسى والتاريخ كثيرا ما يمكر.
بدأ السياسي يطعن في خصومه المسيرين للمجلس وفتح معركة وأحسن تصيد نقاط ضعفه في لحظة الضعف القصوى (شْدُّو قِطِّي). وشرعت بعض هيئات المجتمع المدني تُنعش صناديقها ببعض عشرات الآلاف من الدراهم ("الهمزة مجددا"). وذهب الإعلام ومعه الشباب في العالم الرقمي في اتجاهات مختلفة غـلب عليها  اتجاه توجيه النقد للمسؤولين عن تدبير المدينة.
فمثلا، أدى موقع الخميسات سيتي وصفحة الخميسات سيتي دورا أساسيا في هذه "الغزوة الإعلامية" غير المسبوقة. والملاحظ أنهما أدى دورين متكاملين ومتناقضين في نفس الوقت. أدى الموقع دور مقدم الأخبار مع تعليقات تسعى إلى توضيح ما تحتاجه المدينة وما تنتظره من الزيارة الملكية. بينما أدت الصفحة دورا نضاليا بامتياز؛ حيث نهضت للترافع ضد إهمال المدينة وضد ارتجالية المسؤولين من خلال الكشف عن كل خلل في "العملية الجراحية المستعجلة" التي خضعت لها المدينة خلال 10 أيام من العمل المتواصل في التجهيز، التزيين والتنظيف. أطلقت الصفحة مباردة: «أرسل صورة عن حَيك» .... ففضحت بها الكثير. لقد كان مشهد الأشجار حديثة الزرع المتساقطة وكذا أعمدة الرايات التي من المفترض أن تستقبل الملك في مدخل الطريق السيار مشهدا ضاجا بالارتجالية بامتياز. ولم تكتف الصفحة بمتابعة ما يجري وانتقاد ضعف جودة بعض الإصلاحات التي تمت، بل فتحت الحسابات القديمة: الأحياء المهمشة، الأحياء قليلة التجهيز، الإنارة الضعيفة، الطرق المشوهة، وَ وَ وَ...
وزاد المشهد دراماتيكية، توجه بعض الفئات الاجتماعية الهشة في الأحياء المحيطة إلى الاحتجاج في الشارع ضد إقصائها الاجتماعي واللاعدالة التوزيعية للخدمات.
المدينة على مقلة زيت مجددا!
طيب، لنُـلَخص: سلطات غير مستعدة كفاية للزيارة، تحضيرات مرتجلة خلَّفت عيوبا كبيرة ورائها، أحزاب سياسية معارضة للمجلس الجماعي لجأت إلى استثمار الفرصة والتصعيد، جزء واسع من الاعلام انخرط في لعبة الفضح، معلقون شباب منخرطون بحماسة في النيل والانتقام من المسؤولين الذين أهملوا مدينتهم لسنوات. هل هذه العناصر مجتمعة ستحفز مسؤولي البلاط وأجهزة المخابرات على المغامرة في تنظيم زيارة ملكية في ظل هذه الأوضاع. لا! فالملكية لا تحتمل المشي على أرض مهزوزة.
هذا تفسير ممكن. قابل للحياة مؤقتا على الأقل.
ولهذا جاء في العنوان: من مصلحتنا جميعا أن يجري تأجيل الزيارة. من مصلحة السلطات العمومية والمجلس الجماعي أن تؤجَّل ليجمعوا شتات أفكارهم، ليتنفسوا قليلا وليُساءلوا أنفسهم: لماذا هذه الرغبة الجنونية في الإنجاز الآن وليس قبل؟ من مصلحة المدينة أن تؤجَّل الزيارة لتستفيد لأطول وقت ممكن من إنجازات أقل ارتجالية وأكثر فعالية. من مصلحة الهيئات السياسية بالمدينة أن تؤجَّل الزيارة ليُـرَتبوا معاركهم السياسية ضد خصومهم بصورة أكثر عقلانية بعيدا عن الديماغوجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق